الحقيقة
التي يجب علينا الاعتراف بها أن عقلية النخبة المخططة لمشاريع الكيان الصهيوني -مقارنة
بحكامنا!- دائما ما تتحرك باستراتيجية واعية للتعامل مع متطلبات الأمن القومي لدولتهم؛
بإزالة التهديدات التي قد تواجهها ولو في المستقبل البعيد! وهذه من سمات التفكير الاستراتيجي
والتحرك الاستباقي للصهاينة منذ التخطيط لإنشاء الكيان وزرعه في المنطقة وحتى تاريخه،
لذا فلا مفاجآت في العمليات التي تُصَبِّحنا بها دولة الاحتلال من خلال قراءتها الجيدة
للمشهد خاصة فيما يتعلق بدول الطوق.
ومن سمات
التفكير الاستراتيجي في قراءة الملف السوري هو الضرب بكل قوة لمواجهة التغيرات الدراماتيكية
بعد خسارة حكم الحليف الاستراتيجي (عائلة الأسد)، وعودة الحكم في الدولة السورية إلى
الغالبية من شعبها (العربي السني، وريث الخلافة الأموية)،
تلك الدولة التي كانت المختطفة من العائلة الفاسدة، وفسادها ليس في نهب المقدرات وشفط
الثروات وفقط، بل في خيانتها للأمن القومي بتضييع الجولان والتي جرى تسليمها والسكوت
عنها بطريقة أقرب إلى الخيانة، وكذلك أمنها القومي المستباح للمحور الإيراني المتمثل
في قيادات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني؛ يرمحون في
سوريا كما يحبون!
من سمات التفكير الاستراتيجي في قراءة الملف السوري هو الضرب بكل قوة لمواجهة التغيرات الدراماتيكية بعد خسارة حكم الحليف الاستراتيجي (عائلة الأسد)، وعودة الحكم في الدولة السورية إلى الغالبية من شعبها
إسرائيل
ترفض التفاهمات التي جرت بين سوريا وأمريكا بفضل الرعاة الإقليميين، وهي لا تثق بالهدوء
النفسي الذي يظهر في الخطاب المتزن للرئيس أحمد
الشرع! وتعلم يقينا أن ترك سوريا بطموحات
الشرع والمحيطين به سوف تتجه لعقد تحالفات جيواستراتيجية ستغير من شكل سوريا بعد عمليات
التحديث التي ستطال جيشها (مثلا مسيّرات "البيرقدار-
أقنجي" التركية، وبالدفاعات الجوية الصينية والتركية وربما بالمقاتلات الحربية
من مقاتلات الجيل الخامس التي توازي الطائرة f35 الشبحية! من فخر
الصناعات الجوية التركية التي توافدت عليها عقود الشراء من بعض الدول، والتي أصبحت
تهديدا ليس للاحتلال وحده بل للولايات المتحدة الأمريكية نفسها!). وهذا
ما تفهمه إسرائيل وهو ما دفعها لفرض الحرب، مستهينة بالخسارة الآنية القليلة في مقابل
ما سوف تتكبده من خسائر فادحة في المستقبل قد يتهدد وجودها بالأساس!
دولة الاحتلال
حريصة على سرعة فرض معادلات بعينها على الدولة السورية كاستراتيجية متبعة، وذلك باستغلال
ورقة "
السويداء" لدغدغة مشاعر الدروز الإسرائيليين ممن يخدمون في جيشها كضباط
وجنود؛ بإثارة نقطة الانتماء للطائفة الواحدة، وهو ما ترجم المناشدة العاطفية السمجة
لشيخ عقل الطائفة الدرزية في إسرائيل، موفق طريف، لنتنياهو بضرورة التدخل العسكري لحماية
الطائفة الدرزية في السويداء، كما استفادت دولة الاحتلال بذلك من تأصيل استراتيجيتها
بتبني الأقليات في المنطقة العربية بوصفها راعيا ومدافعا عنهم، كما فعلت من قبل مع
الأكراد وتفعله أحيانا بالتواصل مع بعض اللوبيات المسيحية في المنطقة..
ولقد وجد
نتنياهو في السويداء ضالته أيضا بتثبيت عدم الاستقرار للدولة السورية وحرمانها من الاستفادة
من ثمرات الاتفاقيات الاقتصادية التي عقدتها مع عدد من الدول والمنظمات الدولية المعنية
من باب أنه لا استثمار في وطن غير مستقر! وبجانب ما قلناه من تحقيق مصالح الأمن القومي
لبلاده، فقد جاءت ورقة دروز السويداء كإنقاذ لبنيامين نتنياهو شخصيا من جلسات محاكمته،
حيث طالب محاميه بتأجيل الجلسات لخطورة التطورات في سوريا، وهو ما حمل المحكمة على
الاستجابة الفورية!
دولة الاحتلال حريصة على سرعة فرض معادلات بعينها على الدولة السورية كاستراتيجية متبعة، وذلك باستغلال ورقة "السويداء" لدغدغة مشاعر الدروز الإسرائيليين ممن يخدمون في جيشها كضباط وجنود
كما جاءت
عملية السويداء للهروب من وحل غزة والفشل العملياتي والضربات الموجعة التي أبدعت المقاومة
في تنفيذها خاصة في الآونة الأخيرة، وهو ما زاد من حدة خطاب المعارضة واعتصامات ووقفات
أسر الأسرى والمتضامنين معهم، واستغل نتنياهو التعبئة لعملية السويداء من سحب الفرقتين
العسكريتين من القطاع وتوجيههما إلى الحدود السورية، ليبدو الأمر من باب التحشيدات
الواجبة للمعركة المنتظرة وليس هروبا من مستنقع غزة!
وفي الختام،
ثمّة بعض الرسائل المهمة في زخم الاعتداء الصهيوني
1- ظهرت الخيارات محدودة أمام صانع
القرار السوري، فهل يشتبك في معركة مفتوحة مع الاحتلال وهو عين ما يريده نتنياهو وحكومته
من المتطرفين المهووسين. وتخيلوا حجم الدعم الغربي الذي سيتوافد عليه، وليس ذلك فحسب،
بل سيعيد البعض ممن وافقوا مضطرين على عقد التفاهمات مع حكومة الشرع النظر بالتخلص
من تجربة حكم إسلاميين جدد ذوي توجهات جهادية! وأما العرب حكومات ومنظمات، فالله وحده
يعلم حجم التخاذل بل والتآمر الذي سيحدث إن استدرجت سوريا الجديدة في معركتها مع الكيان!
2- أعادت
صور شهداء السويداء من البدو (السنّة) زخم الثورة لدى الشعب الثوري، والذي خرج في تظاهرات
داعيا لفتح باب الجهاد في مواجهة العدو الصهيوني!
3- بدد
القصف الغادر أطماع العدو وداعميه في الغرب بل وأذنابهم في المنطقة من أي فرصة لإقناع
السوريين بالتطبيع!
4- وضح
للشعب السوري كله جيوب الخيانة في داخل النسيج الوطني! والرافضين للتوافق من أجل مصالحهم
الخاصة والمستقوين بالعدو الخارجي المحرضين على دولتهم (حكمت الهاجري نموذجا).
5- انفضاح
خبيئة الحاقدين والشامتين في الثورة السورية من بعض الحكومات وصحفييها وكتابها الكارهين
لحكم التيار الإسلامي، كذلك كشف العدوان الأخير خبيئة أيتام المحور الإيراني وحزب الله
في بعض مواقع التواصل الاجتماعي وبعض البرامج الحوارية بعد خسارتهم لسوريا التي عادت
إلى محيطها العربي والسني.