قراءة في العدوان:
"نجاح" الكيان الصهيوني في شن هجوم مباغت على الأراضي
الإيرانية وتمكنه
من اغتيال عدد من القادة العسكريين الكبار ومن العلماء المتخصصين في البحوث النووية،
يفتح على عدة استنتاجات:
أولا: جرأة قادة الكيان وطبيعتهم الغادرة، إنهم
لا يترددون في تنفيذ ما يرونه خادما لمصالح كيانهم، وإنهم لا يُفرّطون في أي فرصة لتنفيذ
هجماتهم الغادرة كما فعلوا مع العراق أثناء
حربه مع إيران، فها هم اليوم يستغلون أجواء
التفاوض بين الإيرانيين والأمريكان حول الملف النووي، ليتسللوا فجرا لتنفيذ خطة إجرامية،
متجاوزين الأعراف والقوانين الدولية ومستفيدين من دعم أمريكي لا يشكّذون في كونه لن
يتأخر كلما كانوا بحاجة إليه؛ سواء كان دعما سياسيا أو دعما بأحدث الأسلحة وأشدها فتكا.
ثانيا: إنهم على خلاف قادة دولنا العربية تحديدا،
حيث الوعيد دون تنفيذ، فدائما يُرفقون التهديدات بالأفعال، بل كثيرا ما يفعلون ثم يبررون
أفعالهم العدوانية.
ثالثا: العملية تكشف عن دقة المعلومات ووضوح بنك
الأهداف، وعن عمق الاختراقات وعن معرفة باختيار المتعاونين في الداخل لتحديد الأهداف
وحتى لتنفيذ بعض المهام القذرة، وهو ما يستدعي مراجعة السلطات الإيرانية لمنظومتها
الأمنية وأجهزتها الاستخباراتية لمنع تكرار ما حدث.
هل فعلا تحولت المفاوضات مع الصهاينة كما مع الأمريكان إلى مرحلة أخيرة من مراحل الاختراق لتنفيذ عمليات غدر تسوّقُ على أنها إنجاز لقادة العدو الذي عجز عن تحقيق أهدافه في مواجهات عسكرية مباشرة؟
رابعا: الضربات، كما في كل عملية عدوانية، تكشف
عن قوة التقنية العسكرية ومستوى الدعم الأمريكي، فأمريكا شريك دائم في كل جرائم الكيان
سواء في فلسطين أو في لبنان أو في إيران.
خامسا: بالعودة إلى حجم الاغتيالات ضد قادة
المقاومة
سواء الفلسطينية أو اللبنانية، نلحظ أنها تحصل غالبا بعد دورات وساطات في جلسات حوارية
غير مباشرة بهدف الوصول إلى هدنة أو تبادل للأسرى، فهل فعلا تحولت المفاوضات مع الصهاينة
كما مع الأمريكان إلى مرحلة أخيرة من مراحل الاختراق لتنفيذ عمليات غدر تسوّقُ على
أنها إنجاز لقادة العدو الذي عجز عن تحقيق أهدافه في مواجهات عسكرية مباشرة؟
سادسا: ولعل أهم ما يكشف عنه هذا العدوان الغادر
الذي تحول إلى حرب دامية، هي جدية العداء بين الكيان الصهيوني والجمهورية الإسلامية
الإيرانية، وهو ما ينفي زيف الادعاء بكون خطاب العداء إنما هو مجرد تمويه لإخفاء تعاون وتقاسم مصالح بين
الطرفين في البلاد العربية، بل إن البعض "يُنظّرُ" إلى كون إيران أشدّ خطرا
على العرب من الكيان الغاصب بدعوى أن احتلال الروح (مذهبيّا) هو أخطر من احتلال الأرض.
