حلت الثلاثاء، الذكرى السادسة لوفاة الرئيس
المصري الراحل محمد
مرسي، في ظروف غامضة في مثل ذلك اليوم من عام 2019، في ظل تجاهل تام لملف وفاته مع انشغال الحقوقيين والسياسيين وجل المصريين بأزمات تردي أحوالهم السياسية والأمنية والمالية والاقتصادية والاجتماعية.
ذكرى وفاة أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في العصر الحديث، تأتي في ظل أوضاع إقليمية صعبة؛ إذ تحيط مصر من حدودها الشرقية والجنوبية والغربية، من أزمة الحرب في غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلى حرب السودان منذ نيسان/أبريل 2023، وحتى استمرار توتر الأوضاع في ليبيا.
وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، كتب نجل مرسي الأكبر الطبيب أحمد محمد مرسي: "في يوم 17 يونيو 2019، ودعنا أبي إلى أن نلقاه عند الله في جنات النعيم. رحمات الله عليك تترا يا أبي، فنعم الأب والصاحب والصديق، استودعناك الله وعند الله الملتقى".
اظهار أخبار متعلقة
وقال الكاتب الفلسطيني الدكتور إبراهيم حمامي: "اليوم وبعد 6 سنوات نفتقده رجلا شهما خلوقا نظيفا، نفتقده رئيسا شجاعا صاحب موقف".
وعلق الكاتب الصحفي وائل قنديل قائلا: "اليوم ذكرى رحيل رجل بكت لموته غزة، ودعا له المرابطون حول المسجد الأقصى، وفرحت بالانقلاب عليه إسرائيل".
وقارن نشطاء مصريون وعرب عبر مواقع التواصل بين موقف الرئيس مرسي، ورئيس النظام الحالي عبدالفتاح
السيسي، من الحرب على قطاع غزة وفتح معبر.
وذكر الكاتب الكويتي بجريدة "الراي" عبدالعزيز الفضلي كلمة مرسي الشهيرة عام 2012: "لن نترك غزة وحدها".
وأعاد البعض، هتافه قائلا من قفص محاكمته: "لبيك ياغزة.. لبيك يافلسطين"، وقوله بضرورة أن "نمتلك غذائنا ودوائنا وسلاحنا"، فيما لفت آخرون إلى آخر قوله قبل وفاته داخل قفص الاتهام -وفق محاميه-: "بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام".
ولفت الباحث المصري سيف الإسلام عيد، إلى ضرورة إحياء ذكرى وفاة الرئيس مرسي، "لكيلا يموت التاريخ"، قائلا عبر موقع "إكس": "من يمت تاريخه يهن، ويجبن، ويغبى".
كيف توفي مرسي؟
توفي الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي 17 حزيران/ يونيو 2019، أثناء حضوره جلسة محاكمته بإحدى القضايا "المسيسة" وفق وصف حقوقي، والتي جرى اتهامه بها إثر الإطاحة به من حكم البلاد، ليتم دفنه بشكل سري وبحضور أفراد من أسرته بمقابر جماعة الإخوان المسلمين شرق القاهرة، وسط حضور أمني مكثف.
اظهار أخبار متعلقة
وفقا للبيان الرسمي للنيابة العامة المصرية، فإن مرسي طلب الكلمة وتحدث مدة 5 دقائق، وبعد رفع الجلسة للمداولة، سقط مغشيا عليه، تم نقله للمستشفى حيث أُعلنت وفاته، التي أرجعها التقرير الطبي الرسمي لنوبة قلبية مفاجئة.
أثارت وفاة مرسي ردود فعل دولية وطالبت منظمات حقوقية بـ"فتح تحقيق مستقل ونزيه وشفاف بظروف وملابسات وفاته"، مؤكدين أن "ما حدث لمرسي لا يمكن اعتباره وفاة طبيعية"، فيما رفضت مصر تلك المطالب، واعتبرتها "تسييسا" للوفاة وتدخلا بشؤونها.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، أكد خبراء بالأمم المتحدة، معهم "المقررة الخاصة" أغنس كالامارد أن "ظروف احتجاز مرسي يمكن وصفها بأنها وحشية، وأن موته يمكن اعتباره قتلا تعسفيا بإقرار من الدولة، بسبب ظروف سجنه التي قوضت وضعه الصحي لدرجة تقود لقتله".
اتهمت عائلة مرسي، ومنظمات حقوقية بينها "هيومن رايتس ووتش" السلطات الأمنية المصرية بارتكاب جريمة "القتل بالإهمال الطبي المتعمد"، فيما أقامت أسرته ومحاموه دعاوى أمام "محكمة العدل الدولية"، و"المحكمة الجنائية الدولية"، مع مخاطبة الهيئات الأممية ولجان حقوق الإنسان.
