لأنّ شراء الأضحية يستوجب شراء الكلأ لإطعامها، وإلى التوابل والبصل لطهيها، وإلى السكاكين لذبحها، ناهيك عن مُستلزمات أخرى؛ كانت الأحياء الشعبية، في قلب المدن
المغربية، تعجّ بالمهن الموسمية، التي كانت تدرّ أرباحا مهمة لمزاوليها. غابت هذه السنة، مع غياب الأضحية.
في جولة بحي يعقوب المنصور، في العاصمة الرباط، رصدت "عربي21" غياب التحضيرات القبلية لعيد الأضحى، التي كانت تخلق أجواء مميّزة واستثنائية، فحُرم معها الشّباب من فرصة ربح موسمي كانوا ينتظرونه على أحرّ من الجمر.
وكانت السلطات المحلّية في المغرب، قد داهمت، خلال الأيام القليلة الماضية، محلاّت تبيع أضحية العيد، بقلب عدّة أحياء شعبية، كما منعت بيع الأضحية في المحلات التجارية الكبرى؛ مشهد وصفه عدّة مغاربة بـ"الغريب والمُبالغ فيه"، فيما اعتبره آخرين: "منطقيا"، عقب القرار الملكي القاضي بعدم ذبح الأضاحي.
مهن موسمية.. ماذا تعرف عنها؟
"كنت أستمتع ببيع أواني الفخار والسكاكين وكافة اللوازم المرتبطة بفترة قبل وبعد العيد" هكذا انطلق أيوب، ذو 26 سنة، في حديثه لـ"عربي21" مبرزا: "مهنتي حلاّق، لكن في مثل هذه الفترة التي تسبق حلول
عيد الأضحى، كنت أترك المحل لزملائي، وأركّز فيما يخص استعدادات العيد؛ هكذا كنت أحقّق شيء من التوازن المادي، لتلبية الحاجيات الأسرية التي لا تنتهي".
من جهته، أوضح إسماعيل، ذو 28 سنة، بالقول: "مهنتي الأساسية نجار، وفي مثل هذه الفترة، من كل سنة، اعتدت على شحذ السكاكين وأدوات النحر، وبيع الأكياس البلاستيكية والفحم، وأيضا توفير خدمة توصيل الخروف إلى البيت، أو فضاءات للاحتفاظ به، قبل العيد؛ وهو ما بات غير ممكن هذه السنة".
وأضاف إسماعيل، في حديثه لـ"عربي21": "في اليوم الأول والثاني من عيد الأضحى، كنت أغيّر الخدمات إلى: تقطيع الأضحية، وكذلك شي رؤوس الأغنام على الخشب".
واستطرد: "لكن تلبية للأوامر الملكية، واحتراما للبيئة، التزمنا هذه السنة بعدم اللّجوء إلى
المهن الموسمية، في المقابل أعمل الآن مع زوجتي في توفير كميات من الحلوى المنزلية لبيعها، المهم دخل إيضافي يجعلنا في راحة مادية، ولو نسبيا".
إلى ذلك، مع حلول الأسبوع الأخير الذي يسبق عيد الأضحى، من كل سنة، كانت الشوارع في كافة المدن المغربية، خاصة الشعبية، تشهد إيقاع مُتسارع في تلبية الشباب لنداء ما بات يُعرف باسم "المهن الموسمية"، بينها: التجارة الجائلة، وترويج الملابس التقليدية، وكافة ما يخص مستلزمات العيد.
كذلك، من بين الأنشطة التي كانت تنتعش قبيل عيد الأضحى، وتراجعت هذه السنة، هي: "باعة جلود الأضحية، ممّن يجوبون الأزقة والشوارع من أجل جمع جلود الأضحية بغرض بيعها للمدابغ، لاستخدامها في صناعة الملابس والأفرشة وغيرها من المنتوجات الجلدية" وذلك بحسب عدد من المتحدّثين لـ"عربي21".
أما بالنسبة إلى المهن غير الموسمية، التي كانت تزدهر أكثر مع حلول الأعياد الدينية، خاصة عيد الأضحى، هي: بيع الورود وبعض النباتات، التي توضع على القبور عند زيارتها؛ وأيضا كل ما يخص ألعاب الأطفال، بما فيها الحلويات التي تجذب العيون.
في السياق ذاته، مُواطنين مغاربة، كُثر، كانوا قد تحدّثوا لـ"عربي21" عن استثنائية استعداداتهم لعيد الأضحى هذا العام، بين من اعترف بشرائه للأضحية قبل أشهر للعيد في قلب مناطق قروية خارج المُدن الكبرى، وبين من اكتفى بشراء اللحم والحرص على الاستعداد النفسي لأجواء العيد رفقة العائلة، دون ذبح، وبين من احتار به الأمر، إثر ما شاهده من تهافت للمغاربة على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي.
