ملفات وتقارير

اتهامات للإمارات بتمويل قوات الدعم السريع لاقتحام مدينة الفاشر وتجويع سكانها

مستشار الرئيس الأمريكي ترمب للشؤون الإفريقية مسعد بولس قال إن العالم يراقب الفاشر وأفعال قوات الدعم السريع بقلق بالغ - الأناضول
وصف الجيش السوداني انسحاب قواته من بعض المواقع في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي البلاد، بأنه تم لأسباب تكتيكية، فيما أعلن الباشا طبيق مستشار قائد قوات الدعم السريع عن السيطرة على مقر الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني في الفاشر، وهو ما أكدته وكالة رويترز.

القائد الثاني لقوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، قال من أمام مقر الفرقة السادسة مشاة بالفاشر: "هدفنا القادم مدينة بورتسودان شرقي البلاد"، واصفا السيطرة على مدينة الفاشر بمثابة تحرير للسودان.

في تقرير للأمم المتحدة الشهر الماضي، اتهمت المنظمة قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم متعددة ضد الإنسانية خلال حصار الفاشر، فيما وُجهت اتهامات مماثلة للجيش السوداني بارتكاب فظائع، 
من جهتها، قالت تنسيقية لجان المقاومة الشعبية في الفاشر، إن المعارك مستمرة في المدينة، مع الوضع في الاعتبار احتمال انقطاع الإمداد والدعم الجوي، مشددة على أن القوات المسلحة والقوات المشتركة لن تتوقف عن الدفاع عن المدينة.



استدراج لـ"مناطق مفتوحة"
وأوضحت التنسيقية أن الجيش أخلى مقر الفرقة السادسة مشاة بمدينة الفاشر قبل أشهر وانتقل إلى مواقع أكثر تحصينًا، مؤكدة أن قوات الدعم السريع تعلم ذلك جيدًا، ونوهت إلى أن مباني الفرقة السادسة مشاة خالية، ولا تشكل أهمية بالنسبة للجيش أو القوة المشتركة أو المقاومة الشعبية المسلحة، لأن القتال يجري من مواقع أخرى، قائد الفرقة السادسة في الجيش السوداني سابقا اللواء أمين إسماعيل مجذوب قال إن الفاشر لم تسقط، والجيش السوداني يستدرج قوات الدعم السريع لـ"مناطق مفتوحة".


وقبل دخولها مقر الفرقة السادسة، كانت قوات الدعم السريع قد وسعت نطاق سيطرتها لتشمل مواقع إستراتيجية داخل المدينة، منها مقر الشرطة، ومقر إقامة والي شمال دارفور، ومبانٍ حكومية أخرى، إلى جانب أجزاء من أحياء "أولاد الريف"، و"الثورة"، والأحياء الجنوبية والشرقية للمدينة.


ونشرت قوات الدعم السريع مقاطع مصورة تظهر عناصرها وهم يتجولون داخل المقرات، ويرفعون أسلحتهم ويطلقون الأعيرة النارية في الهواء، وتُظهر بعض اللقطات احتفالا داخل مقر قيادة الفرقة، وسط غياب تام لأي وجود عسكري من الجيش.


مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للشؤون الإفريقية مسعد بولس قال إن العالم يراقب الفاشر وأفعال قوات الدعم السريع بقلق بالغ، داعيا إلى فتح ممرات إنسانية فوراً لتمكين المدنيين في الفاشر من الوصول إلى مناطق آمنة، كما وطالب الدعم السريع للتحرك لحماية المدنيين بالفاشر ومنع المزيد من المعاناة، وهو تصريح يثير الاستغراب لما فيه من تلميح بشأن إمكانية تعامل واشنطن مع من في الساحة وإن كان متهما بارتكاب انتهاكات إنسانية.

وتعثرت الجهود الدبلوماسية لوقف القتال في السودان، على الرغم من أن مبعوث الرئيس ترامب إلى أفريقيا، مسعد بولس، أعلن عن خطة سلام جديدة في أيلول/سبتمبر بعد محادثات مع دبلوماسيين من المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة.