وفي ذكرى وفاته السادسة، علقت "مؤسسة مرسي للديمقراطية" التي تأسست في الذكرى الأولى لرحيل مرسي، بقولها عبر موقع "إكس": "وقف مع إرادة شعبه، ودفع الثمن حياته"، مؤكدة في بيان عبر صفحتها أنه "كان صاحب مشروع نهوض وكرامة، أراد لمصر أن تنهض واقفة، لا أن تبقى متكئة على الخارج".
هل نسي المصريون مرسي؟
أحد مؤيدي الرئيس الراحل محمد مرسي، من قيادات جماعة الإخوان المسلمين المقيمين في مصر، أجاب على هذا السؤال مؤكدا أن "المصريين لم يعد يهمهم البحث في ملف وفاة أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، رغم علمهم بما تعرض له من ظلم، كونهم يتعرضون لظلم فادح مع استمرار نظام السيسي".
وفي حديثه لـ"عربي21"، قال الأكاديمي المصري إن "هناك قطاع كبير من المصريين يؤمنون بأن الرئيس مرسي تعرض للظلم، ويرون أن عام حكمه مثل تجربة ديمقراطية حقيقية جرى إجهاضها".
ويلفت إلى أن "من بقي يعارض مرسي حتى بعد
الانقلاب عليه وسجنه ووفاته التي ترقى للقتل العمد هم من المستفيدين من وجود النظام الحالي"، مبينا أن "أغلب من أيدوا انقلاب السيسي، يندمون اليوم على مواقفهم، مع تردي أحوالهم المعيشية".
وأشار إلى أن "وسائل الإعلام المصرية قدمت مادة دعائية لتشويه فترة حكم الرئيس الراحل؛ لكن الجيل الحالي الذي لم يعاصر مرسي، ولا يعرف غير المعاناة من حكم السيسي".
"وفاة مرسي.. وفرصة السيسي"
وفاة مرسي التي جاءت خلال فترة رئاسة السيسي الثانية (2018- 2024) يرى مراقبون أنها "مثلت فرصة سانحة للسيسي لترسيخ هيمنته.
وأكد البعض أنه "منذ وفاة مرسي منتصف 2019، اتخذ السيسي عشرات القرارات لتثبيت أركان جمهوريته الجديدة، لكن كان أكثرها خطورة وتأثيرا ومنحت السيسي، فرصة لحكم البلاد حتى 2030، التعديلات الدستورية، التي جرت قبل وفاة مرسي بشهرين فقط".
إثر تلك التعديلات، جرى تمديد فترة رئاسة السيسي الثانية عامين لتصبح 6 سنوات بدلا من 4، مع منحه حق الترشح لولاية رئاسية ثالثة من (2024 حتى 2030)، ما ضمن للسيسي البقاء بالحكم 16 عاما، مع توسيع صلاحياته بتعيين رؤساء الهيئات القضائية والنائب العام، وتكريس دور القوات المسلحة، وبناء العاصمة الجديدة والعلمين الجديدة فاخرة المباني والإنشاءات، التي يرى خبراء أنها "لا تخدم التنمية الاقتصادية".
اظهار أخبار متعلقة
وإلى جانب تراجع دور المعارضة السياسية، واستمرار تضييق سلطات السيسي الخناق على الأحزاب السياسية المعارضة والمجتمع المدني، جرى انتخاب السيسي لفترة رئاسية ثالثة في كانون الأول/ ديسمبر 2023، دون منافسة حقيقية وإجبار مرشح القوى المدنية (أحمد الطنطاوي) على الانسحاب.
وعلى الجانب الآخر، أنشأ السيسي، سجونا جديدة ضخمة بوادي النطرون، وبدر، والتي أثارت نقاشات حول أولويات الإنفاق في مصر وحول ملف حقوق الإنسان، لتنضم تلك السجون إلى 91 سجنا رئيسيا، بُنى منها في عهد السيسي 48 سجنا.
في المقابل اتخذت حكومات السيسي، عشرات القرارات برفع أسعار السلع الأساسية كالخبز والمواد الغذائية بكامل أنواعها، والخدمات الحكومية، مثل الكهرباء، المياه، الوقود، وركوب النقل العام وبينها المترو والسكك الحديدية.
واصلت أيضا، قراراتها بالاقتراض الخارجي ومن صندوق النقد الدولي، ليتعدى الدين الخارجي 155 مليار دولار، ما قاد لارتفاع قياسي في عبء الدين العام وخدمة الدين، وذلك رغم الاستمرار ببرنامج الطروحات الحكومية وبيع وتأجير حصص من شركات وأصول وأراضي مملوكة للدولة.
