أثار فوز زهران ممداني بمنصب عمدة ولاية نيويورك موجة واسعة من النقاش داخل الأوساط
الإسرائيلية، لكونه يحمل هوية متعددة الأبعاد: مسلم، تقدمي، ومهاجر، وهو ما منحه قدرة على التواصل مع شرائح اجتماعية وسياسية متنوعة، بدءا من المحافظين المسلمين الذين رأوا في انتخابه مصدر فخر ديني، وصولا إلى الشباب التقدميين الذين اعتبروه "واحدا منهم" وتجديدا للحياة السياسية التي يصنفونها بـ"الراسخة والفاسدة"، وهو ما يزعج الإسرائيليين بصورة واضحة.
وقال إلعاد بن دافيد، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، إن "الانتصار التاريخي الذي حققه ممداني يمثل علامة فارقة وغير مسبوقة في المشاركة السياسية للمسلمين في الولايات المتحدة، ويعكس مرحلة جديدة من تشكل القيادة الإسلامية داخل الساحة العامة الأمريكية".
وأضاف أن صعود ممداني لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتيجة مسار طويل ارتبط بزيادة الحضور الإسلامي والمشاركة المدنية والسياسية في السنوات الأخيرة.
وأوضح بن دافيد، في
مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" وترجمته "عربي21"، أن هذه التحولات تعود جذورها إلى ما بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، التي أدت إلى انتشار موجات الإسلاموفوبيا، لكنها في الوقت ذاته دفعت قطاعات واسعة من المجتمع المسلم إلى إعادة صياغة خطابهم العام، وتبني استراتيجية استباقية تقدّم الإسلام باعتباره دينًا منسجمًا مع القيم الأمريكية الأساسية.
وبحسب المقال، فإن الأئمة والمنظمات الإسلامية والناشطين الاجتماعيين بدأوا في تلك المرحلة بتقديم الهوية الإسلامية بصورة إيجابية محبة للسلام، وتعزيز الحوار بين الأديان، مع طرح المجتمع المسلم كشريك طبيعي في قضايا المساواة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر والعنصرية وانتهاكات حقوق الإنسان في العالم، بما في ذلك اضطهاد المسلمين في مختلف المناطق.
وأشار إلى أنه ومع تنامي الإدراك بضرورة مواجهة الإسلاموفوبيا، ظهرت دعوات داخل المجتمع المسلم لزيادة المشاركة المدنية والاجتماعية، ولإزالة التشوهات التي تحيط بصورة الإسلام، والتأكيد على الولاء الوطني، وتعميق الاندماج داخل المجتمع الأمريكي.
وساعد ظهور منصات التواصل الاجتماعي لاحقا في تعزيز حضور خطاب إسلامي مؤثر ورموز دينية ومدنية اكتسبت نفوذا واسعا في المجال العام.
ويرى بن دافيد أن هجوم
حماس في السابع من أكتوبر والحرب الإسرائيلية غير المسبوقة على
غزة سرعا من نضوج هذه الاتجاهات، إذ أدى الدمار الهائل وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا على مدار عامين إلى دفع قطاعات واسعة من المسلمين والمهاجرين والتقدميين لتبني خطاب أكثر قوة في الدفاع عن الفلسطينيين.
وأضاف أن هذا النشاط امتد إلى الجامعات الأمريكية التي تحولت إلى مراكز تضامن مؤثرة مع الفلسطينيين، وارتفعت الضغوط على الحزب الديمقراطي خلال الانتخابات الأخيرة، خصوصا في الولايات الحاسمة، مما أتاح بروز صوت إسلامي أكثر قوة وتأثيرًا في السياسة الأمريكية.
وأشار المقال إلى انتقال الجالية المسلمة من جيل "متردد وغير سياسي"، يخشى انتقاد السياسة الخارجية الأمريكية، إلى جيل جديد "صاحب وعي سياسي متقدم" يسعى للتأثير المباشر على الأجندة الوطنية بلا تردد، وهو ما عززته الحرب على غزة ومنحت الخطاب المؤيد للفلسطينيين والمعارض لدولة الاحتلال شرعية اجتماعية وسياسية أكبر.
وبحسب التحليل، فقد كانت هوية ممداني المتعددة عاملا رئيسيا في قدرته على مخاطبة أطياف مختلفة من الناخبين، من المسلمين المحافظين إلى التقدميين والشباب، إضافة إلى ارتباطه بخطاب سياسي قريب من رموز إسلامية تقدمية بارزة مثل إلهان عمر ورشيدة طليب، وشخصيات مؤثرة مثل ليندا صرصور، التي لعبت دورا في دعمه سياسيا.
وتخلص القراءة الإسرائيلية إلى أن فوز ممداني يمثل مرحلة متقدمة في ترسيخ حضور الجالية الإسلامية داخل الولايات المتحدة، وتعزيز مشاركتها السياسية على المستويين المحلي والفدرالي.
وترى أن لهذه التحولات، التي تعكس تنامي قوة "اللوبي الإسلامي" في أمريكا، تأثيرات مباشرة على العلاقات بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال، وكذلك على مستقبل أكبر جالية يهودية خارج إسرائيل.