في مسيرة العمل الإسلامي والقومي في العالم
العربي والإسلامي برزت محطات
عديدة كشفت عن الخلل في الأداء السياسي، أو على صعيد المشروع
الفكري القادر على الاستجابة
على
تحديات الحاضر والمستقبل، وهذا ما دفع العديد من المفكرين والعلماء والإصلاحيين
العرب والمسلمين لتقديم أطروحات جديدة أو طرح أفكارا مغايرة من جل تجاوز التحديات
والذهاب إلى مرحلة جديدة في العمل الإسلامي أو القومي.
واليوم، وفي ظل التحديات الكبرى التي يواجهها الإسلاميون والقوميون، نحتاج
للعودة إلى بعض الأفكار التي طرحتها شخصيات فكرية أو علمائية أو دينية للاستفادة
منها، خصوصا أننا نعيش في أجواء شهر حزيران/ يونيو الذي شهد في العام 1967 النكسة
الكبرى في الصراع مع العدو الصهيوني، حيث نجح الجيش الإسرائيلي في السادس من
حزيران/ يونيو من ذاك العام في احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان،
وتوجيه ضربات قاسية للدول العربية والمشروع القومي الذي كان يتزعمه الرئيس المصري
جمال عبد الناصر. كذلك في حزيران/ يونيو 1982 نجح الجيش الإسرائيلي في احتلال قسم
كبير من الأراضي اللبنانية وصولا للعاصمة بيروت، وطرد قوات منظمة التحرير
الفلسطينية، رغم أن الأحداث تحولت لاحقا لصالح القوى الوطنية والإسلامية.
واليوم يواجه المشروع الإسلامي والقومي تحديات كبيرة في ظل الحرب المستمرة
على قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، وكذلك استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان
واليمن وسوريا، مع احتمال حصول ضربة عسكرية إسرائيلية- أمريكية ضد إيران وضد المنشآت
النووية الإيرانية، وفي ظل كل التحديات في بقية الدول العربية والإسلامية.
وفي إطار التفكير في كيفية مواجهة هذه التحديات الكبرى، نستعيد بعض النماذج
الفكرية والفقهية والدينية التي طرحها علماء ورجال دين ومفكرون، كي نستعين بها
اليوم لمواجهة مختلف هذه التحديات.
النموذج الأول: فقه
الأولويات؛ الذي طرحه العلامة الشيخ يوسف القرضاوي
وتوجه به إلى الحركات الإسلامية والعاملين في سبيل الإسلام في مراحل مهمة من تاريخ
الحركات الإسلامية. وكان الهدف الجوهري من وراء هذا المشروع دفع الحركات الإسلامية
لتغيير نهج تفكيرها في مواجهة مختلف التحديات، ووضع أولويات جديدة بدل الغرق في
الصراعات الآنية. وقد ترك العلامة القرضاوي تجربة مهمة في مسار العمل الإسلامي
تستحق أن يتم إعادة تقييمها في إيجابياتها وسلبياتها في هذه المرحلة الهامة.
النموذج الثاني حول سؤال اللحظة أو فقه اللحظة، الذي كان يطرحه في
المؤتمرات القومية والإسلامية الأباتي انطوان ضو. والأباتي ضو شخصية دينية لبنانية
كان يشارك في مؤتمر الحوار الإسلامي- المسيحي والمؤتمر القومي العربي، وهو من
مؤسسي مؤسسة القدس وكان من حاملي مشروع مواجهة المشروع الصهيوني، وعلى صلة كبيرة
بالعديد من قادة الحركات الإسلامية وقوى المقاومة وعلماء الإسلام، وكان في معظم
المؤتمرات التي يشارك فيها يدعو القوميين والإسلاميين للإجابة على سؤال اللحظة الآية
وتحدياتها أو فقه اللحظة، أي الفقه القادر على مواجهة أسئلة الحاضر والمستقبل، بدل
الغرق في القضايا التاريخية والخلافات السياسية والمذهبية. وقد ترك الأباتي ضو
تراثا مهمة من الكتب والدراسات إضافة لدوره القومي والنضالي، ويستحق العودة إليه
اليوم كي نستفيد منه في مواجهة مختلف التحديات، وخصوصا على صعيد إعادة جمع مختلف
القوى والتيارات لمواجهة التحديات المختلفة بعقل جديد ومتطور.
والنموذج الثالث حول اعتماد لغة العصر، الذي كان يدعو إليه المرجع الديني
العلامة السيد محمد حسين فضل الله، وهو أحد كبار العلماء في لبنان والعالم العربي
والإسلامي، وكان له دور كبير على صعيد الحركات الإسلامية وتطوير الفكر الإسلامي،
وقدّم أطروحات عديدة لمواجهة الخلافات المذهبية وتجاوز الإشكالات التاريخية، وواكب
الحركة الإسلامية من خلال تقديم الكثير من الأفكار التطويرية وخصوصا في كتابه
الحركة الإسلامية قضايا وإشكالات. وخلال حوار صحفي معه في ثمانينيات القرن الماضي،
عندما سئل عن أهم نصيحة يوجهها لعلماء الدين وقادة الحركات الإسلامية، أجاب
باختصار: تعلم لغة العصر. ولم يكن يقصد فقط تعلم لغة أجنبية معينة، بل إتقان كل ما
له علاقة بالتطور العلمي والفكري والاجتماعي والسياسي والتكنولوجي، كي يستطيع
علماء الدين وقادة الحركات الإسلامية مواجهة مختلف التحديات التي يتعرضون لها.
طبعا هناك نماذج أخرى كثيرة من المفكرين العرب والإسلاميين والمصلحين
والتغييريين الذين قدّموا أفكارا أو مشاريع إصلاحية أو تطويرية ينبغي الالتفات إليها
أو الاستفادة منها اليوم، ولكن أردت الإشارة إلى هذه النماذج لأنها مفيدة جدا في
مواجهة التحديات المعاصرة، سواء على صعيد مواجهة المشروع الإسرائيلي- الأمريكي، أو
في كيفية التصدي لمختلف التحديات السياسية والفكرية والتقنية والاجتماعية
والاقتصادية التي يواجهها العالم العربي والإسلامي اليوم. وقد يكون التطور
التكنولوجي وخصوصا الذكاء الاصطناعي واستخدامه في الحروب والصراعات، أحد أبرز هذه
التحديات، وصولا للحاجة لإعادة تقييم الأولويات ووضع رؤية جديدة لطبيعة الصراعات
والتحديات التي تواجهنا، أو كيفية التصدي لأسئلة الحاضر والمستقبل في إطار مشروع
عربي وإسلامي متكامل.
نحن اليوم أمام تحديات كبرى، والعدو الإسرائيلي وبدعم أمريكي يستغل
خلافاتنا وصراعاتنا وأزماتنا كي يحقق مشروعه الكبير في القضاء على القضية
الفلسطينية وتهجير الشعب الفلسطيني، وتقسيم الدول العربية والإسلامية إلى دويلات
مذهبية وطائفية، وضرب عناصر القوة في العالم العربي والإسلامي.
فهل نستفيد من هذه التجارب ومن غيرها من التجارب القومية والإسلامية كي
نتعلم من أخطائنا ونضع رؤية جديدة تساعد الإسلاميين والقوميين اليوم في مواجهة
تحديات الحاضر والمستقبل؟ أو نظل غارقين في الخلافات والصراعات والبقاء في ازمات الماضي
بدل تعلم لغة العصر والاجابة على سؤال اللحظة واعتماد فقه الأولويات؟
x.com/kassirkassem