قضايا وآراء

الخطة الصهيونية البديلة لعرقلة قيام دولة فلسطينية!

محمد عماد صابر
"الضمّ الفعلي يجعل أيّ حكم فلسطيني مستقبلي بلا سيادة حقيقية"- جيتي
"الضمّ الفعلي يجعل أيّ حكم فلسطيني مستقبلي بلا سيادة حقيقية"- جيتي
بينما يدور الحديث دوليا (وبخاصة غربيا) عن إعادة إطلاق مسار حل الدولتين، تواصل إسرائيل اعتماد مسارين متوازيين: (1) سياسات رسمية أو علنية لرفض قيام دولة فلسطينية، (2) تنفيذ "خطة بديلة" عملية تهدف إلى جعل قيام دولة فلسطينية متصلّة وذات سيادة أمرا مستحيلا عمليا عبر ضمّ فعلي أو تفكيك جغرافي للضفة الغربية.. هذه الورقة تشرح آليات الخطة، الأدلة الميدانية والدبلوماسية الداعمة لوجودها، وأبعادها الاستراتيجية، ثم تختتم بتوصيات عملية للجهات الفلسطينية والدولية.

1- ما هي هذه "الخطة البديلة"؟ خلاصة معقّدة ومباشرة

الخلاصة: لا تعتمد الخطة دائما على إعلان ضمّ شامل وقاطع (لأنه يكلف سياسيا ودبلوماسيا)، بل على مزيج من أدوات تجعل الضفة جزءا واقعيا من أسلاك وسيطرة إسرائيلية: توسيع المستوطنات، وتغيير قواعد التخطيط والبناء في مناطق (خاصة المنطقة C)، وإنشاء بنية تحتية تربط المستوطنات مع إسرائيل، وقوانين محلية تبيح سيادة إدارية لساكنيها، وإضعاف المؤسسات الفلسطينية المحلية وقطع التواصل الجغرافي بين مراكز السلطة الفلسطينية (رام الله، بيت لحم.. الخ). هذا "الضمّ الفعلي" (de-facto annexation) يجعل أيّ حكم فلسطيني مستقبلي بلا سيادة حقيقية.

لا تعتمد الخطة دائما على إعلان ضمّ شامل وقاطع (لأنه يكلف سياسيا ودبلوماسيا)، بل على مزيج من أدوات تجعل الضفة جزءا واقعيا من أسلاك وسيطرة إسرائيلية

2- أدوات التنفيذ: كيف تعمل الخطة على الأرض؟

(أ) التوسع الاستيطاني السريع: دفعات تراخيص وعطاءات لبناء عشرات آلاف الوحدات السكنية داخل الضفة والقدس الشرقية، بهدف زيادة الكثافة الإسرائيلية وخلق وقائع جديدة على الأرض. تقارير رسمية أوروبية وأممية وتوثيق محلي تُظهر وتيرة سريعة للمشروعات خلال السنوات الأخيرة.

(ب) الضم الجزئي المدروس: استهداف مناطق استراتيجية (مثل غور الأردن ومناطق ربط المستوطنات) للضمّ أو السيطرة الأمنية التي تترك للفلسطينيين "جزءا ضئيلا" ومجزّأ، ما يجعل دولة مترابطة جغرافيا غير قابلة للتحقق. هذا خيار مطروح في مداولات سياسية وخطط سابقة (صفقة القرن، خرائط ضمّ مُقترحة).

(ج) التفتيت الإداري والاقتصادي: بفرض قيود على حركة الأشخاص والبضائع، وتحويل المدينة الفلسطينية إلى مجموعة "كانتونات/بانتستانات" غير متصلة، مع إضعاف المالية المحلية والقدرة على الحكم.

(د) تقارير مراقبة وحقوقية تشير إلى سياسات وإجراءات تقوّض المؤسّسات الفلسطينية المحليّة.

(هـ) الاحتواء الدبلوماسي: القياس مع الولايات المتحدة: تاريخيا شهدت فترات دعم أمريكي (صريح أو ضمني) لإجراءات تُسهِم في التحول الواقعي، وهو ما سمح اعتماد تكتيكات "الضم التدريجي" بدلا من مسار إعلان فوري قد يكسر التحالفات. (لا يعني هذا توافقا دائما بين كل الإدارات الأمريكية، لكن السياسة الأمريكية تتغير وتؤثر على قدرة إسرائيل على تنفيذ المسارات المختلفة).

3- لماذا تُستَخدم هذه الخطة الآن؟ دوافع استراتيجية وسياسية:

- مواجهة أي ضغوط دولية على إقامة دولة: عندما تزداد الضغوط الغربية (اعترافات/ مبادرات دولية)، تأتي ردة فعل داخلية عبر تسريع الحقائق على الأرض لقطع الطريق أمام دولة مترابطة.

أمثلة توضيحية حديثة: تزايد الدعوات والاعترافات بدولة فلسطينية أدت إلى تصريحات وسلوكيات إسرائيلية معادية لذلك، ومنها دعوات ضمّ أو خطوات توسعية كرد فعل.

