كتاب عربي 21

هل يجهز أردوغان نجله بلال لخلافته؟

سعيد الحاج
"ظهر بلال أردوغان بشكل مكثف في عدة أنشطة حظيت بتغطية إعلامية واسعة، بعضها فعاليات سياسية في الأصل"- الأناضول
"ظهر بلال أردوغان بشكل مكثف في عدة أنشطة حظيت بتغطية إعلامية واسعة، بعضها فعاليات سياسية في الأصل"- الأناضول
شارك الخبر
أثار الحضور المتكرر لنجل الرئيس التركي، بلال أردوغان، في الفضاء العام مؤخرا جدلا حول إمكانية خوضه المجال السياسي، بما يمكن أن يطرحه كخليفة لوالده، وهو الذي بقي حتى اليوم خارج الحياة السياسية في البلاد.

يقود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حزبَه العدالة والتنمية منذ تأسيسه عام 2001 والبلادَ منذ أول انتخابات خاضها في تشرين الثاني/ نوفمبر 2002، وما زال منذ ذلك الحين القائد الأوحد للحزب حتى في الفترات التي تخلى فيها عن رئاسته لصالح كل من أحمد داود أوغلو ثم بن علي يلدرم، في ظل النظام الجمهوري السابق الذي كان يمنع الجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الحزب و/أو الحكومة.

وفي كل هذه السنوات، بقي أردوغان قائدا مجمعا عليه وملتفا حوله في الحزب الحاكم للبلاد، وظلت نسب التصويت له كرئيس أعلى من نسب التصويت لحزبه في الانتخابات البرلمانية، ولذلك لم تطرح مسألة من يخلفه مستقبلا في أروقة الحزب بشكل معلن، وأظن أنها لم تطرح بالمطلق حتى خلف الكواليس. وفي الأغلب فإن هيئات الحزب لم تر حاجة لهذا النقاش في ظل حضور أردوغان واستمرار قدرته على العطاء وإتاحة الدستور المجال له للاستمرار في الحكم.

شارك الرجل بشكل مكثف في عدة فعاليات في مدة زمنية قصيرة، وقدم خطابا سياسيا غير معهود عنه، وهو المشتغل أساسا بالمجال التعليمي والثقافي، ما أثار النقاش حول مستقبله السياسي وما إذا كان والده يعدُّه لخلافته

بيد أن فوز الرجل بالعهدة الرئاسية الأخيرة التي يتيحها له الدستور في انتخابات عام 2023 أثار موضوع خلافته على نطاق ضيق، وتحديدا في المجال الإعلامي. وحينها طُرحت عدة أسماء، من بينها وزير الخارجية الحالي ورئيس جهاز الاستخبارات الأسبق وذراعه اليمنى هاكان فيدان، كما طرح البعض أسماء أخرى أقل حضورا في المجال السياسي مثل صهر الرئيس سلجوق بيرقدار.

بيد أن هذا النقاش ظل خافتا ولم يحضر في النقاش السياسي العلني للحزب، لا سيما مع حدوث تطورات مهمة في الداخل والخارج رفعت أسهم أردوغان بشكل كبير مؤخرا، وفي مقدمتها سقوط النظام السوري والسير في مشروع "تركيا بلا إرهاب" لحل المسألة الكردية والذي شمل وقف حزب العمال الكردستاني لعملياته وحلَّ نفسه.

حينها، قال الزعيم القومي وحليف أردوغان دولت بهتشلي إنه ينبغي إعادة ترشيح أردوغان للرئاسة مجددا، إذ ليس ثمة أفضل منه رؤية وخبرة وإنجازات. كما أكد الناطق باسم حزب العدالة والتنمية عمر تشيليك بأن مرشح حزبه للانتخابات الرئاسية المقبلة هو أردوغان مجددا.

