كتاب عربي 21

الرد الإيراني.. طهران إلى أين؟

سليم عزوز
"ليس من السهل التنبؤ بالرد على العدوان الأمريكي بما هو موجع، كما الاستمرار في الانتقام من إسرائيل"- إرنا
"ليس من السهل التنبؤ بالرد على العدوان الأمريكي بما هو موجع، كما الاستمرار في الانتقام من إسرائيل"- إرنا
العدوان الأمريكي على إيران يلزمه ردٌ مزلزل، فهل سترد إيران حيث تؤلم واشنطن، أم أن ردها سيتوقف في تل أبيب، إلى حين أن تبدأ محادثات وقف إطلاق النار؟

يعدُّ مغامرة أن يجزم الكاتب بأي توقع، فقد لا يتحقق شيء من توقعاته، رغم منطقية هذا التوقع أو ذاك، وخط سير حروب هذا الزمن خارج توقعات المحللين، ليكون سؤال المنطقة الآمنة: ماذا لو ردت إيران؟ وماذا لو اقتصر ردها حتى كتابة هذه السطور على دك تل أبيب؟

عندما حدث العدوان الإسرائيلي على طهران، توقعت أن ترد ردا ليّنا، كما هي العادة في حوادث سابقة. وهو رد لذر الرماد في العيون، لا سيما بعد اغتيال أحد قادتها الكبار، وضرب هيبتها في مقتل باستهداف ضيفها الكبير إسماعيل هنية في غرفة نومه. ولا يستطيع المرء أن يستبعد فرضية أن يكون الرئيس الإيراني السابق قد اغتيل مع سبق الإصرار والترصد، وأن الإيرانيين يتحفظون على هذه الأسباب لعدم قدرتهم على الرد!

بيد أن إيران خرجت عن سياقها، وردت ردا موجعا وفي عقر دار إسرائيل، وهو الرد الأكثر إيلاما في تاريخ هذا الكيان، ومنذ زرعه في المنطقة؛ أن تصبح عاصمته مستهدفة، وهو الأمر الذي لم يكن متصورا ولو في الأحلام. وقديما، عندما هددت إسرائيل بقصف العاصمة اللبنانية، رد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله: "إذا استهدفوا عاصمتنا سوف نستهدف تل أبيب". كان الأمر فوق الخيال، ولأن الرجل كان متمكنا من قواته ومن لسانه قبل الاختراق الإسرائيلي الكبير للحزب، فقد عملوا لتهديده ألف حساب. والأمر يخص قدس الأقداس، وهي العاصمة الإسرائيلية!

عندما ينقشع الغبار وتتشكل لجنة للتحقيق فيما جرى، سنكتشف أن أعداد القتلى والمصابين أكثر بكثير من المعلن، وأن حجم التدمير أكبر كثيرا مما يُعلن رسميا، وأن غزة ليست وحدها التي سيقتصر الحديث على مهمة إعادة إعمارها، فتل أبيب تحتاج إلى ذلك أيضا. وهذا انتصار كبير، بغض النظر عن ما تكبده الإيرانيون من خسائر كبيرة أيضا

الجحيم.. تل أبيب:

بيد أن إيران فعلتها، وحولت حياة الإسرائيليين إلى جحيم، وهم يبقون لفترات طويلة في الملاجئ التي لم تعد تتسع لهم. وتنظر إلى الصور القادمة من هناك فلا تعلم إن كانت من تل أبيب أم من غزة، فحجم الدمار فوق المتصور ويفوق أكثر أحلامنا جنونا، وهو سابقة منذ صواريخ صدام حسين، التي كانت في حدود أربعين صاروخا فقط.

وعندما ينقشع الغبار وتتشكل لجنة للتحقيق فيما جرى، سنكتشف أن أعداد القتلى والمصابين أكثر بكثير من المعلن، وأن حجم التدمير أكبر كثيرا مما يُعلن رسميا، وأن غزة ليست وحدها التي سيقتصر الحديث على مهمة إعادة إعمارها، فتل أبيب تحتاج إلى ذلك أيضا. وهذا انتصار كبير، بغض النظر عن ما تكبده الإيرانيون من خسائر كبيرة أيضا، وما نال من سمعتهم جراء هذا الاختراق الذي جرى لجبهتهم الداخلية!

فقد كان الجانب الإسرائيلي حريصا منذ بداية الأحداث على عدم نقل الحقيقة كاملة للناس أو حتى للرأي العام الداخلي، ففرض رقابة على وسائل الإعلام، تماما كما حذر من تصوير الدمار.

