في أول زيارة له إلى دمشق منذ سقوط نظام
بشار الأسد في كانون أول/ ديسمبر الماضي، تحدث المفكر السوري وأستاذ علم الاجتماع
السياسي في جامعة السوربون د. برهان غليون إلى
"عربي21"، موضحًا أن
وجوده اليوم في العاصمة
السورية، بعد أكثر من عقد على مغادرتها قسرًا، "يحمل
رمزية شخصية ووطنية"، في لحظة مفصلية تمر بها المنطقة من غزة إلى
إيران.
وقال غليون: إن القوافل الشعبية المتجهة نحو
غزة، رغم محاولات عرقلتها، تعبّر عن الوجه الصامد للشعوب العربية، التي "لم
تستسلم رغم الأنظمة، ولا فقدت إحساسها بفلسطين"، مضيفًا أن التضامن الشعبي مع
غزة "عمل سياسي ضروري يعكس روح الأمة التي ترفض الموت البطيء".
وأكد أن إسرائيل فشلت في غزة، موضحًا:
"رغم الدمار الهائل، لم تستطع تحقيق أهداف الحرب، لا القضاء على حماس، ولا
تفريغ القطاع من المقاومة، ولا استعادة هيبة الجيش الإسرائيلي التي تحطمت تحت
ضربات المقاومة"، لافتًا إلى أن "الاحتلال لم ينتصر، وهذا بحد ذاته
إنجاز للمحاصَرين".
وانتقل غليون للحديث عن سوريا، التي أصبحت
ساحة تصفية حسابات إقليمية ودولية، وقال: "ما يجري من ضربات متكررة هنا هدفه
إنهاء النفوذ الإيراني، وإعادة رسم خارطة الشرق الأدنى، وإسرائيل تريد فرض نفسها
كالقوة المهيمنة الوحيدة بعد إخراج طهران من المعادلة".
وفي هذا السياق، رأى أن إيران تُهزم بهدوء،
قائلاً: "لم تكن أضعف مما هي عليه الآن. الأمريكيون والإسرائيليون يريدون
استغلال هذه اللحظة للقضاء على أي إمكانية لعودة إيران كقوة إقليمية"، مؤكداً
أن الرد الإيراني العسكري على القواعد الأمريكية سيكون انتحاريًا، وأن
"القيادة في طهران ستفكر بعقلانية، وستقبل التراجع والتفاوض من أرضها".
ورأى غليون أن نتنياهو يحاول تعويض فشله في
غزة عبر توسيع دائرة الحرب، وتثبيت إسرائيل كقوة مركزية وحيدة، مشيرًا إلى أن
"الهدف السياسي لما يجري ليس فقط أمن إسرائيل، بل إعادة صياغة الهيمنة
الإقليمية بالكامل".
رغم ذلك، عبّر غليون عن تفاؤله تجاه الوعي
الشعبي العربي المتجدد، قائلاً: "التاريخ لم يتوقف، وغزة لم تنهزم.
الاحتجاجات الشعبية تعني أن
فلسطين لا تزال حية في وجدان الأمة، وأن المعركة
مستمرة".
وحول زيارته إلى دمشق، قال غليون
لـ
"عربي21": "العودة إلى
دمشق بعد كل هذه السنوات ليست مجرد محطة شخصية، بل لحظة وطنية شديدة الرمزية.
الشعب السوري واجه المأساة، لكنه لم يُكسر. هناك إرادة حقيقية لإعادة بناء سوريا،
واستعادة القرار الوطني، رغم كل التحديات".
وختم غليون بالتشديد على أن إسرائيل ستبقى
العائق الأكبر أمام تحرر الشعوب العربية، قائلاً: "لا يمكن لأي مشروع نهضوي
أن يكتمل دون كسر منطق الاحتلال والهيمنة. أي سلام يُفرض من خارج الإرادة العربية
سيظل مولّدًا للاضطراب، لا للسلام".