صحافة دولية

المال لا يشتري الوطن.. 3 ملايين سوري يعودون إلى الديار مهما كان الثمن

التحديات الأمنية والاقتصادية أبرز عراقيل عودة اللاجئين- سانا
سلط تقرير لصحيفة "إل باييس" الضوء على العودة الجماعية لأكثر من ثلاثة ملايين لاجئ ونازح سوري إلى ديارهم عقب سقوط نظام الأسد، وذلك رغم الدمار الاقتصادي الواسع، وغياب البنى التحتية، وشح فرص العمل، ما يشكل تحديًا بالغًا أمام جهود إعادة الإعمار وقدرة البلاد على استيعاب العائدين في ظل أوضاع معيشية قاسية.

وقالت الصحيفة، في تقريرها، الذي ترجمته "عربي21"، إن ما يصل إلى 1.2 مليون لاجئ عادوا إلى سوريا خلال العام الأول الحساس من مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية، غالبيتهم من دول الجوار، وعلى رأسها تركيا (42 بالمئة) ولبنان (35 بالمئة) والأردن (18 بالمئة).

كما عاد قرابة مليوني نازح داخلي إلى مناطقهم الأصلية. وبالمقارنة مع نزاعات أخرى، وصفت الصحيفة هذا المعدل بأنه مرتفع للغاية، مشيرة إلى أنه، ورغم ما يحمله من دلالات إيجابية، يفرض تحديًا إضافيًا على بلد يرزح أصلًا تحت أعباء جسيمة، يتمثل في استيعاب هذا العدد الكبير من السكان بموارد محدودة.

وأشارت الصحيفة إلى أن بعض من اضطروا إلى الفرار عادوا برفقة شركاء تعرّفوا إليهم في الخارج، ويقومون اليوم بتعريفهم على الكنوز المعمارية للبلاد.

كما نقلت عن كثيرين روايات تفيد بأن سنوات تقدم قوات الأسد، بدعم من روسيا وإيران وحزب الله، كانت تقضي تدريجيًا على آمالهم في العودة، لتتحول الفكرة إلى مجرد حلم أو وهم يُستحضر حين يُطلق العنان للخيال.

وذكرت الصحيفة أن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة صنّف سوريا ضمن 18 “بؤرة جوع حرجة” على مستوى العالم لعام 2026، نتيجة الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي، جزئيًا بسبب مخلفات القنابل العنقودية، إضافة إلى هشاشة الاقتصاد وتدهور الوضع الأمني، في ظل وجود مناطق خارج سيطرة الحكومة المركزية واندلاع أعمال عنف أسفرت عن مقتل مئات المدنيين.

وفي العام نفسه، يتطلع نحو مليون سوري إضافي إلى العودة إلى البلاد، وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.


وأضافت الصحيفة أن البنك الدولي يقدّر تكلفة إعادة الإعمار بنحو 200 مليار دولار (حوالي 172 مليار يورو)، وهو رقم يرى خبراء أنه أقل من الحجم الحقيقي للخسائر. فقد انكمش الاقتصاد السوري بأكثر من 50 بالمئة، بينما فقدت العملة المحلية 99 بالمئة من قيمتها خلال سنوات الحرب.

ولفتت إلى أن 58 بالمئة فقط من المستشفيات تعمل حاليًا بكامل طاقتها، في وقت تعاني فيه قرى بأكملها من انعدام المياه والكهرباء، فيما تواجه بعض المراكز الطبية صعوبات في الحفاظ على سلاسل تبريد اللقاحات.  

وأوضحت الصحيفة أن حلب، إلى جانب دمشق، تُعد المنطقة التي سجلت أكبر معدلات عودة للاجئين منذ ديسمبر/ كانون الأول 2024. وتقع المدينة على الحدود مع تركيا، وكانت قد خضعت لحصار قوات النظام وحلفائه، الذين بسطوا سيطرتهم عليها تدريجيًا، ما أدى إلى بقاء محافظة إدلب المجاورة المعقل الأخير للمتمردين.

وقالت الصحيفة إنه في عام 2021، الذي شكّل ذروة موجات النزوح عقب سلسلة من انتصارات نظام الأسد، قُدّر عدد السوريين في الخارج بنحو 6.8 ملايين شخص، أي ما يقارب ثلث عدد السكان.

