ملفات وتقارير

مصر تطرح أول "صكوك إسلامية" بعملتها.. هل تغنيها عن الاقتراض وبيع الأصول؟

وزارة المالية المصرية تحاول جذب اهتمام مستثمرين خليجيين يفضلون أدوات التمويل المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية – موقع الوزارة الرسمي
تطرح وزارة المالية المصرية الشريحة الأولى من الصكوك الإسلامية السيادية بالعملة المحلية 4 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وسط توقعات خبراء بأن يجذب أول إصدار محلي لهذا النوع من الصكوك اهتمام شريحة من المستثمرين العرب الذين يفضلون أدوات التمويل الخاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية، وتستهدف الوزارة طرح أدوات دين بقيمة 163 مليار جنيه، خلال الأسبوع الأول من الشهر المقبل، بحسب وثيقة حكومية نقل عنها موقع "البورصة" الاقتصادي المحلي.

قيمة الإصدار وأهميته
الإصدار الذي تبلغ شريحته الأولى 3 مليارات جنيه لأجل 3 سنوات، يأتي ضمن برنامج حكومي أوسع يستهدف جمع 200 مليار جنيه من إصدارات الصكوك، ويشير خبراء إلى أن تميز هذا النوع من الصكوك يأتي من اعتماده على "عقود الإجارة"، مع تفرده بخاصية توزيع "عوائد نصف سنوية" للمستثمرين، ما يمثل عامل جذب كبير.

ويلفتون إلى أن العوائد مضمونة بوجود أصل حقيقي، وليس فقط سندات يصدرها البنك المركزي المصري، كما في إصدارات أذون الخزانة، وعن عائد الصكوك السيادية المحلية، توقع المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل الثابت بشركة الأهلي لإدارة الاستثمارات، محمود نجلة، في حديثه لـ"البورصة" أن "يتراوح بين  20 و 21 بالمئة، على شكل إيجار ثابت".

وأكد أن "العوائد مضمونة بوجود أصل حقيقي"، مبينا أن "الصكوك الإسلامية تتمتع بتقلبات أقل مقارنة بالسندات التقليدية، لاعتمادها على أصول حقيقية ومشروعات إنتاجية، ما يمنحها درجة أعلى من الاستقرار والاستدامة".

موقع الصكوك عالميا
وباعتبارها أحد الحلول للأزمات الاقتصادية مثل عجز الموازنة وتفاقم معدلات التضخم؛ تعد ماليزيا، وباكستان، وإندونيسيا، وتركيا، ودول الخليج: السعودية، والكويت، والإمارات، وقطر، وعمان، من الدول الأساسية في إصدارات التمويل الإسلامي، ما يجعلها وفق خبراء، خطوة في ظل تفاقم أزمات اقتصاد مصر البنيوية والهيكلية المتجذرة.

وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، توقعت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني وصول إصدارات الصكوك العالمية بين 190 و200 مليار دولار العام الجاري، مبينة أن صكوك العام الماضي بلغت 4.193 مليار دولار، 8.197 مليار دولار بالعام السابق.

مصر والصكوك السيادية
أول تحرك رسمي من القاهرة لاستخدام الصكوك الإسلامية لتنويع مصادر وأدوات التمويل، وجذب شرائح جديدة من المستثمرين وفقا لضوابط الشريعة الإسلامية، في 9 أيار/ مايو 2013، حينما اعتمد الرئيس الراحل محمد مرسي، "قانون الصكوك"، إثر جدل إعلامي واسع، ورفض المعارضة، لكن، وبعد نحو 8 سنوات، ومع تفاقم الالتزامات الخارجية والداخلية وزيادة حجم الديون على حكومة رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، بالعملات الأجنبية، وسط عجز مالي وأزمات متفاقمة، أصدر في آب/ أغسطس 2021، قانون الصكوك السيادية (رقم 138).

ورغم حاجتها الشديدة لهذا النوع من التمويل، اضطرت الحكومة لتأجيل طرح أول صكوك سيادية إسلامية في حزيران/ يونيو 2022، تزامنا مع خفض تصنيفها الائتماني، لتعيد المحاولة 22 شباط/ فبراير 2023, بطرح أول إصدار من الصكوك الإسلامية السيادية في تاريخها بقيمة 5.1 مليار دولار، جذب قاعدة جديدة من المستثمرين بدول الخليج وشرق آسيا وأوروبا وأمريكا.

