سياسة عربية

المرتزقة الكولومبيون في السودان.. شبكة تجنيد عابرة للقارات تقودها الإمارات

من بوغوتا إلى الفاشر: الطريق الخفي لتجنيد المرتزقة الكولومبيين - أ ف ب "أرشيفية"
من بوغوتا إلى الفاشر: الطريق الخفي لتجنيد المرتزقة الكولومبيين - أ ف ب "أرشيفية"
في وثيقة رسمية قدمتها الحكومة السودانية لمجلس الأمن في أيلول/سبتمبر الماضي٬ تتحدث عن نشاط المرتزقة الكولومبيين في البلاد، ذكرت الخرطوم أن عملية التعاقد مع مرتزقة كولومبيين تمت بصورة "مخادعة"، إذ تم إيهامهم بأنهم سيلتحقون بوظائف في مجال "الأمن والحماية" في الإمارات، قبل أن ينقلوا مباشرة إلى السودان للقتال إلى جانب قوات الدعم السريع.

لا تقتصر الخديعة فقط على إيهام المقاتلين الكولومبيين بالعمل في وظائف أمنية بالإمارات، فبحسب الجريدة الرسمية "للكونغرس الكولومبي" في نسختها الصادرة في تموز/يوليو الماضي٬ فإن كولومبيين تعرضوا للخديعة بعدما تلقوا وعودا بحراسة آبار نفطية في ليبيا، لكن الأمر انتهى بهم في السودان.

تأسست شركة (A4SI) الكولومبية عام 2017، على يد الضابط السابق في الجيش الكولومبي، عمر أنطونيو رودريغيز بيدويا، قبل أن يضطر إلى بيع الشركة للعقيد الكولومبي المتقاعد، ألفارو كيجانو وزوجته كلوديا أوليفيروس، وفق ما أكده الضابط عمر في تصريحاته لصحيفة "La Silla Vacía" الكولومبية.

ورد في نص الوثيقة السودانية لمجلس الأمن، اسم العقيد الكولومبي المتقاعد ألفارو كيجانو، المتهم بأنه الشخص الذي يتولى عملية تجنيد المرتزقة في كولومبيا من خلال شركة (A4SI)، تمهيدا لنقلهم إلى السودان.

يتيح موقع الشركة "استمارة للتوظيف"، وتطلب من المرشحين مجموعة واسعة من المعلومات، يرتبط جزء منها بشكل مباشر بالعمل في بيئات النزاعات، إذ تسأل الاستمارة على سبيل المثال، عما إذا كان المتقدّم يجيد استخدام الأسلحة، وما هي الرتبة العسكرية التي شغلها خلال خدمته في الجيش، إضافة إلى الاستفسار عن امتلاكه خبراتٍ عسكرية سابقة.

يعرض قسم الوظائف المتاحة في الموقع الإلكتروني للشركة الكولومبية، شواغر ذات طبيعة عسكرية واضحة، من بينها وظيفة للعمل على تشغيل الطائرات بدون طيار، مع الإشارة إلى أن مناطق العمل لهذه الوظيفة في آسيا وأفريقيا، مقابل رواتب تتراوح بين 2500 و3 الآف دولار.

تشمل الوظائف الأخرى عروضا للعمل كحراس شخصيين، وخبراء في الأمن السيبراني، لتنفيذ مهام "القرصنة الأخلاقية"، في حين أن مكان العمل سيكون في آسيا وأفريقيا، وبراتب يصل إلى 4 الآف دولار.
تكتمل عملية التجنيد من خلال طرف ثان في الإمارات، تتهمه السودان رسميا بالوقوف وراء عملية تجنيد الكولومبيين للقتال في السودان، ويتمثل هذا الطرف بمجموعة خدمات الأمن العالمية (GSSG)، التي يقع مقرها في أبوظبي.

اظهار أخبار متعلقة


تعرف الشركة نفسها بأنها "المزود الوحيد لخدمات الأمن الخاص المسلح لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة"، وعملاءها الأساسيون هم: وزارة شؤون الرئاسة، وزارة الداخلية، ووزارة الخارجية الإماراتية.
تظهر الوثائق الرسمية الإماراتية لتسجيل شركة (GSSG)، والتي وردت في الوثيقة السودانية المقدمة لمجلس الأمن، أن الشركة تأسست عام 2016، ويملكها رجل الأعمال محمد حمدان الزعابي.

المرتزقة الكولومبيون الذين يتوجهون إلى السودان، غالبا ما يكونون مقاتلين سابقين في الجيش الكولومبي، وتتراوح أعمارهم بين الثلاثينات والأربعينات، ويعرف عنهم امتلاكهم خبرة عسكرية طويلة، بحكم الحرب الأهلية الطويلة التي شهدتها كولومبيا، التي امتدت لـ52 عاما، من 1964 وحتى 2016.
تشير الوثيقة السودانية المقدمة لمجلس الأمن، إلى أن ما بين 350 و380 من المرتزقة الكولومبيين، معظمهم من الضباط والجنود المتقاعدين، تم تجنيدهم للقتال في السودان.

