ملفات وتقارير

رئيس "السلام" يلوح بالحرب.. فنزويلا تفضح تناقض تعهدات ترامب

ترامب وفنزويلا.. وعود السلام تتقاطع مع تحشيد عسكري يثير القلق الدولي - جيتي
يتجه المشهد السياسي والعسكري بين الولايات المتحدة وفنزويلا نحو مرحلة غير مسبوقة من التوتر، بعدما كشفت استطلاعات للرأي ومعطيات ميدانية عن فجوة واسعة بين خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتعهداته السابقة بعدم إدخال بلاده في "حروب جديدة"، وبين تحركاته العسكرية المتسارعة التي توحي باقتراب صدام محتمل مع كاراكاس. 

ويأتي هذا التصعيد في وقت تظهر فيه استطلاعات الرأي أن الشارع الأمريكي لا يرغب بأي مواجهة عسكرية خارجية جديدة، ما يضع واشنطن أمام مفارقة عميقة بين إرادة المجتمع ومسار القيادة السياسية.

فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة "سي بي إس نيوز" بالتعاون مع مؤسسة يوغوف أن 70 في المئة من الأمريكيين يعارضون شن أي عملية عسكرية ضد فنزويلا، فيما يرى 39 في المئة أن كاراكاس لا تشكل أي تهديد على الإطلاق للولايات المتحدة، بينما يعتبر 48 في المئة أنها تمثل تهديدا "طفيفا"، مقابل 13 في المئة فقط يرونها تهديدا "خطيرا". 

وتكشف هذه الأرقام عن مزاج داخلي يرفض المغامرات العسكرية الخارجية، خصوصًا بعد عقدين من حروب الشرق الأوسط التي أثقلت كاهل الرأي العام الأميركي وأجهزته العسكرية.

غير أن هذا المزاج الشعبي لا يبدو حاضرا في قرارات الإدارة الأمريكية اليوم. فقد نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مصادر مطلعة أن ترامب منح وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) تفويضا بتنفيذ عمليات سرية داخل فنزويلا، تشمل التحضير لضربات محتملة ضد أهداف تعتبرها واشنطن مرتبطة بـ"كارتل دي لوس سوليس" الذي تصنفه الإدارة الأمريكية كمنظمة إرهابية. 

وأعلن بالتوازي عن إرسال سفن حربية وغواصات إلى قبالة السواحل الفنزويلية، فيما صرح وزير الحرب الأمريكي بيت هيغسيث أن الجيش الأمريكي "جاهز للعمليات، بما فيها تغيير النظام في فنزويلا".

وفي خطوة أثارت ردود فعل دولية، أعلن ترامب عبر منصته "تروث سوشال" أن "المجال الجوي فوق فنزويلا وما حولها مغلق بالكامل أمام جميع الطائرات وشركات الطيران"، محذرا الطيارين والمتاجرين بالبشر وتجار المخدرات من الاقتراب من المنطقة. 


ومع ذلك، فإن المسار الذي اتخذته الأزمة الفنزويلية يبدو الأكثر تناقضا مع خطاب ترامب. فقد حذرت الكاتبة ميشيل غولدبيرغ في مقال بـ"نيويورك تايمز" من أن الولايات المتحدة تتحرك "بصمت وبلا نقاش عام" نحو مواجهة عسكرية، معتبرة أن إدارة ترامب قد تكون وقعت في "فخ التهديدات"، بحيث بات التراجع عنها يبدو أصعب من الدخول في الحرب نفسها. 


ورغم إيمانها بأن هناك فرصة لعقد صفقة بين ترامب ومادورو قد تنزع فتيل الأزمة، فإن محللين آخرين ــ كفيل غونسون من "مجموعة الأزمات الدولية" ــ يرون أن واشنطن "ذهبت بعيدا جدا" في تهديداتها لدرجة تجعل الانسحاب من المشهد دون استخدام القوة أمرا شبه مستحيل.

وفي الوقت الذي يوسع فيه ترامب دائرة التصعيد ضد فنزويلا بذريعة مكافحة المخدرات والإرهاب، يذكره منتقدوه بالنقطة الأكثر إثارة للسخرية في خطابه: أنه يهدد بالحرب ضد رئيس فنزويلي يتهمه بالإتجار بالمخدرات، بينما يستعد لإصدار عفو عن رئيس هندوراس السابق المحكوم في الولايات المتحدة بـ45 عاما بتهم تتعلق بالكوكايين. 

هذا التناقض يعكس بحسب مراقبين أن ميزان قرارات ترامب الخارجية لا يتعلق بالقانون الدولي أو محاربة المخدرات، بل بـ"مدى رضا ترامب عن القادة الأجانب"، وبمصالحه السياسية المباشرة.

وفي ظل هذا المشهد المتشابك، تبدو الولايات المتحدة على مفترق طرق٬ إما أن تنجح في تجنب مواجهة عسكرية جديدة في محيطها الجيوسياسي المباشر، أو أن تتحول تصريحات ترامب إلى شرارة حرب جديدة ستقوض سردية "رئيس السلام" التي بنى عليها جزءا كبيرا من وعوده السياسية.