سلطت صحيفة "
لوفيغارو" الفرنسية الضوء على تصاعد القيود المفروضة على تطبيقات المراسلة الفورية الشهيرة في
روسيا، مثل
واتساب وتلغرام، حيث تفرض السلطات قيودًا متكررة على الإنترنت وتعيق استخدام هذه التطبيقات، لا سيما بعد غزو أوكرانيا وحظر مواقع مثل فيسبوك ويوتيوب.
وذكرت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أن احتمال حظر تطبيقي واتساب وتلغرام تمامًا في روسيا، الذي كان يبدو بعيد المنال قبل بضعة أشهر، لم يعد مستبعدًا اليوم. فقد أصبح استخدام التطبيقين يخضع لقيود متزايدة من السلطات، حيث اشتكى سُكان نحو ثلاثين منطقة روسية في 20 و22 أكتوبر/تشرين الأول من انقطاعات كبيرة جديدة أثّرت على عملهما. وبينما كان جنوب البلاد الأكثر تضررًا، أفادت جبال الأورال وموسكو وسانت بطرسبرغ أيضًا بتقارير مماثلة.
وأشارت الصحيفة إلى أن صعوبة الوصول إلى تطبيقات المراسلة الفورية أصبحت أمرًا متكررًا منذ نهاية الصيف، في إطار اتجاه أوسع لتقييد الإنترنت في روسيا. وعلى الرغم من أن هذا التوجه ليس جديدًا، إذ بدأ يتبلور منذ نحو عشر سنوات من خلال حجب جماعي لمواقع إلكترونية غالبًا أجنبية، إلا أن وتيرة هذه الإجراءات تسارعت بشكل ملحوظ بعد غزو أوكرانيا مع حظر مواقع مثل فيسبووك وإكس وإنستغرام ويوتيوب.
وفي أغسطس/آب الماضي، شهدت روسيا قفزة نوعية في هذا المسار، إذ قرّر البرلمان الروسي حظر المكالمات الهاتفية عبر تطبيقات
تلغرام وواتساب، في خطوة تعكس تشديد الرقابة على الإنترنت والمراسلات الرقمية بشكل غير مسبوق.
وبينما كان واتساب بالفعل محط انتقادات المشرعين - باعتباره تابعًا للشركة الأمريكية ميتا مثل فيسبوك وإنستغرام - فإن القرار المفاجئ بحظر المكالمات أخذ الملايين من المواطنين على حين غرة وغيّر عاداتهم اليومية. كما أن خدمة مراسلة أخرى معروفة، فايبر، محظورة تمامًا في روسيا. ومنذ ذلك الحين، وحتى عند استخدام إحدى شبكات "الشبكة الافتراضية الخاصة" (VPN) القليلة (التي تتجاوز الشبكة المنزلية) المتاحة في روسيا، كانت المكالمات على تلغرام وواتساب بطيئة للغاية.
على غرار نموذج "وي تشات"
أشارت الصحيفة إلى أن السبب الرسمي لهذا التوقف، الذي ذكره مجلس الدوما، هو مكافحة عمليات الاحتيال الهاتفي والإرهاب. ويوضّح دميتري زاير-بيك، خبير الأمن السيبراني في منظمة حقوق الإنسان: "في الواقع، الهدف الرئيسي هو الترويج لخدمة الرسائل الوطنية "ماكس" وفرض استخدامها على نطاق واسع من قبل السكان". وقد تم إطلاق هذه الخدمة الروسية الجديدة للرسائل في مارس/آذار الماضي، وهي مُثبّتة مسبقًا بشكل إلزامي على جميع الهواتف الجديدة المباعة في روسيا منذ الأول من سبتمبر/ أيلول. وقد طُوّرت من قِبل مجموعة VKontakte. ويرأس هذه الشبكة الاجتماعية حاليًا، المعروفة أحيانًا باسم "فيسبوك الروسي"، فلاديمير كيريينكو.
وبينت الصحيفة أن تطبيق ماكس تم تصميمه على غرار خدمة الرسائل الصينية "وي تشات"، التي يُعد استخدامها ضروريًا في الصين. فهو لا يتيح التواصل فحسب، بل يعمل أيضًا كمحرك بحث، وحجز مركزي للتذاكر والجولات السياحية وتذاكر المطاعم والسفر وقراءة الصحف والدفع عبر الإنترنت وغيرها. أما النسخة الروسية منه، التي لا تزال في مرحلة التطوير نفسها، لكنها بُنيت وفق نفس الفكرة الأساسية.