ما يقابله مؤشرات سلبية كنتيجة لتلك السياسيات، مثل تباطؤ النمو الاقتصادي، وزيادة عجز الميزان التجاري مع ارتفاع فاتورة الواردات، وتفاقم أزمة نقص العملة الصعبة، ووصول معدل التضخم إلى مستويات غير مسبوقة لأكثر من 40 بالمئة في بعض الأشهر، وتراجع إيرادات قناة السويس.
"ارتداد ضد السيسي"
تلك الأزمات عصفت بالمصريين وفق شكاواهم الدائمة في وسائل المواصلات التي ترصد بعضها "عربي21"، ومنها تدهور القوة الشرائية، مع الارتفاع الهائل في أسعار السلع والخدمات، ما أدى إلى تآكل قيمة الدخول والمدخرات، وتدهور مستوى المعيشة، وزيادة معدلات الفقر، وتراجع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
ذلك الوضع المتفاقم طوال السنوات الست الماضية إثر وفاة مرسي، أدى إلى تغييرات كبيرة في القاعدة الشعبية المؤيدة للسيسي، الذي واصل أداءه غير المرضي لأغلب المصريين البالغ عددهم 107 ملايين نسمة.
عديد من السياسيين والنشطاء المصريين، الذين شاركوا في مظاهرات 30 حزيران/ يونيو 2013، وما تلاها من أحداث عزل مرسي، وفض اعتصامي "رابعة العدوية، والنهضة" 14 آب/ أغسطس 2013، أعلنوا لاحقا اعتذارهم مع ما تعرضوا له من "تضييق أمني، وغلق للمجال العام، ومنع للحريات، وتقييد العمل السياسي، والتظاهر، واعتقال أكثر من 60 ألف مصري".
و"أغضبهم تولى العسكريين معظم المواقع المدنية في الحكومة والجهاز الإداري للدولة فيما أطلقوا عليه تعبير (عسكرة الدولة)"، وفق مراقبين لفتوا إلى جانب ذلك "ما يطال مؤسسة الجيش من اتهامات بالسيطرة على مفاصل الدولة، وتغول إمبراطورية الجيش الاقتصادية على الاقتصاد الحكومي والخاص".
وأشاروا إلى "قرارات عمقت معاناة المصريين مثل تعويم الجنيه 5 مرات في (2016، و2022، و2023، و2024)، وتفاقم أزمة الدين الخارجي، ووصول الدين العام بالعام المالي الحالي 16 تريليون جنيه بما يعادل 96.4 بالمئة من الناتج المحلي، وارتفاع الأسعار بنحو 450 إلى 500 بالمئة (أو أكثر) من 2014 حتى منتصف 2025، وفق بعض التقديرات".
وبداية من قرار تنازل السيسي، عن جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية عام 2016، جاء إصداره وثيقة ملكية الدولة منتصف 2022، والتي جرى على إثرها طرح عشرات الشركات العامة والأصول المملوكة للدولة والأراضي الاستراتيجية، مثل رأس الحكمة، لصناديق وشركات خليجية أغلبها إماراتية، ليزيد من حالة الغضب الشعبي من توجهات السيسي وقراراته.
"حقيقة وقعت وترسخت"
وهنا يقول السياسي المصري، الدكتور خالد سعيد، لـ"عربي21": "في ذكرى وفاة الرئيس مرسي المحزنة؛ أقول: بعض الناس لا يدرك الناس قيمتهم إلا بعد وفاتهم بسنوات".
المتحدث باسم "الجبهة السلفية"،أضاف أن "القضاء على تجربة الثورة في مصر، والتي كان من أهم نتائجها فوز الرئيس مرسي كأول رئيس مدني منتخب لمصر في تاريخها، وقد كان هدف دولة العسكر محو هذه الفترة من ذاكرة مصر والمصريين بل والعالم؛ بمعنى حصارها وعدم السماح بظهور آثارها في حال نجاحها والذي كان يحتاج فقط إلى بعض الوقت".
وتابع: "مع ذلك فالرئيس مرسي حقيقة وقعت وترسخت رغم أنف الدولة المضادة ومن يقفون وراءها، فهي مرحلة لم تمر وتنقضي كما يظنون ولكنها باقية كدرجة في سلم التحرر من التبعية والنهوض بالبلاد".
وأكد أن "الدكتور مرسي، كرجل من رموز أحد أكبر وأعرق التيارات في مصر والعالم -وهو التيار الإسلامي العريض- ولا أعني به الإخوان فقط؛ سيبقي أحد أيقونات تلك المرحلة الملهمة للأجيال رحمه الله".
ومضى يوضح أن "الوضع الذي وصلت إليه البلاد جعل أكثر الناس يعرفون خطورة التخلي عن الثورة وعن الدكتور مرسي، الذي يحسب له صموده وعدم إيثار السلامة الشخصية على مصلحة البلاد ومفهوم الحق الذي ستبني عليه الأجيال القادمة".