قضايا وآراء

الصكوك ورأس شقير المصرية

أشرف دوابة
"ظهرت على السطح منطقة رأس شقير التي تعد من أكبر تجمعات الشعاب المرجانية البكر في العالم، وذلك فيما يتعلق بإصدار تلك الصكوك"- خرائط جوجل
"ظهرت على السطح منطقة رأس شقير التي تعد من أكبر تجمعات الشعاب المرجانية البكر في العالم، وذلك فيما يتعلق بإصدار تلك الصكوك"- خرائط جوجل
في ظل أزمة الديون الخانقة التي تعيشها مصر وسياسة ترقيع الديون التي اتخذتها الحكومة المصرية منهجا، تسعى وزارة المالية المصرية لإصدار صكوك سيادية، تستهدف جمع ما بين تريليون إلى 3.6 تريليون جنيه، لتمويل العجز المتوقع في خلال العام المالي 2025/2026، حيث تتوقع الحكومة ارتفاع الفجوة التمويلية في مشروع الموازنة العامة للعام المالي القادم بأكثر من 25 في المائة لتصل إلى 3.6 تريليون جنيه، بما يعادل نحو 70 مليار دولار.

وقد ظهرت على السطح منطقة رأس شقير التي تعد من أكبر تجمعات الشعاب المرجانية البكر في العالم، وذلك فيما يتعلق بإصدار تلك الصكوك، وهو ما أرجع الذاكرة إلى منطقة رأس الحكمة التي تخلت عنها الحكومة العام الماضي مقابل أموال تبخرت وأمن قومي بات في خطر، حيث باعت الحكومة نحو 40 ألف فدان على شاطئ البحر المتوسط لصندوق أبو ظبي السيادي بقيمة 35 مليار دولار في آذار/ مارس 2024.

هو ما أرجع الذاكرة إلى منطقة رأس الحكمة التي تخلت عنها الحكومة العام الماضي مقابل أموال تبخرت وأمن قومي بات في

وها هي اليوم في طريقها للتخلي عن رأس شقير، حيث نشرت جريدة "الوقائع" الرسمية في 4 حزيران/ يونيو الجاري، قرارا جمهوريا بتخصيص مساحة 174,399 كيلومترا مربعا تطل مباشرة على البحر الأحمر، من المساحات المملوكة لدولة مصر ملكية خاصة، لصالح وزارة المالية، من أجل استخدامها في خفض الدين العام للدولة، وإصدار الصكوك السيادية، وفقا للقوانين والقواعد المعمول بها في هذا الشأن. وتمتد المساحة الخاضعة لأحكام القرار من منطقة رأس شقير إلى رأس جمسة السياحية على ساحل البحر الأحمر (شرق). ونص القرار الموقع في 4 حزيران/ يونيو الجاري، بأن تحتفظ القوات المسلحة بملكيتها للأراضي الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية داخل حدود المساحة المبينة في القرار.

وقد نشرت وزارة المالية المصرية ما أسمته حقائق عن قرار تخصيص أرض رأس شقير، حيث ذكرت أن الأرض المستخدمة كضمانة ستظل تحت الملكية الكاملة للدولة ممثلة في وزارة المالية ‏وبعض الجهات الحكومية ذات النشاط الاقتصادي، دون نقل ملكية الأرض لأي جهة، وأنها تستهدف استخدام جزء من الأرض لتحقيق أفضل تنمية للدولة من خلال الدخول في بعض الصفقات والشراكات مع بعض جهات الدولة التي تعمل في القطاع المالي وبعض الهيئات الاقتصادية، لاستبدال جزء من المديونية القائمة على أجهزة الموازنة لدى تلك الجهات الحكومية مقابل الدخول في استثمارات مشتركة، وأن القرار يستخدم في المساهمة في تلك الأراضي وتحويلها إلى مشروعات إنتاجية وخدمية وسياحية وعقارية، بما يحقق عائدا اقتصاديا مستمرا للدولة لصالح الأجيال القادمة وتوفير فرص عمل.

وبغض النظر عن الكلام الإنشائي في البيان، من مصطلحات التنمية وتحقيق عائد اقتصادي مستمر لصالح الأجيال القادمة وتوفير فرص العمل؛ التي لا يمكن أن تتحقق في ظل سياسة الدولة في ترقيع الديون والاتجاه نحو الإفلاس وجدولتها فيما بعد، فإن الواضح أن إصدار الصكوك من خلال هذا الأصل الذي نقلته الدولة لوزارة المالية إن لم يكن بيعا لتلك الأصول فإنه بيع لحق الانتفاع بها لمدة معينة يستفيد حمَلة الصكوك من عائدها الذي لا يعرف مصدره.

حلقة في سلسلة ترقيع الديون الخبيثة التي تدمر اقتصاد البلاد وتحول دون تحقيق أي تنمية وتظلم الجيل الحالي والأجيال القادمة

وكما يبدو لي أن هذه النوعية من الصكوك ستصدر مبنية على الأصول "Asset Backed Securities"، فهي صكوك يكون فيها الأصل حاضرا لغرض الالتزام بالشريعة، وليس بهدف أن يكون مصدرا لمدفوعات الربح ورأس المال، فليس من الضروري أن يولد الأصل عائدا لحاملي الصكوك، ويتعهد فيها المنشئ بإعادة شراء الأصول من المصدر عند استحقاق الصكوك، أو عند وقوع حدث محدد مسبقا بسعر يساوي المبلغ الأصلي لحجم التمويل. وفي ظل هذا التعهد تكون القيمة الحقيقية للأصل أو محفظة الأصول غير مؤثرة في قيمة الصكوك، باعتبار أن مبلغ إعادة الشراء معلوم مسبقا ويساوي مبلغ التمويل الأصلي. وفي هذه الحالة لا يتمتع حاملو هذا النوع من الصكوك بحقوق خاصة على الأصل، ولهذا عادة ما يتركز تقييم مخاطر ائتمان هذه الصكوك على الجهة التي تلتزم بإطفاء الصكوك وقدرتها على السداد إما من مصادر داخلية أو عن طريق إعادة التمويل، وهذه الجهة هي وزارة المالية المصرية.

وهذه الصكوك بهذه الصورة هي حلقة في سلسلة ترقيع الديون الخبيثة التي تدمر اقتصاد البلاد وتحول دون تحقيق أي تنمية وتظلم الجيل الحالي والأجيال القادمة، ومن الناحية الشرعية فإن هذه الصورة من الصكوك تحاكي الممارسات المتبعة في إصدار السندات الربوية، من ضمان رأس المال، كما تحرم حملة الصكوك من ملكيتهم لأصولهم ومن ثم بيعها ونيل حقوقهم منها في حالة التعثر أو الإفلاس لأنهم لا يملكونها قانونيا، ومن ثم فهي لا تحمل من الصكوك إلا اسمها، وتخرجها عن مضمونها وحقيقتها الشرعية في أنها تمثل ملكية حصص شائعة في موجودات لها غُنمها وعليها غُرمها.

x.com/drdawaba
التعليقات (0)

خبر عاجل