ماذا يعني سقوط الفاشر؟
يمتد إقليم دارفور على أكثر من ربع مساحة السودان، حيث تبلغ مساحته نحو 493 ألف كيلومتر مربع، ويشكل سكانه حوالي 17 بالمئة من إجمالي عدد سكان البلاد البالغ نحو 48 مليون نسمة، وتكمن أهمية الفاشر لكونها مركزا أساسيًا للعمليات الإنسانية في ولايات الإقليم الخمس، وتخضع المدينة منذ 10 أيار/مايو 2024 لحصار تفرضه قوات الدعم السريع، وسط تحذيرات دولية من تداعيات كارثية على المدنيين، ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع يوم 15 نيسان/أبريل 2023، قُتل نحو 20 ألف شخص وتشرد أكثر من 15 مليونا بين نازح ولاجئ، وفقا لتقارير أممية.


وتقع المدينة ذات الثقل التاريخي والسياسي والثقافي عند تقاطعات جغرافية استراتيجية تربط السودان بتشاد وإفريقيا الوسطى وليبيا، مما يجعل السيطرة عليها ورقة تفاوضية تتجاوز الداخل إلى أبعاد إقليمية ودولية، كما أن حسم المعركة في الفاشر لن يكون مجرد انتصار عسكري، بل خطوة فارقة قد تحدد مستقبل البلاد، إما عبر تعزيز وحدتها أو الدفع بها نحو واقع انقسامي جديد.

حاكم إقليم دارفور في ائتلاف الحكومة التابعة لتحالف التأسيس بقيادة الدعم السريع، الهادي إدريس، قال إن: "أهمية الفاشر تكمن في أنها العاصمة التاريخية والسياسية للإقليم"، وأضاف:" معركة الفاشر وجودية بالنسبة لنا، وسننتصر فيها"، أما رئيس حركة تحرير السودان ووالي وسط دارفور، مصطفى تمبور، فقد شدَّد على أن الفاشر تمثل "الثقل السياسي والعسكري لدارفور، والصلة بين الإقليم وشمال السودان والدول الإفريقية المجاورة"، وأضاف أن: "الدفاع عن الفاشر مسألة وطنية لا يمكن التهاون فيها، ولن نسمح في سقوطها بأيدي الدعم السريع".

الإمارات.. الراعي الرئيسي للدعم السريع
تُعَد الفاشر آخر مدينة رئيسية في دارفور كان الجيش يحتفظ بوجود عسكري فيها، وكثفت مؤخرا قوات الدعم السريع هجماتها على المدينة مستخدمة طائرات مسيرة في جميع أنحاء البلاد، حيث ضربت أهدافا في العاصمة الفعلية للحرب، بورتسودان، وفي الأسابيع الأخيرة، قصفت مطار الخرطوم والذي يأمل الجيش إعادة فتحه.



صحيفة نيويورك تايمز، قالت إن دولة الإمارات زودت قوات الدعم السريع بمعظم الأسلحة الأكثر تطوراً، وهي تعد الراعي الأجنبي الرئيسي لها، كما استفاد أيضاً من الدعم الضمني القادة المتحالفين مع الإمارات في البلدان المجاورة، بما في ذلك تشاد وليبيا وإثيوبيا.

صحيفة الغارديان، وفي تقرير لها، قالت إن معركة آب/أغسطس الماضي، كانت هي المحاولة رقم 228 لقوات الدعم السريع للسيطرة على الفاشر، حيث يُعد السيطرة على المدينة بمثابة تقسيم البلاد الشاسعة إلى نصفين، وبطريقة ما، لم تسقط الفاشر، وتم صد الهجمات رغم حصار فرض عليها وصفه "شيلدون يت" العضو في منظمة اليونيسف بأنه يعود إلى العصور الوسطى، من شدة وحشيته.

