ملفات وتقارير

"قوارب الهروب" | مستوطنون يفرون عبر البحر بعد منع السفر وتصعيد إيران

1700 مليونير اسرائيلي رحلوا منذ بداية عام 2023 بحثا عن ملاذات أكثر استقرارا  - جيتي
1700 مليونير اسرائيلي رحلوا منذ بداية عام 2023 بحثا عن ملاذات أكثر استقرارا - جيتي
دخلت المواجهة بين طهران وتل أبيب منعطفًا جديدًا حين دشّنت إيران هجومها المنسّق تحت تسمية "الوعد الصادق 3"، شمل مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة، مستهدفة بنية تحتية مدنية وعسكرية في تل أبيب، حيفا، ويافا، وهو تطور لافت في طريقة تهديد طهران المباشر للقوات داخل مدن الاحتلال الإسرائيلي.

رغم تدخل منظومة الدفاع الجوي الأمريكية "ثاد" في محاولة لإسقاط هذه الهجمات، إلا أنها لم تتمكن من تحييد تأثيرها بالكامل، ما أدى إلى سقوط خسائر بشرية ومادية داخل المدن الإسرائيلية وأثار الذعر بين المستوطنين ما دعاهم إلى التفكير والسعي إلى الهروب من الأراضي المحتلة.

وأصبح انقسام الشارع الإسرائيلي واضحًا خلال تلك الأيام؛ ففي قلب تل أبيب وحيفا، باتت صفارات الإنذار تحول المدينة إلى مجتمع يعيش تحت الخطر، وأُجبرت الأسر على اللجوء إلى الملاجئ لحماية نفسها، مما دفعهم لتنفيذ محاولات للهروب من الأراضي المحتلة عبر البحر في ظل إغلاق الأجواء، بعدما قررت سلطات الاحتلال إغلاق مطار بن غوريون وتعطيل الملاحة الجوية، فكانت اليونان وقبرص هما الوجهتان الرئيسيتان للمغادرين، حيث بدأت السفارات الإسرائيلية هناك تتلقى استفسارات من مواطنين "وصلوا بلا تنسيق رسمي"

هروب المستوطنين من خلال البحر ودفع مبالغ مالية
وسط هذا الجو المتأزم، شهدت موانئ هرتسليا، حيفا وأشكالج حركة غير مسبوقة للهروب البحري وسمي المشهد بـ"مطار بحري"، كما نشر هآرتس، وقد جمع المئات على متن يخوت خاصة تبحر نحو قبرص. وكانت القوارب تقل بين 8 و10 أشخاص، كل منهم قدم على متن رحلة محفوفة بالمخاطر، بدفع مبالغ تراوحت بين 2,500 و6,000 شيكل للفرد ($700–$1,600)

إحدى الشهادات لوكالة "Palestine Chronicle"وقائع فلسطين تحدثت عن ركّاب دفعوا حتى 6,000 شيكل "من يدفع يمرّ... هكذا يعمل السوق"، في إشارة إلى أن العملية تحوّلت إلى نشاط تجاري مدفوع الخوف الجماعي


اظهار أخبار متعلقة


وكشفت صحيفة "معاريف" العبرية عن موجة هروب "غير رسمية" من داخل إسرائيل عبر البحر، إذ بدأ أثرياء إسرائيليون و"مدججون بالعلاقات" في استئجار يخوت خاصة ومراكب فاخرة مقابل مبالغ خيالية للهروب إلى قبرص واليونان وتركيا، بعضهم دفع ما يزيد عن 50 ألف دولار لتأمين مكان على متن قارب مجهز بمستلزمات الطوارئ.

كما نقلت الصحيفة عن مصدر أمني، أن هذا النوع من الهروب بدأ يظهر عقب الضربة الإيرانية الثانية على منشآت حيوية في الداخل الإسرائيلي، وهو ما وصفته بـ"هروب النخبة"، حيث لا تتوفر مثل هذه الوسائل لعامة الناس.

من الهروب إلى التهريب: تجار الأزمات يظهرون
في سياق متصل، أوردت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن مهربين محليين بدأوا يعرضون خدماتهم على تطبيقات الرسائل المشفرة مقابل مبالغ ضخمة، لتهريب أفراد أو عائلات خارج إسرائيل عبر البحر، وقد أوقفت البحرية الإسرائيلية قوارب محملة بأشخاص حاولوا المغادرة بشكل غير قانوني، في مؤشر واضح على مدى تفاقم الفوضى.

وقال أحد المسؤولين في خفر السواحل: "لم نشهد من قبل هذا العدد من محاولات المغادرة غير الشرعية، الوضع غير مسبوق بكل المقاييس."



الرحيل قبل فوات الأوان
عدد من الفيديوهات التي تسربت من شواطئ تل أبيب أظهرت عائلات تحمل أطفالها وتتزاحم للركوب على مراكب سياحية صغيرة تم تحويلها إلى قوارب نجاة، ووصف مراسلو قناة "كان" الرسمية المشهد بأنه "مزيج من الهلع واليأس".

وفي مقابلة بثتها قناة 13 العبرية، قالت امرأة من مدينة رعنانا كانت تحاول مغادرة إسرائيل عبر البحر: "لم أعد أشعر بالأمان، لا في البيت، ولا في الشارع، ولا في الملاجئ. البحر آخر أمل."