وإذا كنا نستبعد الرد الإيراني الموجع، فقد كنا نقر بأننا سنعيش في كنف الهيمنة الإسرائيلية لسنوات طويلة. وقد تعجل نتنياهو من أمره عندما قال إنه من سيعيد رسم خريطة المنطقة من جديد، ثم أعاد التأكيد على ذلك بعد العدوان الأمريكي، فهل هذا أمر حقيقي؟

أكتب هذه السطور على وقع صواريخ انطلقت من إيران إلى الأراضي العربية المحتلة، على نحو كاشف بأنه وإن استبعدت إيران الرد على أمريكا، فلن تترك إسرائيل تشعر بلذة النصر. وهو نصر لا بد وأن يكون مسكونا بالهزيمة، لأنه ثبت في الأولى والآخرة أن إسرائيل لا يمكن أن تدافع عن أمنها إلا بالدعم الأمريكي السريع. وفي البداية كان لا بد من تحرك حاملات السلاح في الأيام الأولى لطوفان الأقصى، وفي هذه كان لا بد من مساندة أمريكية. وإسرائيل تبدو مترنحة لا تقوى على الصمود، والعجز كذلك عن مجابهة الإيرانيين رغم الاختراقات التي حققتها، وهذا أكثر الأمور صعوبة!

ترامب ليس بوش الابن:
بدون الرد الموجه للمصالح الأمريكية في المنطقة، فإن إسرائيل لم تنتصر في المعركتين؛ سواء على مستوى غزة، لأنها برغم كل الإجرام الذي ترتكبه لم تحقق غايتها بإبعاد حماس أو القضاء عليها، وعلى مستوى إيران فلم تكسرها، ولم تسقط نظامها، وأثبتت أنها لا تستطيع الانتصار بعيدا عن الحماية الأمريكية

ما علينا، فلم يكن سيناريو الرد الأمريكي هو أكثر التوقعات وجاهة، فالرئيس الأمريكي الحالي ليس رجل حروب، إنه يفر منها، شأنه أي شخص يخشى المغامرة. ثم إن السواد الأعظم من ناخبيه هم الذين يشغلهم ما يتحقق لهم من إنجاز على مستوى المعيشة، وكان متوقعا أن يفوز لدورة ثانية متصلة، لكنهم فقدوا الحماس له بسبب دودة الأرض (كورونا) التي أخذت بالشمال ما جمعه باليمين، لينجح بايدن!

وهو يدرك أنه فاز هذه المرة لكي يحقق إنجازا اقتصاديا، ولهذا يفخر بما وعد بالحصول عليه من الخليج، رغم أنها صفقات مؤجلة في معظمها.فعندما يتورط في هذه الحرب فهذا ليس أكثر الاحتمالات ترجيحا، حتى وإن كان محاطا بصقور الحزب الجمهوري الذين ينطلقون من موقف أيديولوجي يفتقده عامة الناخبين، والذين مثلهم بوش الابن في غزوه للعراق. لكن ترامب ليس بوش، ومع ذلك رضخ للضغوط في النهاية، ربما أغواه أنه يستطيع أن يضرب ضربته ثم يجبر إيران على العودة لمائدة المفاوضات لوقف الحرب. فلا يزال ترشيحه كرجل سلام قائما، وكل من السادات ومناحيم بيجين بدآ بالحرب، لكن نوبل كانت بالخواتيم التي تمثلت في اتفاقية السلام!

والحال كذلك، فليس من السهل التنبؤ بالرد على العدوان الأمريكي بما هو موجع، كما الاستمرار في الانتقام من إسرائيل. فإيران التي أعرضت عن مقتل قادتها وضيوفها، ردت على العدوان الإسرائيلي الأخير، وهو رد خارج سياقها، وقد تعود لذات السياق في التعامل مع القصف الأمريكي لمنشآتها النووية. فماذا لو لم ترد؟

إن عدم الرد يمثل خصما من رصيدها، ولا يغطي على ذلك إلا قصف أكثر شراسة لإسرائيل، يمثل ضغطا على المجتمع الدولي، والبيت الأبيض نفسه، للتوصل لوقف إطلاق النار، ولو كانت النتيجة هو الإقرار الضمني بهزيمة إسرائيل، ما دامت هيبة الولايات المتحدة الأمريكية محفوظة!

ومهما يكن، ولأن الحروب بأهدافها، فبدون الرد الموجه للمصالح الأمريكية في المنطقة، فإن إسرائيل لم تنتصر في المعركتين؛ سواء على مستوى غزة، لأنها برغم كل الإجرام الذي ترتكبه لم تحقق غايتها بإبعاد حماس أو القضاء عليها، وعلى مستوى إيران فلم تكسرها، ولم تسقط نظامها، وأثبتت أنها لا تستطيع الانتصار بعيدا عن الحماية الأمريكية، في حين أن إيران لم يساندها أحد!

وهذه نهاية الحد الأدنى التي لن تمكن إسرائيل من إعادة رسم خريطة المنطقة، ولعلها تعجز عن إعادة رسم خريطة مساكنها ومنشآتها إلا بالاستعانة بصديق!

دعك من بجاحة نتنياهو!

x.com/selimazouz1
التعليقات (0)

خبر عاجل