يحمل المقاتلون الكولومبيون المتواجدون في السودان لقب "ذئاب الصحراء"، ويحيطون عملهم بأكبر قدر من السرية، نظرا لكون قتالهم في السودان قد أثار استياء الخرطوم من كولومبيا، التي قدمت بدورها اعتذارا عن مشاركة مقاتليها كمرتزقة إلى جانب قوات "الدعم السريع".

يمثل القتال خارج البلاد فرصة ذهبية للعسكريين السابقين الكولومبيين، لتحسين أوضاعهم المالية؛ إذ يتقاعد معظمهم عند بلوغ سن الأربعين براتب متواضع، بينما تمنحهم عمليات الارتزاق رواتب تعادل أضعاف ما يتقاضونه داخل كولومبيا.

أظهرت المعلومات المتوفرة في المصادر المفتوحة سلسلة من الأدلة التي توثق قتال كولومبيين في السودان، وكانت أولى الإشارات المؤكدة على مشاركة مرتزقة كولومبيين إلى جانب "الدعم السريع"، قد ظهرت في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، عندما تعرضت قافلة عسكرية لقوات "الدعم السريع" إلى كمين من الجيش السوداني في طريق صحراوي.

عقب مهاجمة القافلة، عثر الجنود السودانيون على عدد من الوثائق الشخصية التي تعود لكولومبيين، بما في ذلك صور جوازات السفر ووثائق شخصية أخرى، وبعضهم كانت لديه أختام دخول وخروج من وإلى الإمارات قبل أن يصل إلى السودان.

وفي وثيقتها التي قدمتها السودان إلى مجلس الأمن، ذكرت الخرطوم أن المعلومات المتوفرة لديها تؤكد أن أول وحدة من المرتزقة الكولومبيين، وعددهم 172، وصلوا إلى الفاشر في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، ثم تبعها عمليات انتشار أخرى.

تقول السودان أيضا إن المرتزقة الكولومبيين قاتلوا في مناطق عدة، كالخرطوم، وأم درمان، والجزيرة، والنيل الأبيض، والنيل الأزرق، وسنار، وكردفان، ودارفور.
في المعركة الأخيرة في مدينة "الفاشر" بدارفور غرب السودان، والتي انتهت بسيطرة "الدعم السريع" عليها وارتكاب مجازر فيها، عاد الحديث مجددا عن دور كبير لعبه المرتزقة الكولومبيون في السيطرة على المدينة.

وتظهر وثائق قدمها السودان لمجلس الأمن خططا كانت بحوزة المرتزقة الكولومبيين لمحاصرة مدينة الفاشر واقتحامها.

اظهار أخبار متعلقة


الطريق من بوغوتا إلى أبوظبي 
تمر رحلة المرتزقة الكولومبيين من بلادهم إلى السودان في مراحل متعددة، فهم لا يتوجهون مباشرة إلى الأراضي السودانية، ويسلكون طرقا مختلفة، ويتم ذلك من خلال 4 مراحل.

تبدأ المرحلة الأولى بالسفر عبر رحلات تجارية من كولومبيا إلى الإمارات، وذلك بعد توقيعهم لعقود التوظيف، ويقطنون أياما في الإمارات، وكما ذكر أعلاه، وجدت في جوازات سفر مقاتلين كولومبيين عثر عليها في السودان أختام دخول وخروج إلى الإمارات قبل انتقالهم إلى السودان.



في المرحلة الثانية، يخضع المقاتلون الكولومبيون في الإمارات لتدريبات عسكرية، بحسب ما أكدته شهادة مقاتل كولومبي لموقع "lasillavacia" الكولومبي، ومن ثم يتم نقلهم إلى قاعدة عسكرية في "بوصاصو" بإقليم بونتلاند في الصومال.

وفي المرحلة الثالثة، يتم نقل المقاتلين من "بوصاصو" إلى ليبيا، وبحسب الوثيقة السودانية، فإن المرتزقة يتم نقلهم إلى "بنغازي"، وتتهم الخرطوم ضباطا متحالفين مع المشير الليبي الذي يسيطر على الشرق٬ خليفة حفتر بالإشراف على استقبال المرتزقة.

في النهاية، يتم نقل المرتزقة الكولومبيين عبر الصحراء الكبرى، عن طريق تشاد، وصولا إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات "الدعم السريع" في السودان.

ويحظر القانون الدولي تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، إذ تنص الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد واستخدام وتمويل وتدريب المرتزقة (تم اعتمادها عام 1989 ودخلت حيز النفاذ عام 2011)، على أن كل من يقوم بهذه الأفعال يرتكب جريمة ويجب أن يخضع للمساءلة القانونية، سواء كان فردا أو دولة.


التعليقات (0)