وفي 25 تموز/ يوليو الماضي، طرحت القاهرة الإصدار الثاني من الصكوك الإسلامية بقيمة مليار دولار، على أكبر البنوك الإسلامية في العالم وهو: "بيت التمويل الكويتي" لأجل 3 سنوات وبأرباح نصف سنوية، وفي إطار ذات التوجه الحكومي نحو طرح الصكوك السيادية، وفي 10 حزيران/ يونيو خصصت أرضا بمساحة 4.174 مليون متر مربع بمحافظة البحر الأحمر لصالح وزارة المالية، لاستخدامها في "خفض الدين العام للدولة وإصدار الصكوك السيادية".

وفي 29 أيلول/ سبتمبر الماضي، أصدرت القاهرة الطرح الثالث لها من الصكوك السيادية مزدوجة الشريحة بقيمة 2 مليار دولار، لمدة 3 و7سنوات، في حين تسعى مصر لإدراج الصكوك المتوافقة مع الشريعة الإسلامية ببورصة لندن، وفي الوقت الذي أصدرت فيه مصر الصكوك الإسلامية وفقا لما تحدده نشرة الإصدار بالعملات الأجنبية، وتصدرها للمرة الأولى بالجنيه المصري؛ تعتبر حكومتها نجاحها بإصدار الصكوك: "رسالة ثقة قوية من أسواق المال العالمية والمستثمرين بالاقتصاد ومستقبله وقدرته على التعامل مع التحديات".

ماهية الصكوك
والصكوك، تقوم على جمع التمويل دون اللجوء للفائدة الربوية، بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، وهي: وثائق متساوية القيمة، تمثل حصة شائعة في ملكية موجودات وأصول مشروع أو شركة أو منافع لأصول، يصدرها مالكها بغرض بيعها وتحصيل ثمنها من حصيلة الاكتتاب فيها، ليصبح الأصل أو المنفعة أو الخدمة مملوكة لحملة الصكوك.

والصكوك لا تمثل دينا بذمة مصدرها لحاملها، ويتم إصدارها بآجال قصيرة ومتوسطة وطويلة لا تزيد على 30 عاما، وفقا لصيغ التمويل الإسلامية كـ"المشاركة، والمضاربة، والمرابحة، والاستصناع، والمزارعة، والإجارة، والوكالة بالاستثمار"، وتخضع جميعها لقاعدة المشاركة في "الربح" و"الخسارة"، والتي تتولى الحكومة مسؤولية توزيعها.

أزمات الاقتصاد المصري
ويأتي الحديث عن إصدار أول مصر صكوك إسلامية بالعملة الوطنية، في ظل تراجع قيمة الجنيه المصري خلال السنوات العشرة الأخيرة من 8.6 جنيه مقابل الدولار إلى معدل 50 جنيها، ما يصاحبه تفاقم أزمات الديون، والعجز التجاري، وتقلص معدلات الاستثمار الحقيقي.

وبحسب بيانات البنك المركزي المصري 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، سجل عجز الميزان التجاري ارتفاعا سنويا قدره 9.28 بالمئة، متجاوزا 51 مليار دولار، عن السنة المالية (2024/2025)، فيما بلغ عجز ميزان المدفوعات 4.15 مليار دولار، وبينما وصل عجز ميزان دخل الاستثمار إلى 8.15 مليار دولار، سجل عجز الميزان التجاري البترولي وغير البترولي 9.13 مليار دولار، و 1.37 مليار دولار، على التوالي، مع انخفاض إيرادات قناة السويس إلى 6.3 مليار دولار ، وتسجيل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر 2.12 مليار دولار .

ويأتي لجوء مصر لطرح الصكوك السيادية بالعملة المحلية في ظل ارتفاع الدين الخارجي لأكثر من 168 مليار دولار ، بنهاية يونيو/حزيران الماضي، وفق البنك المركزي، وبالتزامن مع تحذير وكالة "فيتش ريتنغز"، 12 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، من التأثير السلبي لارتفاع حجم الدين الخارجي على العملة المحلية.

ليست بديلا لوضع صعب
وفي حديثه لـ"عربي21"، قلل الخبير الاقتصادي المصري الدكتور أحمد مصر، من أهمية إصدار مصر أول صكوك سيادية إسلامية بالعملية المحلية لاقتصاد يعني أزمات تمويل معقدة، مؤكدا أنها أبدا لن تكون بديلا عن الاقتراض الخارجي أو بيع الأصول العامة أو على الأقل التقليل من وتيرتيهما المتسارعة.