ومع ذلك، لم تدخل المساعدات منذ قرابة ثمانية عشر شهرًا، والسبب، وهو ما أثار تساؤلات عميقة حول أولويات المجتمع الدولي وفقًا لوثائق مسربة ومصادر استخباراتية ومسؤولين كبار في الأمم المتحدة، وتشير الأدلة إلى أن أحد الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة والمملكة المتحدة تتدخل لمنع وصول المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة إلى الفاشر.

ويكشف تقرير صحيفة الغارديان، عن مناشدة مسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية للدولة النفطية (الإمارات) بشكل مباشر من أجل دعم وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات إلى الفاشر، كما قام كبار المسؤولين الإنسانيين في الأمم المتحدة بالتفاوض بشكل مباشر بهذا الشأن، ولكن دون جدوى، فيما تواصل الإمارات العربية نفيها التهم مراراً وتكراراً بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة، رغم أنها بحسب الصحيفة البريطانية تُعد شريان الحياة للحصار، ولولا دعمها، لكانت قوات الدعم السريع قد أنهته.

لماذا تساند الإمارات قوات الدعم السريع ضد الجيش؟
اعتبر مقال لصحيفة الكورييه انترناشيونال، نشرته الـ"مونت كارلو الدولية" أن سبب تدخل الإمارات في السودان، وسبب دعمها لقوات التدخل السريع يعود لحماية استثماراتها في هذا البلد، فمنذ عقود عديدة استثمرت الإمارات في 50 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في السودان، ووضعت مشاريعها المستقبلية للاستثمار في 160 ألف هكتار إضافي، بهدف تأمين الغذاء والمواد الزراعية للإمارات
ومن المفترض إنجاز البنية التحتية لربط تلك الأراضي الزراعية بمرفأ أبو إمامة الذي بنته الإمارات، التي استثمرت حتى الأن 6 مليارات دولار في هذا المشروع، وكان الاتفاق مع السلطات السودانية يقضي بأن تحصل الدولة السودانية على 35 بالمئة من مداخيل انتاج هذه الأراضي، مقابل سيطرة أبو ظبي الكاملة على المشاريع، لكن يبدو أن الجيش السوداني قد رفض بعد الانقلاب إعطاء الضمانات التي تطلبها الإمارات، واعتبر أن هذا الاتفاق يتضمن غبنا للسودان، ومن هنا يأتي دعم أبو ظبي لقوات الدعم السريع خصم الجيش حاليا، حسب الكورييه إنترناشونال.


التطهير العرقي في الفاشر
اتهمت شبكة "أطباء السودان" وهيئة "محامو الطوارئ"، قوات الدعم السريع بتصفية مئات المدنيين في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، ومدينة بارا بولاية شمال كردفان، ونهب المستشفيات والمرافق الطبية والصيدليات، لتُجهز على ما تبقّى من مقومات الحياة والرعاية الصحية، وتشير تقييمات الاستخبارات إلى أن قوات الدعم السريع عازمة على التطهير العرقي في الفاشر، وتتوقع السيناريوهات النموذجية مجازر بالآلاف.


وأكدت التقييمات أن قوات الدعم السريع أرادت اجتياح المدينة خلال موسم الأمطار، الذي بدأ في أوائل حزيران/يونيو، حيث ستمنع الغيوم الأقمار الصناعية تصوير جرائم الحرب التي لربما ستحدث هناك.
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أكد نفاد مخزون الطعام والدواء في الفاشر.

مؤكدا أن حتى البدائل القليلة التي اعتمد عليها السكان ومنها علف الحيوانات اختفت تقريبا، متهما المجتمع الدولي بالتقاعس غير المبرر إزاء التحرك لإنقاذ أكثر من ربع مليون إنسان في الفاشر يعانون من الحصار والجوع منذ قرابة عامين ونصف العام، وفي تقرير للأمم المتحدة الشهر الماضي، اتهمت المنظمة قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم متعددة ضد الإنسانية خلال حصار الفاشر.