فتح ذلك باب النقاش حول السبل القانونية لإعادة ترشح أردوغان للرئاسة، والتي يأتي في مقدمتها دعوة البرلمان لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة (التي تعدُّ في هذه الحالة خصما من مدة حكمه)، وصياغة دستور جديد أو إجراء تعديل دستوري يعيد تحديد المدد المسموح بها للترشح مستقبلا. وقد بدا مسار حل المسألة الكردية كعامل مساعد في هذه المسارات، من باب كسب تصويت نواب حزب ديمقراطية ومساواة الشعوب "الكردي" في البرلمان، مضافا لعدد نواب تحالف الجمهور المكوّن من حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية.

ولذلك، في المحصلة، بقيت مسألة خلافة الرئيس أردوغان بعيدة عن النقاش العلني في حزب العدالة والتنمية في ظل حالة التوجه لإعادة ترشحيه للانتخابات الرئاسية.

حين سئلت قبل أعوام عن احتمال خلافة سلجوق بيرقدار، صهر الرئيس ورائد الصناعات الدفاعية في تركيا، لأردوغان في رئاسة البلاد مستقبلا، قلت إن ذلك غير مطروح في المرحلة الحالية، إذ لا يمكن الحديث عن مستقبل سياسي له طالما هو خارج الحياة السياسية ولا يحظى بأي منصب حكومي أو حزبي ولا بحضور في المجال السياسي.

الشيء ذاته كان ينطبق على نجل الرئيس بلال أردوغان الذي ينشط في المجال التعليمي والثقافي في البلاد، من خلال رئاسته لمجلس أمناء وقف "نشر العلم" وعضويته في عدد من منظمات المجتمع المدني العاملة في المجال التعليمي والثقافي بشكل أساسي.

بيد أن الشهر الفائت شهد تغيرا في هذه المسألة، حيث ظهر الرجل بشكل مكثف في عدة أنشطة حظيت بتغطية إعلامية واسعة، بعضها فعاليات سياسية في الأصل، وقد قدم خطابا و/أو موقفا في عدة مسائل سياسية، ما أثار جدلا على وسائل التواصل الاجتماعي حول مستقبله السياسي المحتمل.

ففي الـ26 من تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، شارك بلال أردوغان في "منتدى فيرونا الاقتصادي الأوراسي الثامن عشر" المنظّم في إسطنبول، وتحدث عن علاقات بلاده مع كل من روسيا وأوكرانيا وعن حرب الإبادة في غزة.

وفي الـ29 منه، شارك الرئيس أردوغان في حفل "جائزة تركيا الأكاديمية" التي ينظمها وقف "نشر العلم" الذي يتولى نجله بلال رئاسة مجلس أمنائه، وتخلل ذلك تقديم الثاني للأول درعا تذكارية ثم تقبيل يده -كوالد هذه المرة وليس فقط كرئيس- ما أثار النقاش حول دلالات الحدث.

في اليوم ذاته، شارك بلال أردوغان في فعالية "العدالة لفلسطين: مقاومة الظلم" في إطار القمة الدولية الخامسة لمحاكاة نموذج منظمة التعاون الإسلامي في الثانويات"، وتحدث فيها بإسهاب عن حرب الإبادة في غزة، مؤكدا على أنها ليست مجرد عدوان عسكري، بل "عملية لمحو الذاكرة، وتزييف الحقائق، وإفناء شعب"، مؤكدا على "تآكل أعمدة النظام الدولي".

في اليوم التالي، شارك نجل الرئيس رفقة الناطق باسم حزب العدالة والتنمية عمر تشيليك في فعالية "انطباع الشباب عن تركيا بلا إرهاب" التي نظمها منبر مؤسسات المجتمع المدني الشبابية التركي، لمناقشة المشروع الأكثر حضورا في النقاش السياسي في البلاد. وفي الثاني من كانون الأول/ديسمبر الجاري، زار الرجل جمهورية شمال قبرص التركية ضمن وفد وقف البحوث التاريخية العلمية الإسلامية (iBTAV)، والتقى رئيسها المنتخب حديثا طوفان أرهورمان بشكل منفرد.