وقال رئيس الجمعية الدولية للتخطيط الاقتصادي، إن "الوضع الاقتصادي المصري أبدا لا يصلحه إصدار صكوك بقيمة 3 مليارات جنيه، ما قيمته بين 50 و60 مليون دولار ، وهو مبلغ ضئيل لا يقدم شيئا يذكر لاقتصاد تتفاقم أزماته ولا يصل حتى حد مرحلة الترقيع"، ولفت إلى أن "اقتصاد مصر مقبل على مرحلة صعبة"، مشيرا إلى تراجع معدلات النمو في السنوات العشرة الأخيرة"، وملمحا إلى ضعف "أرقام الناتج الإجمالي القومي في ذات الفترة، ما يقابله زيادة معدلات الفقر"، مبينا أنها مؤشرات تؤكد أن "ذلك الطرح لن يغير من وضع الاقتصاد المصري شيئا".

وتشير البيانات الرسمية إلى ضعف معدلات النمو في السنوات العشر الماضية، حيث بلغ معدل النمو لعام (2015/2016) حوالي 3.4 بالمئة، ليرتفع بالعام الذي يليه إلى 3.5 بالمئة، ثم إلى 6.5 بالمئة في (2018/2019)، لينخفض إلى 6.3 بالمئة في (2019/2020)، ليتراجع مجددا إلى 5.3 بالمئة بالعام التالي، ثم يرتفع إلى 6.6 بالمئة عام (2021/2022)، ليتراجع مجددا بالعام التالي إلى 2.4 بالمئة، ليرتفع بنسب ضئيلة في (2023/2024) مسجلا 5.4 بالمئة، وذات النسبة بالعام الماضي.

لا رغبة في الإصلاح
وفي رؤيته، قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور مصطفى شاهين: "يجرى الحديث عن الصكوك الإسلامية منذ ثورة يناير 2011، وصدر قانونها في 2021، وتحول الحكومة لها يأتي في ظل تحريم كثير من العلماء للفوائد البنكية، ولتتحصل على النقد المحلي، أو لتسيطر على التضخم بجمع الأموال عبرها".

أستاذ الاقتصاد بكلية "أوكلاند" الأمريكية، عبر عن أسفه في حديثه لـ"عربي21"، مؤكدا أنه "لا يمكن للصكوك أن تكون بديلا للاقتراض الخارجي، خاصة مع الحاجة لتمويل مشتريات بالدولار من الخارج كسلع استراتيجية كالقمح والأدوية، وقطع الغيار، والأسلحة، فلن تغني هنا فكرة الصكوك الإسلامية"، وأشار إلى أن "الحكومة لديها نية لبيع عدد كبيرا جدا من الأصول العامة، ولن تغنيها الصكوك عن هذا التوجه"، مضيفا: "ورأينا تفريطا كبيرا في الأصول والشركات العامة والموارد يقلق خاصة وأن من يشتري أجانب وليس مصريين".

وأكد أن "كل هذا مستهدف، ولا يوجد شيء يشير لرغبة في الإصلاح، وقد باعت الدولة رأس الحكمة بـ35  مليار دولار، العام الماضي ثم ارتفعت الديون من 154 إلى 168  مليار دولار، وهناك عملية فساد شبه منظم موجودة بسرقة أموال القروض الأجنبية، والشاهد أن كل الأموال التي دخلت مصر لا يراها المواطن في سلع وخدمات".

ديون جديدة وتفريط جديد
وتحت عنوان: "هل تكون الصكوك حلا لمشكلات مصر الاقتصادية؟"، لفت الخبير الاقتصادي علي شيخون، في مقال بـ"عربي21"، إلى أن نقص التمويل أحد أسباب المشكلات الاقتصادية، لكنه ليس السبب الأكبر، وأشار إلى أزمات مصرية تعيق أي دور إيجابي لتمويل الصكوك، ومنها: "الحالة الكارثية للتعليم"، و"الفساد المالي والإداري"، و"القوى المسيطرة على الاقتصاد (الجيش)"، و"ضعف التخطيط"، وغياب "الإرادة السياسية"، و"غياب الشفافية والمساءلة".

وأكد أن الصكوك يمكنها حل بعض الأزمات ليس منها: "عجز الموازنة، وعجز ميزان المدفوعات، والديون العامة داخلية وخارجية، والتضخم، والفقر، والفقر المدقع"، ويرى أن "مزيدا من إصدار الصكوك لعلاج تلك المشكلات لن يكون إلا مزيدا من تراكم الديون الداخلية والخارجية، إضافة إلى مزيد من التغول بل والتوحش للفساد المالي والإداري، مع مزيد من بيع أصول مصر.. ".