وأضافت الصحيفة أن المشكلة الرئيسية، التي كان يمكن توقعها إلى حد ما، تكمن في أن تطبيق ماكس غير آمن تمامًا. وتحديدًا، لا يُوفر تشفيرًا شاملًا للتبادلات، وهو التشفير الذي أصبح المعيار المُتبع في تطبيقات المراسلة عبر الهاتف المحمول. كما يُثبت أنه يُمثل خللًا حقيقيًا في حماية المعلومات الشخصية. فقد اكتشف خبير في الأمن السيبراني أن ماكس يُخزّن جميع أنشطة وبيانات مستخدميه دون أي سرية.
تطبيق مراسلة حكومي
يتفق ناشطو الإنترنت الروس المؤيدون للحرية الرقمية على أن تطبيق ماكس يمثل أداة هائلة لتتبع ومراقبة المواطنين من قبل أجهزة الأمن، التي يمكنها الوصول إلى المراسلات الخاصة للمستخدمين متى شاءت.
ويصف ميخائيل كليماريوف، مدير منظمة مجتمع الدفاع عن الإنترنت، التطبيق بأنه عميل استخبارات شخصي مخفي داخل هاتفك. ويرى ديمتري زاير-بيك أنه من المستحيل تمامًا أن تصبح روسيا، الدولة ذات المجتمع المترابط والغنية بخبراء تكنولوجيا المعلومات المتميزين، نسخةً مصغرةً من كوريا الشمالية. ويؤكد قائلًا: "تلغرام، على سبيل المثال، ليس بمنأى عن الانتقادات فيما يتعلق بالخصوصية، لكن الفرق الجوهري هو أن ماكس خدمة مراسلة حكومية".
وهذا ليس سوى أحدث تطور في استراتيجية الكرملين الشاملة لإنشاء نظام بيئي مغلق وخاضع للرقابة على الإنترنت ليس فقط لمنع الوصول إلى خدمات الإنترنت الغربية، بل أيضًا لتحقيق سيادة كاملة على الإنترنت في روسيا.
العودة إلى المكالمات الهاتفية التقليدية
حسب الصحيفة، يدرس بعض المشرعين بجدية فكرة منح الوصول إلى الإنترنت في روسيا بالكامل فقط عبر ربطه بجواز السفر. وفي المقابل، يسعى آخرون إلى مزيد من الانعزال عن الغرب في مجال الاتصالات، وهناك مقترحات لتقييد عمل شرائح الهواتف الأجنبية عند دخولها الأراضي الروسية، وتعطيل الشرائح الروسية أثناء التجوال خارج البلاد. وفي الوقت نفسه، شهدت عدة مناطق روسية هذا العام تكرار انقطاع الإنترنت المحمول، كما هو الحال في مناطق كازان ونيجني نوفغورود، وكذلك في جنوب روسيا.
رسميًا، تُعدّ هذه الخدمة وسيلةً لأجهزة إنفاذ القانون لمواجهة الطائرات الأوكرانية المُسيّرة، التي تستخدم الشبكة الروسية أحيانًا. لكن يُنظر إليها من قِبل المُنتقدين على أنها في المقام الأول وسيلة لاختبار عمليات قطع الإنترنت، على الرغم من أن هيئة تنظيم الاتصالات كانت تختبر لسنوات فصل الإنترنت الروسي عن الإنترنت العالمي، على مستوى الأجهزة فقط.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالتأكيد على أن ماكس بالفعل يُعلن عن قاعدة 40 مليون مُستخدم. ويُشجَّع العاملون في القطاع العام والتكتلات الحكومية، نظرًا لضيق الخيارات، بشدة على الانتقال إلى خدمة البريد الإلكتروني الوطنية. في المقابل، تشير تقارير عديدة إلى وجود ضغوط، حتى في المدارس التي نُقلت فيها على سبيل المثال، محادثات مجموعات أولياء الأمور والمعلمين إلى ماكس.