كتاب عربي 21

الأسد الصاعد: المطلوب رأس النووي "المنتظر"

أحمد عمر
"استطاعت إسرائيل قتل اثني عشر عالما نوويا أو أكثر بمعركة بيجر ثانية، أو ما يشبهها، في بيوتهم، وقتلت قادة إيرانيين من الصف الأول"- جيتي
"استطاعت إسرائيل قتل اثني عشر عالما نوويا أو أكثر بمعركة بيجر ثانية، أو ما يشبهها، في بيوتهم، وقتلت قادة إيرانيين من الصف الأول"- جيتي
إيران تنتظر خروج المهدي من السرداب، الذي أمسى وصف المنتظر لاصقا به، وصارت صفة المنتظر له كنية ونسبا. ليست إيران وحيدة في المرفأ، فإسرائيل ومعها أمريكا -جمهوريون وديمقراطيون- تنتظران مهديهما المسيح أيضا، في محطات القطار والمطارات والمرافئ السياسية، وتمهدان لمعركة هرماجدون وتستدرجانها.

المهدي موجود في آثار إسلامية، لكنه ليس في البخاري أصحّ كتب السنّة، ولا ينتظره أهل السنّة انتظار الشيعة، أو المسيحيين الكاثوليك، وينكره بعض علماء السنّة، فهو عندهم بدعة تسربت إلى الآثار النبوية، فإن كان المسيح سيعود من السماء، فلِمَ المهدي إذا، ولِمَ سيصلي المسيح، وهو نبي، خلف واحد من ذرية النبي التي تبعثرت وضعفت! فما أكثر أدعياء الانتساب إلى الشجرة النبوية من جهة الأم، والنسل العربي نسل آباء، والآية تقول بصريح العبارة: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما"، وإنَّ النقاش في هذا شأن فقهي وسلالي محض ليس هذا محله. وإنَّ عقيدة المهدي أو المسيح موجودة في أكثر الديانات على الأرض، حتى في ديانات الشامان البدائية البرية. أغلب الظن أنَّ صمويل بيكيت استوحى مسرحيته "في انتظار غودو" من المسيح المخلص.

يسخر كتاب علمانيون من هذه العقائد ويعتبرونها أساطير أولين، ولطالما غيرت الأساطير العالم وصنعت حاضرها ومصائرها، فالأساطير حقائق تاريخية مصاغة بلغة مجازية وشعرية، وهي نبوءات أيضا، والمسلمون والمسيحيون ينتظرون المسيح، وإن اختلفت طريقة الانتظار.

نتنياهو محصور أمام شعبه، فهرب إلى الأمام باغيا صناعة نصرين؛ مكان تحت الشمس، وهرب من أزمة الداخل. رأى نتنياهو أن يقوم بمعركة الأسد الصاعد لنزع سلاح إيران النووي

تدفع تصريحات إيرانية عن نفسها تهمة صناعة قنبلة نووية، بالقول إنَّ الإمام مؤسس الجمهورية الإسلامية الخميني قد حرّم صنعها، لكن أحدا لا يصدقها، وإيران دولة ذات تاريخ عريق قلَّ أن يكون له نظير في العالم، فقد سادت العالم فترة، وكانت قطبا وحيدا، وهو تاريخ حافل بالأساطير والفخر والخيلاء، مثلها مثل إسرائيل التي يرى المسلمون علوها الكبير، الذي بلغ شأوا لم تبلغه من قبل، ويتطيرون من اسم الدولة التالية التي سيبغو عليها نتنياهو، ملك إسرائيل الأخير في نبوءات إسلامية ونبوءات توراتية. إن إيران وإسرائيل تتصارعان على سيادة الشرق الأوسط، وديار العرب، الذين صاروا "كالغنم في الليلة الشاتية"، فكأن التاريخ وقد عاد بنا زمن سورة الروم، وآياتها الثلاث الأولى، وإن بطريقة مختلفة.

لكن إسرائيل (طليعة الروم وربيئتها وفتوتها في ديار المسلمين) وقد اصطدمت بصخرة صلبة في غزة، وثارت ضدها عواصم أوروبية وهي ترى الإبادة رأي العين، وحُشر رئيس حكومتها وتكاد المعارضة أن تسحب شرعيته، مطالبة بانتخابات، رأت أن تغزو إيران بحملة اسمها الأسد الصاعد (رمز المعارضة الإيرانية الزرداشتية) وقد قطعت أذرعها في دمشق الأسد وفي لبنان؛ بقتل معظم قادة حزب الله، بل بلغ بها العتو والعلو أنها حرمت جمهور الحزب حتى من إقامة جنازات لهم، وأجبرت من بقي من قادتهم مكرهين على الغياب في المغاور واللواذ بالأنفاق، ومنعتهم من الظهور خوفا على حيواتهم، و"ملكها" نتنياهو محصور أمام شعبه، فهرب إلى الأمام باغيا صناعة نصرين؛ مكان تحت الشمس، وهرب من أزمة الداخل.