- تحويل الخيار السياسي إلى أمر واقع يصعب عكسه: كلّ توسّع استيطاني أو عائق لربط المناطق يقلّص "مساحة المناورة" السياسية، ويلزم المجتمع الدولي بين قبول واقع جديد أو دفع ثمن دبلوماسي أعلى لفرض حلّ معاكس.

4- أدلة رقمية وإحصائية تدعم أن هناك استراتيجية ممنهجة:

- وثائق وتقارير غربية (مثل تقارير الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومنظمات حقوقية) ترصد عشرات الآلاف من وحدات البناء والعطاءات المتقدمة في 2023–2024 وما بعدها، وتصاعدا في أرقام المشاريع الذي يعكس سياسة ممنهجة وليست حالات عرضية.

- مؤسسات رقابية إسرائيلية محلية (ومراكز فكر)، وتغطية إعلامية داخلية أظهرت خططا ومقترحات لضمّ مناطق واسعة أو توسع استيطاني استراتيجي (خرائط ومقترحات مثل سيناريوهات "الضم الجزئي").

5- السيناريوهات المحتملة لمآلات الخطة:

- الضمّ الجزئي: إعلان ضمّ مناطق محددة (غور الأردن وممرات وصل المستوطنات) مع إبقاء "بقايا فلسطينية" مفككة. يثير هذا ردود فعل عربية ودولية، لكنه قد يُفرض كأمر واقع.

- الضمّ الفعلي عبر الممارسة: لا إعلان رسميا، لكن واقع يومي من البنى القانونية والإدارية والأمنية يجعل الضفة خاضعة لسيطرة إسرائيلية فعّالة. هذا هو السيناريو الأكثر قابلية للتطبيق عمليا؛ لأن تكاليفه الدبلوماسية أقل من ضم شامل مفاجئ.

- مواجهة/ تراجع دولي: تصعيد دبلوماسي وغضب أوروبي/ عربي قد يضغط لوقف أو إبطاء المسار، لكن نجاح الضغوط يعتمد على تماسك الموقف الدولي ووحدته (وهنا تكمن نقطة ضعف الطرف الفلسطيني).

6- تبعات استراتيجية وإنسانية وسياسية:

- اقتصاديا واجتماعيا: مزيد من التهجير، وتجزئة شبكة الأسواق والبنى التحتية، ومزيد من فقر وانهيار الخدمات المحلية.

- سياسيا: إضعاف أي قدرة فلسطينية على إقامة دولة قابلة للحياة.

- قانونيا: مزيد من المسائل أمام المحاكم الدولية والمنظمات لاتهامات انتهاكات وجرائم احتلال. تقارير حقوقية فعلية وثّقت خطوات عملية في هذا الاتجاه.

7- توصيات عملية:
الخطة البديلة التي تعتمدها إسرائيل لعرقلة قيام دولة فلسطينية ليست مجرد نظرية؛ هناك دلائل ميدانية ودبلوماسية تُظهر سياسة متواصلة من "الضمّ الفعلي" عبر الاستيطان والتفتيت الإداري والضغط الأمني

تفعيل جملة من التوصيات العملية وبلا تردد:

- سياسة فلسطينية موحّدة وواقعية: توحيد الموقف الفلسطيني (فتح/ حماس/ مكونات المجتمع المدني) حول خطة سياسية واستراتيجية دفاعية ودبلوماسية تُحرف عملية الضمّ الفعلي أو تُكلف إسرائيل ثمنا دبلوماسيا/ اقتصاديا باهظا.

- الضغط الدولي الاستراتيجي: تحشيد أوراق الضغط القانونية والدبلوماسية (محاكم، مجلس الأمن والجمعية العامة، وحملات عربية وأوروبية تضع شروطا للعلاقات الثنائية مع إسرائيل)، كذلك الوثائق والإجراءات الأوروبية والأمم المتحدة يمكن استثمارها سياسيا.

- مواجهة "الضمّ الفعلي" على الأرض: حماية البنية المدنية الفلسطينية (ربط مناطق خدماتيا واقتصاديا)، وحملات إعلامية توضح نتائج الضمّ الواقعي، ورفع أصوات المجتمع الدولي المستعد للتحرك الاقتصادي أو السياسي كأدوات رادعة.

- التوثيق القانوني والحقوقي: تكثيف التوثيق (صور، خرائط، عقود بناء، قرارات محلية) لإثبات نمطية السياسات أمام آليات العدالة الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، لأن التوثيق نفسه أداة ضغط.

خاتمة:

الخطة البديلة التي تعتمدها إسرائيل لعرقلة قيام دولة فلسطينية ليست مجرد نظرية؛ هناك دلائل ميدانية ودبلوماسية تُظهر سياسة متواصلة من "الضمّ الفعلي" عبر الاستيطان والتفتيت الإداري والضغط الأمني.

المواجهة لا تكون فقط بالتحريض الإعلامي أو التصريحات، بل بخطة فلسطينية متكاملة تجمع الوحدة السياسية، والدبلوماسية الدولية المدروسة، وحشد أدوات الضغط القانونية والاقتصادية، إلى جانب حماية النسيج المدني والاقتصادي للضفة.
التعليقات (0)