منذ أيام وسفن أسطول الصمود تمخر عباب البحر
قاطعة المسافات الطويلة وصولا لغزة، عن طريق البحر، كسرا للحصار، وإغاثة لأهلها،
ومنذ ساعات والناس تتابع اعتراض الكيان الصهيوني لهذه السفن الكثيرة، ورغم أن
المتوقع أن تواجه إسرائيل السفن بالمنع، وربما بالاعتقال لأعضائها، إلا أن هذه
المرة هذا الأسطول يحمل رسائل قوية، يتختلف تماما عما سبق من أساطيل إغاثة، فهو
يحمل رسائل قوية على عدة مستويات.
عزل الكيان
أما المستوى الأول، فعلى مستوى العدو
الصهيوني، فالأسطول يعد ردا على مبادرة ترامب، والتي هدد بأن رد المقاومة إن لم
يكن بالموافقة خلال ثلاثة أيام، فسيترك لإسرائيل أن تفعل ما تشاء، وقد ظن نتنياهو
وترامب وكل حليف للاحتلال، سواء حلفاء العلن أو الخفاء، أن هذه المبادرة قامت بعزل
المقاومة، ووضعتها في وضع حرج، بعد أن كانت إسرائيل هي المعزولة، وظن الكيان أنه
تنفس الصعداء، وأن مبادرة ترامب جاءت له بحل من حيث لا يدري، ومثلت له قبلة الحياة.
تأتي هذه القوافل، وهذه السفن التي من كل
العالم، ومن جنسيات مختلفة، وعشرات السفن، لتعيد مرة أخرى مواجهة الكيان للعالم
الغربي كله، وعزلها مرة أخرى، بشكل أكبر مما سبق، فإذا كانت الحكومات الغربية مع
الكيان، فإن الشعوب الآن أصبحت هي الدرع الحامي لغزة، والمواجه للكيان، والضاغط
على حكوماته الغربية، لتتخذ موقفا بما تمارسه إسرائيل مع أسطول الصمود.
يتابع العالم كله، مسار أسطول الصمود وتداعياته، وهي سفن تقارب الخمسين، العالم كله تيقظ وتحرك في الميادين لينتفض ضد هذه الغطرسة، وحضرت قضية فلسطين بقوة، وأصبح المهددون بالانعزال الدول التي تخلت عن دعم مواطنيها ضد ما يمارسه الكيان معهم في أسطول الصمود، ولا نعلم ما تخبئه الساعات القادمة، والتي نرجو أن تحمل الخير لغزة وأهلها.
لم يكتف الأسطول برسالة العزل للكيان فقط،
بل الإصرار على المواجهة، وتكملة مشواره، مهما كلفهم، رغم التحذيرات من الكيان،
ورغم الرسائل التي أرسلت من بعض الدول الأوروبية لمواطنيها المشاركين، ومع ذلك
أصروا على الاستمرار، والمضي قدما.
ردود الأفعال حتى الآن تنبيء عن مزيد من
العزلة للكيان، والفضح لمبادرة ترامب، فالاتحاد العمالي الإيطالي دعا لإضراب عام
يوم الجمعة، اعتراضا على ما قام به الكيان تجاه سفن أسطول الصمود، رغم موقف رئيسة
وزراء إيطاليا والمؤيدة للكيان.
وردود الأفعال تجاه ما يمارس ضد الأسطول،
بدأت التصريحات السياسية لبعض الدول، فالخارجية التركية اعتبرت ما قامت به إسرائيل
عملا إرهابيا مرفوضا. وما يعترف به بعض قيادات عسكرية في الكيان، مثل تصريح أحدهم:
اعتدنا على المناورات البحرية العسكرية مع دول هذه السفن، ولأول مرة نتعامل معها
في سياق آخر، وهو إغاثي، وسياق محرج عسكريا ودوليا.
بطولة المشاركين
المستوى الثاني، وهو مستوى المشاركين، فهم
من جنسيات مختلفة، ومن ديانات مختلفة، ومن شخصيات ذات ثقل سياسي وبرلماني ونشطاء
من كل دول العالم، فمنهم مثلا: حفيد نيلسون ما نديلا، وسفينة تحمل ناشطات ويمثلن
عددا كبيرا.
كما أن أسماء الأساطيل في حد ذاتها تعبير عن
الموقف من
غزة، فبعض هذه الأسماء: سفينة شيرين أبو عاقلة، سفينة أنس الشريف، سفينة
عمر المختار، وكلها أسماء شهداء أرادت هذه السفن بهذه التسمية توصيل رسالة واضحة
وبينة، بانحياز هؤلاء الأحرار لأهل غزة.
ورغم الابتزاز الذي مارسه الإعلام الصهيوني،
منذ أيام، بمحاولة وصم الأسطول بأنه تابع لحماس، وأنه مؤيد لمنظمة إرهابية،
واستمرار القصف الإعلامي للكيان وما يتبعها من بعض منصات إعلامية في دول عربية،
إلا أنهم أصروا على البقاء ومحاولة الوصول، وهي رسالة واضحة وقوية، أنهم لن يرضخوا
لهذا الابتزاز.
قوة معنوية لأهل غزة
المستوى الثالث: فعلى مستوى أهل غزة، فهذه
السفن، رغم أنها لو وصلت كلها، فلن تكون إنهاء لمشكلتها الغذائية والدوائية
وغيرها، لكنها دعم معنوي كبير لأهل غزة، أن العالم العربي إن ضيق عليه، ولم يتمكن
من القيام بواجبه نحوهم، فإن العالم الغربي الحر يقوم بذلك، ويقدم روحه فداء لذلك.
بل تخرج الجماهير الأوروبية في عدد من
عواصمها تضامنا مع أسطول الصمود، وهي رسالة أخرى معنوية، تضاف لما قامت به هذه
العواصم من قبل، لكنها هذه المرة في وقت ظن الجميع أن أهل غزة خذلهم القريب
والبعيد.
المستوى الرابع: وهو مستوى المقاومة، فأعتقد
أن توقيت وصول السفن، تدبير من الله عز وجل، في توقيت قامت كل وسائل الإعلام
العربي المتصهين، بالابتزاز للمقاومة، والضغط، والمساومة لها، بأن ترضخ لما يمليه
ترامب في مبادرته، وأنها باتت معزولة عن محيطها العربي والعالمي، والكل يطالبها
بالرضوخ التام لترامب وشروطه التي ظاهرها إنهاء للحرب، وباطنها إنهاء للمقاومة بكل
أشكالها.
فتأتي هذه القوافل، وهذا التفاعل العالمي
معها، وضد الغطرسة الإسرائيلية معها، لتكون رفعا لسكين ترامب والمتصهينين العرب من
فوق رقبة المفاوض
الفلسطيني، وصدق الله إذ يقول: (وما يعلم جنود ربك إلا هو).
يتابع العالم كله، مسار أسطول الصمود
وتداعياته، وهي سفن تقارب الخمسين، العالم كله تيقظ وتحرك في الميادين لينتفض ضد
هذه الغطرسة، وحضرت قضية فلسطين بقوة، وأصبح المهددون بالانعزال الدول التي تخلت
عن دعم مواطنيها ضد ما يمارسه الكيان معهم في أسطول الصمود، ولا نعلم ما تخبئه
الساعات القادمة، والتي نرجو أن تحمل الخير لغزة وأهلها.