اظهار أخبار متعلقة
"ليست بسيطة"
وبحسب عدد من المهتمين بالشأن الاقتصادي، في المغرب، فإنّ هذه المهن التي قد توصف بـ"البسيطة" كانت تشكّل ركيزة هامة لكسب مداخيل مهمّة، كانت تقدّر رقم معاملاتها بـ3 أو 4 مليارات درهم، وذلك على الرغم من اعتبارها تدخل في "جدول اقتصاد الظل"، أي ما يعرف بـ"الاقتصاد غير المهيكل" وغير المدرّ لمداخيل ضريبيّة وغير الحائز على رخص قانونيّة.
وفي السياق ذاته، قال رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية (معارض)، عبد الله بوانو، إنّ: "حكومة أخنوش، هي المسؤولة الأولى عن حرمان المغاربة من أضحية عيد الأضحى المبارك لهذه السنة".
وخلال كلمته في الاجتماع الأسبوعي للمجموعة، الاثنين الماضي، تابع بوانو، بأنّ: "قطاع الفلاحة المعني بتوفير القطيع، وبالتالي توفير الاضاحي، استفاد في عهد حكومة أخنوش مما لا يقل عن 61 مليار درهم، في مختلف الاعتمادات المخصصة للقطاع، بما في ذلك الماشية، سواء في إطار مواجهة آثار الجفاف، أو دعم الاستيراد، أو إلغاء الرسوم الجمركية، دون أن يظهر لذلك أثر على القطيع".
وأوضح بووانو، أنّ: "تدخل الملك من خلال إهابته بالمغاربة بعدم ذبح الأضحية لهذه السنة، هو قرار حكيم، رفع الحرج عن المغاربة، وسيمكن من الحفاظ على القطيع الوطني من الماشية، وإعادة إحيائه"، مبرزا أنّ: "الحقيقة اليوم هي أن السياسات العمومية المطبقة في القطاع الفلاحي، فشلت ويجب محاسبة المسؤولين عنها".
إلى ذلك، بيّن بووانو، أنه: "لو تمّ توزيع الاعتمادات المالية المخصصة للفلاحة وللمواشي، والبالغة أزيد من 61 مليار درهم، على كل أسرة مغربية، لتمّ توفير أضحية بملغ 3000 درهم، دون أن نصل إلى الاعتمادات المرصودة"، فيما انتقد في الوقت ذاته: "عدم اللجوء إلى دعم الكسابة ومربي الماشية بشكل مباشر، عوض دعم عدد معروف من المستوردين، ومنهم من لا علاقة له بالفلاحة والماشية، دون أن يكون لذلك أثر سواء على مستوى القطيع، أو على مستوى أثمنة اللحم في السوق الوطنية".
من جهته، وزير الدولة المغربية السابق المكلف بحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، كان قد أكّد عبر منشور مطول على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أنّ القرار الملكي، أتى: "بعد تفكير ملي، وتردد جلي، واستشارة واسعة".
وأوضح الرميد: "ذلك أنّه يعرف حق المعرفة، أن الأمر يتعلق بشعيرة مستحبة، أصبحت مع مرور الزمان عادة متمكنة مستحكمة، ويعرف أن هذه الدعوة بقدر ما سيتسحسنها الكثيرون، سيقول بشأنها البعض ما سيقولون !!!".
"لكن واجب رفع الحرج عن الناس، ودفع الضرر عنهم، من منطلق ما تقرره الشريعة الغراء، من واجب جلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، امتثالا لقول الله تعالى (وماجعل عليكم في الدين من حرج)، دفعه إلى دعوة شعبه إلى ما دعاه إليه" تابع الوزير المغربي السابق.
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف: "من المعلوم، أن توالي سنوات الجفاف على المغرب، أدّى إلى نقصان كبير في أعداد قطيع الماشية، مما أدى إلى ارتفاع أثمان اللحوم"، مردفا: "من المعلوم أيضا، أن الحكومة فشلت في السنة الماضية في توفير الأضاحي لتخفيف أزمة غلائها، مع كل الدعم المالي الكبير، الذي استفادت منه القلة القلية بدون عائد واضح على أثمانها".
وتابع: "معلوم أنه لو لم يقدم الملك على ما أقدم عليه من الدعوة إلى عدم الإقدام على شعيرة الذبح يوم العيد، لتسابق الناس في شراء الأكباش، ولتفاحشت أثمانها، ولتضرر الفقراء والمساكين، وتقلبوا في مضاجعهم حسرة وألما، خاصة منهم ذووا الأبناء الصغار"، مسترسلا: "من المعلوم أيضا، أن عدد رؤوس الماشية التي تذبح يوم العيد، تتراوح بين خمسة إلى ستة ملايين راسا من الغنم؛ ولنا أن نتصور المستوى الذي كان سيؤول إليه ثمن اللحم بعد عيد الأضحى، وهو الذي كان قد بلغ مائة وخمسين درهما للكيلو الواحد، قبل يوم26 فبراير، تاريخ الرسالة الملكية!!!".