اظهار أخبار متعلقة


ويدّعي معظم المغادرين أنهم لا يعيشون في إسرائيل ويريدون العودة إلى ديارهم، رغم أنهم إسرائيليون، بينما يقول آخرون إنهم يرغبون بالانضمام إلى أبنائهم في الخارج، وتعترف قلة منهم فقط، وفقاً للصحيفة العبرية، بأنهم يهربون من الصواريخ الإيرانية، ومع ذلك، لا أحد يرغب في الحديث علناً مع الصحافيين.

حكومة الاحتلال تمنع السفر جوا

في صباح الاثنين، أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي قرارها المشدد بمنع المواطنين من مغادرة البلاد، بما في ذلك الإجلاء الطارئ، استنادًا إلى توصيات الأجهزة الأمنية وبهدف حماية الطائرات المدنية من أي استهداف محتمل .

القرار الحكومي اعترف ضمنيًا بأن 180–200 ألف إسرائيلي كانوا عالقين خارج البلاد، يتوزعون بين طلاب، مرضى ومسافرين عاديين، وتلقت شركات الطيران الإسرائيلية، مثل “أركيا" "العال" و"إسراير"، القرار بصدمة.

وعلق مدير شركة "أركيا" على القرار بأنه أدى إلى أزمة طيران حقيقية، حيث أبدى قلقًا من عدم وجود خطة فورية لإعادتهم ورفض الفكرة القائلة بأن الأمن فوق كل اعتبار بمطالبة السوريين بالعودة.

وأضاف رئيس شركة الطيران أن "العودة ستكون أسابيع وربما أكثر"، وأن إعادة فتح بن غوريون ستكون تدريجية وعلى فترات قصيرة عند تهدئة إطلاق الصواريخ، وهذا الوصف كشف عن حالة من الانسداد في جهود التواصل والإجلاء، تركت المواطنين في حالة انتظار مفتوحة.

بالإضافة، تم منع استخدام الحدود البرية مع الأردن ومصر كعبور جماعي، لأسباب أمنية، وبالتالي، وجد المواطن نفسه محاصرًا بين حظر جوي، وحظر بري غير معلن، وحل واحد متاح: البحر بتكاليف باهظة.



اظهار أخبار متعلقة


القرار نقلته صحفتي "هآرتس" و"يديعوت أحرنوت" العبريتين، واتخذته الحكومة كإجراء احترازي لمنع استهداف الطائرات المدنية في ظل التصعيد الإيراني.

الإغلاق الجوي لم يكن العامل الوحيد في منع الرحلات. الحدود البرية مع الأردن ومصر تم تشديدها، وقد طلب الجيش من بعض المناطق التوقف عن استقبال العابرين خوفا من تجمّعات قد تثير حساسية أمنية. نتيجة الإجراءات، تحولت بلاد مختلطة بهوياتها الى مساحة شبه مغلقة على مواطنيها.

هذه الإجراءات كانت صحيحة من وجهة نظر أمنية، لكنها ولدت حالة من الاستياء الشعبي. عائلات قالت انها لم تجد قناة واضحة للعودة، والعديد من الأسئلة التشكيكية طفت حول قرار الحكومة باضفاء سلطة على حركة المواطنين بصلاحيات شبه مطلقة.

إسرائيل تواجه "نزيفًا بشريًا"

ووفقًا لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، شهدت دولة الاحتلال الإسرائيلي تحولًا ملحوظًا في اتجاه الهجرة خلال عام 2024، إذ غادر 82,700 إسرائيلي البلاد، مقارنة بحوالي 30,000 فقط في عام 2023—ما يمثل قفزة تفوق 175بالمئة.

المثير للانتباه أن عدد العائدين من هؤلاء المغادرين ضئيل جدًا، ولا يتجاوز 23,800 شخص—وهذا يعني أن أكثر من 58,900 من المهاجرين لعامي 2023–2024 قد اختاروا عدم العودة، ما يخلق صافي هجرة عكسي يصل إلى –18,200 شخص .



من يرحل؟ هجرة الكفاءات
وشمل الرحيل فئات مؤثرة في المجتمع بشكل خاص، بحيث غادر معظمهم من الأطباء، والمهندسين، والخبراء التقنيين، وأفراد من القطاع الأكاديمي. هذه الاتجاهات لا تحسب كمغادرين عاديين فحسب؛ بل كمغادرين يحملون معها جزءًا من البنية المهنية للدولة.

صحيفة AP News نقلت شهادات عديدة، بينها شهادة شيرا كارمل، التي وصفت مغادرتها “بحثًا عن أمان وحياة مستقرة”، كما نقلت عن مسؤول صحي قوله إن "فقدان الطوابق الشابة يعود إلى فقدان الثقة بأمان الدولة".



اظهار أخبار متعلقة


كما تشير البيانات إلى أن حوالي 1700 مليونير إسرائيلي رحلوا عن البلاد منذ بداية عام 2023، بحثا عن ملاذات أكثر استقرارا مثل مالطا والبرتغال وكندا، وحجم الطلب على برامج إقامة المستثمرين زاد بنسبة 160 بالمئة بين 2022 و2023، في مؤشر واضح على اتجاه مالي وهجري .

في عام 2025 ازدادت وتيرة الخروج مع تصاعد التوترات الأمنية والسياسية وخاصة بعد التصعيد الأخير مع إيران، إذ سجلت زيادة بنسبة تتراوح بين 15 و20‎بالمئة‎ مقارنة بنفس الفترة من 2024 .

التعليقات (0)

خبر عاجل