مقالات مختارة

الجوع أهون من التسمين

عبد الناصر بن عيسى
الأناضول
الأناضول
بحسب التقارير الإعلامية الشحيحة، التي تتابع ما يسمح به الكيان المحتل، من بضاعة تمرّ إلى أبناء غزة، فإن ما يحاك حاليا ضد الأبرياء من أبناء فلسطين، هو أخطر بكثير من إرهاب التجويع القاتل الذي أودى بحياة المئات من أطفال ونساء وشيوخ، في مجزرة مجاعة تآمر فيها العالم على فلسطين.

المعلومات الشحيحة نقلت أخبارا عن منع كل المواد الغذائية الصحية التي تمنح الإنسان القوة والسلامة، من لحوم ومشتقاتها وحليب وأجبان وخضر وفواكه وأسماك، كما تمنع دخول الأدوية الضرورية لنزلات البرد الشديدة والشحوب والأمراض المستعصية والخاصة بالأطفال وذوي الهمم، وتسمح في المقابل بدخول مواد غذائية هي بعض الكماليات، من شوكولاطة ومكسرات ومقويات للعضلات ومشروبات غازية وكل ما فيه كمية مضاعفة من السكر والدهون والمثبّتات من أغذية المعلبات، في سياسة تجويع من كل البروتينات والمواد الأساسية، وتخمة في كل ما يضر بصحة الإنسان.

الصهاينة يقدِّمون أرقاما بالأطنان للسلع التي تدخل إلى البيت الغزاوي، وهي أرقامٌ صحيحة، ولكنها منزوعة من كل ما هو صحي، والذي تضعه ضمن المواد الخطيرة. ومنظمة الصحة العالمية، تتابع وتعلم، ولكنها مثل كل المنظمات تقول كلمة حق، مبتورة من دون تطبيق.

كل الكلام السيئ، الذي قيل عن بني صهيون من الأزل، تأكد في هذه الأيام السود على أهل غزة؛ فالحالة ازدادت بؤسا، والموت صار حلما، بعد أن مات كل شيء في القطاع، ولكن هذه المرة أمام تعب الصامتين وصمت المتكلمين، ووضع نقطة نهاية لأي محاولة لكبح هذا الثائر المجنون، الذي صار يبحث عن جثث القتلى لينسفها، ولو تمكَّن لأباد كلمة فلسطين من ذاكرة الناس جميعا.
ما فعله العدو تجاوز الخيال في تحدي للقيم والطبيعة

حتى التجويع صار يرفضه وإطعام الرضيع والشيخ، بالوشكولاطة ليل نهار، مبتغاه، وهو يترصد أبواب غزة لقتل من يريدون البحث عن مكان للحياة، بعد أن تمكّن من جعل القطاع بالكامل منطقة لا تصلح لأي نوع من الحياة، مثل بعض الكواكب التي تجري لمستقر لها، من دون أن تمنح الإنسان مستقرا عليها.

القول إن الاستكبار العالمي لم ينجح في خطة الإبادة هو مغالطة، فقد قدّم الفلسطينيون تضحيات أسطورية بصبرهم، ولكن ما فعله العدو تجاوز الخيال، في تحدي للقيم والطبيعة، وحتى لو فشل في إبادة الإنسان الفلسطيني، فلا نظنُّه فشل في إبادة الضمير الإنساني، الذي قاوم وسرعان ما رفع راية الاستسلام، حتى خفت أنين المتوجّعين وتبخّر الحديث عن ألم أهل غزة في الأمم المتحدة والجامعة العربية ومحكمة العدل الدولية، إلى أن صمت نهائيا.

لا يمكن لإنسان أن يتحمّل ما تحمّله أبناء غزة، ولا يمكن لأشرس جبار أن يمارس كل هذا الكمّ من الطغيان، وكلما قلنا وصلنا الخط الأحمر، رسموا خطوطا حمراء جديدة وتجاوزوها.

الشروق الجزائرية
التعليقات (0)

خبر عاجل