قالت مجلة "
إيكونوميست" في افتتاحية إن العملية الانتقالية في
سوريا جرت بطريقة أفضل مما توقع كثيرون، مشيرة إلى أن الرئيس أحمد
الشرع أثبت قدرة لافتة على المناورة الدبلوماسية، رغم أن أمامه طريقا طويلا قبل أن يطمئن السوريين ويعيد بناء الدولة المنهكة.
وأكدت المجلة أن نظام بشار
الأسد روج مع بداية
الثورة عام 2011 لشعار "الأسد أو الفوضى"، محذرا أنصاره من سقوط البلاد في حرب أهلية إن غاب عن الحكم.
غير أن السنوات اللاحقة أثبتت – بحسب المجلة – أن رفض الأسد التنحي وقمعه الوحشي للمتظاهرين السلميين هو ما دفع سوريا نحو أتون الحرب الأهلية. وفي 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، وبعد هجوم خاطف للمعارضة، فر الديكتاتور إلى المنفى، ليظهر العام اللاحق أن سوريا قادرة على مواصلة الحياة بدونه.
وتلفت إيكونوميست إلى المفارقة في أن خليفة الأسد – أحمد الشرع – ينتمي إلى الفئة ذاتها التي كان النظام يحذر منها؛ إذ سبق للشرع أن انخرط في العمل الجهادي. ومع ذلك، لم تنحدر البلاد إلى الفوضى المتوقعة، بل حقق الرئيس الجديد قدرا من الحفاظ على تماسك الدولة والمجتمع.
وعلى الصعيد الدولي، رأت المجلة أن الشرع حقق اختراقات واضحة، إذ تمكن من كسب ثقة الغرب، واستقبله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض الشهر الماضي.
ورفعت الولايات المتحدة العقوبات المؤقتة المفروضة خلال حكم الأسد، وتعمل حاليا على إلغاء أجزاء منها. كما تبدو دول الخليج أكثر حماسا للشرع، الذي يسعى – وفق التقرير – إلى فتح صفحة جديدة مع الاحتلال الإسرائيلي، وإن كانت تل أبيب قد تعاملت مع مبادراته بعدائية "غير حكيمة"، بحسب المجلة.
وتشير الافتتاحية إلى أن هذا الانفتاح يعكس تحولا كبيرا في موقع سوريا الإقليمي، فالدولة التي ارتبطت لعقود بمحور روسيا وإيران، تحاول الآن الانتقال إلى المعسكر الموالي للغرب. وبعد أن كانت تغرق جيرانها بالمخدرات غير المشروعة – إحدى أهم صادرات النظام السابق – باتت تسعى لاستقطاب استثمارات خليجية واسعة.
وتستعرض المجلة الوضع الداخلي بعد سقوط الأسد، مؤكدة أن سوريا لم تعد إلى أجواء الحرب الأهلية، ولم يسع الشرع إلى فرض الشريعة، فيما بقيت حانات دمشق مفتوحة، ولم يفرض الحجاب أو القيود الدينية على النساء، في ما اعتبرته المجلة تعبيرا عن براغماتية الرئيس الجديد.
اظهار أخبار متعلقة
لكن التحدي الأكبر – وفق إيكونوميست – هو الوضع الاقتصادي المنهار، إذ تراجع الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 70% منذ 2011، ويحتاج ملايين السوريين إلى منازل ووظائف وخدمات أساسية. ورغم أن تحميل الشرع مسؤولية هذا الانهيار سيكون ظلما، إلا أن نمط حكمه يثير القلق. فلا يبدو مهتما بإصلاح مؤسسات الدولة التي دمرها النظام السابق، بل يميل إلى إنشاء هياكل موازية.
وتورد المجلة مثالا على ذلك قراره تشكيل هيئة جمركية جديدة تحت إدارة أحد المقربين من خلفيته الجهادية، ما يعني نقل أحد أهم مصادر الإيرادات من وزارة المالية إلى دائرة الولاء الشخصي.
وتضيف المجلة أن الشرع لم يفعل الكثير لطمأنة الأقليات الدينية، رغم إدانته العلنية للمجازر التي ارتكبتها قوات موالية للحكومة هذا العام ضد علويين في مارس/آذار الماضي٬ ودروز في تموز/يوليو الماضي. وترى أن الأقليات ما تزال تشعر بقلق عميق من دولة يهيمن عليها السنة بقيادة رئيس ذي خلفية جهادية.
وترى الافتتاحية أن الشرع مطالب بتوسيع دائرة الحكم وتقاسم السلطة، إذ تتركز مفاصل القرار حاليا بين مجموعة ضيقة من أقاربه ومقربيه. كما أنه مطالب بتقوية الوزارات الرسمية بدلا من الالتفاف عليها، وبإقامة علاقة حقيقية مع المجتمع المدني النشط الذي ظهر خلال سنوات الحرب.
وتعتبر المجلة أن أول اختبار حقيقي للرئيس الجديد سيكون مع انعقاد البرلمان السوري المرتقب في كانون الثاني/يناير المقبل، والذي سيحدد ما إذا كان قادرا على أداء دور رقابي فعلي، أو ما إذا كان سيتحول إلى نسخة جديدة من المجلس التشريعي للنظام السابق، مجرد ختم على القرارات الرئاسية.
وتختتم إيكونوميست تقريرها بالقول إن الشرع نجح خلال عامه الأول في منع الانهيار والحفاظ على وحدة البلاد، وهو إنجاز يستحق الثناء، إلا أن مهمته الكبرى لم تبدأ بعد؛ فهي تتعلق ببناء دولة جديدة مختلفة جذريا عن النظام الفردي الذي حكم سوريا لعقود طويلة.