يسير يوسف أبو حسين مسافات طويلة يوميا مشيا على الأقدام قاصدا "سوق الصحابة" وسط
غزة، باحثا عن مصدر للكهرباء لشحن هاتفه المحمول الذي يعتمد عليه في التواصل، وفي قهر ظلام الليل الطويل في المدينة المدمرة، والتي حرمت إمدادات الطاقة منذ أكثر من عامين متواصلين.
يقول أبو حسين لـ"عربي21" وهو نازح من مخيم جباليا، إن توفير الضوء ليلا داخل خيمته التي دق أوتادها على شارع الجلاء، يعد ترفا في المدينة التي تغرق في ظلام دامس، مشيرا إلى أنه يمشي من خيمته إلى سوق الصحابة شرقا مسافة طويلة، على أمل أن يتمكن من شحن هاتفه المحمول مقابل سعر معقول، إذ أصبح توفير هذه الخدمة باستخدام مصادر الطاقة البديلة، نشاط تجاري مزدهر في عموم القطاع.
اظهار أخبار متعلقة
ويلفت الشاب الثلاثيني إلى أنه يدفع بين 2 شيكل إلى 5 شواكل مقابل شحنة واحدة للهاتف أو "اللابتوب"، وهو سعر باهظ بالنظر إلى عدد المرات التي يحتاج فيها إلى شحن هاتفه وهواتف العائلة خلال اليوم.
ويعتمد قطاع غزة على إمدادات متواضعة للغاية من الطاقة الشمسية، للاستخدام اليومي في الإضاء وشحن الهواتف والأجهزة الأخرى، بعد أن عمدت قوات
الاحتلال إلى قصف محولات الطاقة الكهربائية داخل وخارج المدن الرئيسية، ومنعت دخول السولار الصناعي الخاص بمحطة
الكهرباء الوحيدة في القطاع، فضلا عن قطعها امدادات الطاقة الواردة من الداخل، ما أحال غزة إلى كتلة من الظلام الدامس منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ويستخدم
الفلسطينيون بغزة ألواح الطاقة الشمسية من أجل الحصول على كميات قليلة من الطاقة لإنارة خيامهم وما تبقى من منازلهم المدمرة وشحن الهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة إن وجدت، فيما حولها بعضهم إلى مشاريع صغيرة كإنشاء نقاط شحن للهواتف والبطاريات الصغيرة، حيث باتت تنتشر في مناطق قطاع غزة.
وقال مهندس كهرباء في غزة لــ"عربي21" إن الكميات المتوفر من ألواح الطاقة الشمسية في غزة متواضعة للغاية ولا تغطي الحاجة الماسة للاستهلاك اليومي من الكهرباء، مشددا على أن ما يتوفر بالكاد يغطي عمليات شحن الهواتف وأجهزة الحاسوب (اللابتوب)، ووحدات الشحن الصغيرة (الباور بانك).
ولفت المهندس محمود حجازي في حديث خاص لـ"عربي21" إلى أن ألواح الطاقة المتوفرة في غزة قديمة، ودخلت إلى غزة قبل حرب الإبادة الجماعية، ما يعني أن طاقتها الإنتاجية انخفضت كثيرا بفعل كثرة الاستهلاك، وعمليات الاستهداف التي تعرضت لها وحدات الطاقة الشمسية التي كانت تعتلي المنازل وأسطح المؤسسات خلال الحرب.
وعمدت قوات الاحتلال إلى إغراق قطاع غزة في ظلام دامس، فبعد أن قطعت الوقود عن محطات الكهرباء في غزة، وقطعت الإمدادات الخارجية الواصلة إلى بعض المناطق، استهدفت مصادر الطاقة الشمسية، فقصف مرارا منظمات الألواح الشمسية التي تعتلي بعض المنازل والمستشفيات والمؤسسات الأهلية.
اظهار أخبار متعلقة
وذكر حجازي أن لوح الكهرباء سعة "330" وات والذي يعطي " 8 أمبير" من الكهرباء، أصبح لا ينتج سوى 3 أو 4 أمبيرات فقط، بسبب ما تعرضت له هذه الوحدات من تلفيات جزئية وكلية بفعل الاستهلاك المستمر، وعمليات القصف التي طالت أعدادا هائلة من هذه الألواح وخفضت من طاقتها الإنتاجية بشكل كبير.
وقبل اندلاع حرب الإبادة الجماعية، كانت قدرة الكهرباء المتوفرة بقطاع غزة تقدر بنحو 212 ميغاواط من أصل احتياج يبلغ حوالي 500 ميغاوات/ ساعة لتوفير إمدادات الطاقة على مدار 24 ساعة يوميا.
ومن إجمالي الكهرباء التي كانت متوفرة بغزة كان يتم شراء نحو 120 ميغاواط منها من دولة الاحتلال وتصل القطاع عبر 10 خطوط تغذية، إلا أن دولة الاحتلال قطعتها في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ومنعت دخول إمدادات الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة ما تسببت بتوقفها بشكل كامل.
وتسبب انقطاع التيار الكهربائي عن القطاع بتداعيات كارثة انعكست على كافة الخدمات الحيوية والأساسية في القطاع كالمستشفيات والمياه والصناعة والتجارة، ما تسبب بوفاة أشخاص جراء عدم تلقيهم لتلك الخدمات.
وذكر محمد ثابت، مدير الإعلام في شركة توزيع كهرباء غزة، أن جيش الاحتلال دمر نحو 70 بالمئة من شبكات توزيع الكهرباء و 90 بالمئة من مخازن ومستودعات الشركة، و80 بالمئة من أسطول آلياتها ومعداتها، بما في ذلك السيارات والمعدات الأساسية.
وقال في تصريحات سابقة: "تُقدر الخسائر الأولية لشركة الكهرباء بحوالي 450 مليون دولار، وهي أرقام مبدئية نظرا لصعوبة حصر الأضرار بالكامل بسبب تواجد جيش الاحتلال في المناطق المتضررة".