ما بعد العدوان الغادر:
أول مرحلة قامت بها إيران هي استيعاب الضربة، ثم مراقبة ردود الفعل الدولية وحجم التعاطف والإدانة، مع تقدير مستوى غضب
الشعب الايراني ضد العدوان ومنسوب التضامن الداخلي لمواجهة العدو، ثم تقدير مستوى الرد بما يحقق ردعا موجعا للعدو وانتصارا للكرامة الإيرانية ولكبرياء
الدولة، دون ذهاب إلى حرب واسعة نتائجها ليست مؤكدة بالنظر إلى الوضع الإقليمي والدولي.
والسؤال الأهم هو: هل تعلن إيران عن الخروج من المفاوضات النووية في مرحلة أولى،
ثم في مرحلة ثانية إذا ما اشتدت المعركة واتسعت، هل تصدر فتوى من الإمام الخامنئي بإنتاج
القنبلة النووية؟
هل تستمر المواجهة لتستوي على معادلة ترجح الكفة لصالح أحد الطرفين فتكون له اليد العليا في مفاوضات قادمة؟ هل تُعجّل الإدارة الأمريكية بإنقاذ ابنتها العاقة حفظا لها من كُلفة لا تقدر على تحملها إذا استمرت الحرب واتسعت؟ هل يكون ترامب "صادقا" في خدمة "السلام" وهو يعلن عزمه على إيقاف الحرب في أقرب وقت، أم أنه تفاجأ بحجم الرد الإيراني وبحجم ما لحق بالكيان من خسائر؟
استراتيجية محور المقاومة
الحرب الدائرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني هي امتداد لمفاعيل
طوفان الأقصى، وهي أشبه ما تكون "بتوسّع بقعة الزيت"، إنها معركة ضمن سياق
معركة محور المقاومة حيث يتكامل المجهود الحربي في بعده العسكري والاستعلامي والإعلامي،
وهي معركة ليس من أهدافها الراهنة تحقيق "انتصار بالضربة القاضية"، إنما
الهدف هو تحقيق "انتصار بالنقاط" كما قال الشهيد حسن نصر الله.
إن معارك التحرر، عبر التاريخ،
ليست معارك خاطفة، إنما هي معارك تتمدد في الزمن وفي الجغرافيا، معارك التحرر فيها أثمان باهظة، ومن يستعظم
ثمنا لا يخوض حرب تحرير.
ما حدث من اعتداءات ومن
جرائم ضد مكونات محور المقاومة، سيحدث مثله وأعظم منه، وكل ذلك لن ينال من ثقة المقاومين
بكونهم على حق، لا يساومون ولا يذلون ويفضلون موتة شريفة تخلف العزّة لأجيالهم القادمة
على تسويات مائلة لا تخلف غير الهوان والمذلة.
فهل تستمر المواجهة لتستوي على معادلة ترجح الكفة لصالح أحد
الطرفين فتكون له اليد العليا في مفاوضات قادمة؟ هل تُعجّل الإدارة الأمريكية بإنقاذ
ابنتها العاقة حفظا لها من كُلفة لا تقدر على تحملها إذا استمرت الحرب واتسعت؟ هل يكون
ترامب "صادقا" في خدمة "السلام" وهو يعلن عزمه على إيقاف الحرب
في أقرب وقت، أم أنه تفاجأ بحجم الرد الإيراني وبحجم ما لحق بالكيان من خسائر؟ وأخيرا:
هل تكون إيران ربحت بتغيّر المزاج العالمي بشكل كبير لصالحها خاصة لدى الشعوب العربية
والإسلامية، بعد أن اتضح بأنها تدفع ثمن انتصارها للقضية الفلسطينية؟ وقد صدرت بيانات
عن أحزاب ومنظمات عربية وإسلامية من اتجاهات مختلفة تعلن إدانتها الشديدة للعدوان وتعبر
عن مساندتها لحق إيران في الدفاع عن نفسها، ولعل أبرز موقف هو ما جاء على لسان الناطق
باسم كتائب القسام أبو عبيدة حين قال: "العدوان الصهيوني على إيران جاء بسبب وقوفها
الى جانب الشعب الفلسطيني ودعمها الكبير لمقاوميه الشرفاء".