رأى نتنياهو أن يقوم بمعركة الأسد الصاعد لنزع سلاح إيران النووي، ولا تقارن شجاعة الإيرانيين بجبن الإسرائيليين في هذا الزمان، وكانت إيران إبّان معركتها مع العراق في عهد صدام حسين ترسل الآلاف من الصبية الانتحاريين، تكتسح بهم الألغام وتفجرها تمهيدا للعربات والمشاة، وفي أعناقهم قلائد بها مفاتيح للجنة، وعدهم بها الخميني، وهي طريقة بدائية في القتال، لكنها نفعت مع العراق وقتها، حتى أنَّ صدام حسين خرج مخاطبا جنوده، يعظهم بعدم الخوف من أصحاب الربطات، وهي ربطات شدّت على رؤوس الصبية كتب عليها: يا حسين.

أغلب الظن أنَّ المعركة بين إيران وإسرائيل محسومة، فإنما هي أكلة جَزور أو عضة كوسا، والتفاوت ظاهر في القدرات القتالية والأسلحة والتصريحات والتهديدات، إيران تقاتل وكأنها عمياء، في حين أن إسرائيل تبصر كل هدف بصر العين.

استطاعت إسرائيل قتل اثني عشر عالما نوويا أو أكثر بمعركة بيجر ثانية، أو ما يشبهها، في بيوتهم وعلى موائدهم، وقتلت قادة إيرانيين من الصف الأول بسهولة، أما إيران، فترسل طائرات وصواريخ، تصيب خبط عشواء، وإن أخافت الإسرائيليين الذي وفدوا إلى أرض اللبن والعسل من أجل العيش الرغيد الذي لا يُكدر. المفاجأة التي تواطأت فيها أمريكا مع إسرائيل أذهلت الإيرانيين الذين يدافعون عن بلدهم، والدفاع أقل من الهجوم في حرب الكترونية.

"ولتجدنهم أحرص الناس على حياة".. الإسرائيليون كذلك، لكن عقيدة الفداء الإسلامية، والشيعية منها بوجه خاص، لن يكون لها معنى في حرب حديثة تجري بالطائرات والمسيرات. ولن تجدي معها "كاميكاز" إيراني، فلا التحام في الحرب الحديثة. تشاع أقوال أن الصين وروسيا وباكستان تدعم إيران، لكن الدعم الصيني إن حصل، لا يقاس بالدعم الأمريكي السياسي والاستخباري لإسرائيل.

تتضارب تصريحات القادة الإيرانيين، فهي بين شدِّ وإرخاء، وهو يعكس اضطرابها.. الشد في التهديد والوعيد، والإرخاء في الإيهام بمتابعة المفاوضات، والرد بالمثل. إيران وحيدة، وهي عند خصومها السوريين، تنال جزاء من جنس العمل.

يباهي أنصار إيران بتخويفها الإسرائيليين ودفعهم إلى الملاجئ، وبخسائرهم في المباني، وصور النيران في ساحات مدن إسرائيلية، لكنه في القياس الاستراتيجي والخسائر التي منيت بها إيران من العلماء وخسائر التصنيع النووية في بوشهر وسواها ليست سوى أضرار جانبية. ولم ترد تقارير علمية عن قياس الإشعاع النووي في مواقع القصف، ويخشى أن ترتد على الخليج نفسه، أو أن تطول الحرب، فتحرق المنطقة برمتها.

ينسب أنصار إسرائيل التغيرات الإقليمية إلى نتنياهو، وننسبها إلى يحيى السنوار

أغلب الظن أن العقل الإيراني الفارسي المتشيع، الذي جمع بين فخر آل ساسان والعترة النبوية، ما يزال يعمل بنظرية صناعة السجاد القيشاني، وهو العمل بصمت ودأب، وصبر، ويخشى مراقبون أن تسود إسرائيل المنطقة، إلا إذا استطاعت إيران الرد بالمثل: ديمونا مقابل بوشهر.

وكنا قد ذكرنا في بداية المقال أمجاد فارس التي كان العرب يهابونها أشدّ الهيبة، وكان للشاهنشاه والأكاسرة تاج يربط بالحبال فوق رأسه لثقل وزنه، حتى أنه لو سقط لسحق كسرى، ولا زال هذا الفخر مستمرا في آيات الله، فالإمام يلقب في إيران بروح الله العظمى، وآية الله.

إيران تقاتل بلا أذرع وشبه عجماء ومعركتها خاسرة، وستُفرض عليها شروط خسارة تشبه خسارة اليابان في الحرب العالمية الثانية، إلا إذا سعت إلى توسيع الحرب، عندها للحرب شأن آخر.

 إنّ اليابان التي خسرت الحرب، وخسرت آلاف الضحايا في هيروشيما وناغازاكي، ذلّت وخضعت وانصرفت إلى العلم.

وفي الأغلب الأعم ستعتبر إيران الهزيمة نصرا، وأنها حاربت الشيطان الأكبر، وتعمد إلى ادخارها في بنك "المظلومية"، وتعود إيران إلى السرداب، وصناعة القيشاني.

ينسب أنصار إسرائيل التغيرات الإقليمية إلى نتنياهو، وننسبها إلى يحيى السنوار، ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا، "ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون".

x.com/OmarImaromar
التعليقات (0)

خبر عاجل