وأوضحت أن أكثر من نصفهم، نحو 3.7 ملايين، كانوا يقيمون في تركيا، فيما توزّع قرابة مليوني لاجئ بين لبنان والأردن والعراق ومصر.

ولفتت إلى أنه قبل سنوات، تعاملت أوروبا مع رقم أقل من ذلك بكثير — يزيد قليلًا على مليون لاجئ — على أنه “غزو” غير قابل للتحمّل، قبل أن تفتح لاحقًا أبوابها أمام ما يصل إلى خمسة أضعاف هذا العدد من الأوكرانيين الفارين من الغزو الروسي.

وأضافت الصحيفة أنه، وبضجيج إعلامي أقل، وشهد الداخل السوري موجة نزوح مماثلة نتيجة النزاع، حيث أُجبر نحو سبعة ملايين شخص آخرين على ترك منازلهم.

وانتهى المطاف بكثير منهم في محافظة إدلب، التي انطلقت منها لاحقًا الهجمات المتمردة بشكل مفاجئ، ما دفع الأسد إلى الفرار بطائرة إلى موسكو من دون مرافقة إخوته أو أبناء عمومته أو حتى أقاربه، بينما طلب من رئيس وزرائه آنذاك، محمد الجلالي، الانتظار حتى اليوم التالي لمناقشة الوضع، وفق ما رواه الأخير.


وأشارت الصحيفة إلى أن الشعور بالأمان يُعد إحدى الركائز الأساسية للحاضر والمستقبل على حد سواء ففي يوليو/تموز الماضي، على سبيل المثال، أدت الاشتباكات في السويداء وتصاعد الهجمات الإسرائيلية في جنوب سوريا إلى تراجع لاجئين في الأردن عن خطط العودة، وهو ما تكرر أيضًا مع اللاجئين الأكراد في إقليم كردستان العراق عند تصاعد التوترات مع الحكومة المركزية في دمشق.

وقالت الصحيفة إن غونزالو فارغاس يوسا، الذي يترأس بعثة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا منذ عام ونصف، عايش عن كثب كامل عملية العودة وقام بتحليلها، محددًا تحديين رئيسيين استنادًا إلى استطلاع أجرته الوكالة شمل أكثر من 30 ألف لاجئ ونازح.

وبيّنت الصحيفة أن التحدي الأول يتمثل في نقص المساكن، إذ وجد نحو 70 بالمئة من العائدين أن منازلهم مدمرة كليًا أو جزئيًا. وشرح فارغاس أن أكثر من نصف هؤلاء انتهى بهم المطاف بالعيش لدى أقارب أو جيران، في حين لجأ القلة ممن يمتلكون بعض الموارد إلى استئجار غرف صغيرة، محذرًا من أن هذا الوضع غير قابل للاستدامة على المدى الطويل، ولا سيما أن معظم تلك الأسر تفتقر إلى مصدر دخل ثابت.  

وأوضحت الصحيفة أن التحدي الثاني، المرتبط بضمان مستقبل كريم للعائدين، يتمثل في ندرة فرص العمل.

وأكد مسؤول المفوضية وجود فجوة زمنية واضحة بين الاحتياجات العاجلة لأكثر من ثلاثة ملايين شخص عادوا إلى البلاد، وبين السنوات التي قد تستغرقها عملية رفع العقوبات الغربية المفروضة على سوريا والتي بدأت في عهد حافظ الأسد وتشددت بسبب فظائع ابنه بشار وصولًا إلى استعادة ثقة الشركات واستعدادها للاستثمار وتوفير فرص العمل.

وختمت الصحيفة بالإشارة إلى أنه في الوقت الراهن، لم يتمكن 70 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع من العثور على عمل، بينما تقتصر فرص العمل المتاحة لمن يحصلون عليها على وظائف مؤقتة، مثل العمل في قطاع البناء.

ولفت فارغاس يوسا إلى أن هذا النوع من العمل قد لا يتجاوز يومًا واحدًا يعقبه انقطاع لأسابيع، ما يدفع في بعض الحالات رب الأسرة إلى البقاء في بلد اللجوء بينما تعود العائلة، أو التنقل ذهابًا وإيابًا، أو حتى محاولة الاستقرار مجددًا في إحدى الدول المجاورة، وهو وضع وصفه بأنه غير قابل للاستمرار.