كما شارك متحدثا رئيسا في حفل توزيع جوائز ريادة الأعمال التي نظمها وقف رجال الأعمال الرائدين، في السابع من الشهر الجاري، ووجه نقدا لاذعا لجمعية المصنّعين ورجال الأعمال الأتراك المعروفة لمعارضتها للرئيس أردوغان. وشارك في اليوم نفسه في "ورشة عمل قبرص"، من تنظيم إحدى المدارس الثانوية، متحدثا عن القضية القبرصية ومتحدثا عن "إسرائيل، الخطر الاستراتيجي الأكبر في المنطقة". وفي الـ14 من الشهر الجاري، انتقد بلال أردوغان، خلال اجتماع مع رجال أعمال في محافظة أرزينجان، ما عدَّه إضعافا لوالده وإشغاله في الداخل، مؤكدا أن "الإبادة في غزة" لم تكن لتحصل "لو كان الرئيس أردوغان أقوى".

وفي الخلاصة، فقد شارك الرجل بشكل مكثف في عدة فعاليات في مدة زمنية قصيرة، وقدم خطابا سياسيا غير معهود عنه، وهو المشتغل أساسا بالمجال التعليمي والثقافي، ما أثار النقاش حول مستقبله السياسي وما إذا كان والده يعدُّه لخلافته.

تأكيد أو نفي الدلالات السياسية لحضور بلال أردوغان المركّز مؤخرا في المجال السياسي يكمن في مدى استمرار مشاركاته العامة المكثفة من جهة، وفي مدى إسناد منصب حزبي (أو حكومي كاحتمال أقل) له

في المقام الأول، من المستبعد أن يكون هذا الحضور المكثف والخطاب السياسي المتكرر من قبيل الصدفة غير المقصودة، بل يبدو أنه أريد للرجل أن يكون له إطار ومنبر في الحياة العامة التركية، هذه المرة في الحيز السياسي. وبعدِّه ابن رئيس البلاد، فإن نقاش مسألة مستقبله السياسي يبدو أمرا لا مناص منه في بلاد يحكمها الاستقطاب السياسي والحزبي.

بيد أن فكرة خلافته لوالده في رئاسة الدولة ما زالت أمرا مستبعدا في المرحلة الحالية، لاعتبارات عديدة في مقدمتها أن الرئيس أردوغان ما زال قادرا على وراغبا في الاستمرار رئيسا، وأن المسارات الدستورية التي تتيح له ذلك موجودة ولم تُختبر أو تفشل بعد، كما أن بلال لا يحظى حتى اللحظة بأي منصب رسمي حكومي أو حزبي، فضلا عن الحرج المتوقع في مسألة خلافة الابن لوالده حتى لو جاء الأمر عبر انتخابات معترف بنزاهتها.

ولذلك، فإن المرجح أحد مسارين؛ أن أردوغان يهيئ لابنه بلال حضورا سياسيا متدرجا بهدوء للمستقبل البعيد، بحيث تكون هذه خطواته الأولى في الحياة السياسية التركية دون إسناد مهام أو مناصب له قريبا بالضرورة، أو أن يبقيه حاضرا لأي مفاجآت غير محسوبة، كأن تخفق المسارات الدستورية لإعادة ترشحه للرئاسة على سبيل المثال.

والمسار الثاني أن يعدُّه لخلافته في رئاسة الحزب وليس الدولة، إذ كانت فكرة الفصل بين رئاسة الدولة والحزب مطروحة على أجندة العدالة والتنمية في حقبة سابقة، من باب تفريغ وقت الرئيس أكثر لقيادة الدولة. فقد تكون الفكرة قد عادت للتداول وحضر اسم نجل الرئيس ضمن الأسماء المطروحة، لا سيما وأن البعض يتحدث عن حضوره نفوذه داخل الحزب وإن لم يحمل منصبا رسميا فيه.

وفي كل الأحوال، فإن تأكيد أو نفي الدلالات السياسية لحضور بلال أردوغان المركّز مؤخرا في المجال السياسي يكمن في مدى استمرار مشاركاته العامة المكثفة من جهة، وفي مدى إسناد منصب حزبي (أو حكومي كاحتمال أقل) له في الأسابيع والأشهر المقبلة.

x.com/saidelhaj
التعليقات (0)

خبر عاجل