ملفات وتقارير

جدل في ألمانيا بعد الدعوة لترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم

وفقا لوزارة الداخلية الألمانية فقد غادر 1867 شخصا إلى سوريا بتمويل من الحكومة الاتحادية حتى نهاية آب/أغسطس الماضي- وكالة سانا
بعد ساعات من دعوة المستشار الألماني فريدلايش ميرتس إلى استئناف عمليات ترحيل اللاجئين إلى سوريا في أسرع وقت ممكن، أعلن الرئيس الألماني فرانك - فالتر شتاينماير معارضته فكرة إعادتهم لعدم توفر البنية التحتية لاستقبالهم.

وخلال زيارته الحالية لدولة غانا، أعرب الرئيس شتاينماير عن رفضه إعادة اللاجئين السوريين في ألمانيا على الفور إلى وطنهم المدمر،  قائلا: " من يقف أمام أنقاض حرب، ويبدي خوفه، ويسأل نفسه بصوت عال، أيمكن السكن وسط هذا الدمار؟ فإن من حق هذا الخوف أن يمنح فسحة من الوقت".


الكرة في ملعب الحكومة
شتاينماير دعا الحكومة للبت في ذلك، قائلا: "فيما يتعلق بالنتائج السياسية المترتبة على ذلك، فيجب أن يتم البت في ذلك داخل الحكومة الاتحادية، وأنا على يقين بأنها ستبت في ذلك"، وأشار الرئيس شتاينماير إلى أنه كان  زار مرارا مناطق أزمات وكوارث خلال سنوات عمله وزيرا للخارجية، مضيفا:" أنا أعرف هذا الوضع"، في إشارة إلى الدمار الكبير الذي لحق بسوريا، وهو دمار شديد في بعض المناطق.

وكان المستشار الألماني فريدريش ميرتس، قد دعا إلى إعادة لاجئين سوريين إلى بلادهم، وإلى ترحيلهم إذا لزم الأمر، على اعتبار أنّ "الحرب الأهلية في سوريا انتهت"، وقال ميرتس: "لم يعد هناك أي سبب لطلب اللجوء في ألمانيا"، معتبرا أنّه بات بالإمكان البدء بعمليات إعادة السوريين إلى بلادهم، وأضاف إنه: "لم يعد هناك أي مبرر" للسوريين الذين فروا من الحرب التي دامت 13 عاما لطلب اللجوء في ألمانيا، وأن الذين يرفضون العودة إلى بلدهم، يمكننا ترحيلهم بالطبع".


"سوريا أسوأ من ألمانيا 1945"
وتسبب الخلاف حول خطط استئناف عمليات الترحيل إلى سوريا في صراع علني بين وزارتي الداخلية والخارجية الألمانيتين، حيث جاءت تصريحات المستشار ميرتس، على وقع الضجة التي أثارها وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول داخل التحالف المسيحي المحافظ بسبب تصريحاته حول الوضع في سوريا حيث، قال إن: "سوريا تبدو أسوأ مما كانت عليه ألمانيا عام 1945"، بحسب مصادر، ونقلت شبكة دويتشه فيله للأنباء عن مشاركين في اجتماع لكتلة التحالف المسيحي في البرلمان (البوندستاغ)، قولهم إن أحد النواب وصف ظهور فاديفول في الاجتماع بأنه "سيئ" و"كارثي"، مشيرا إلى تراجع الدعم له داخل الكتلة البرلمانية.


وكان فاديفول أثار استياء داخل صفوف  التحالف المسيحي، المنتمي إليه المستشار  فريدريش ميرتس، الأسبوع الماضي أيضا، عندما شكك خلال زيارته لمنطقة مدمرة بشدة في ضواحي  دمشق  في إمكانية عودة عدد كبير من اللاجئين السوريين طوعا إلى هناك في ظل حجم الدمار الكبير، وقال حينها: "هنا لا يكاد يستطيع أحد حقا أن يعيش حياة كريمة"، وأكد أن عودة اللاجئين السوريين في الظروف الحالية "ممكنة في حالات محدودة للغاية فقط"، نظرا لأن معظم البنية التحتية في البلاد قد دمرت.


واتُّهم فاديفول سابقاً بتبني مواقف أكثر صرامة في محاولة لاحتواء صعود حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرف، لكن تحوّله الظاهري في الموقف استدعى انتقادات من زملائه في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذين رأوا فيه تثبيطاً لعودة "من سيُعتمد عليهم في إعادة بناء بلادهم".


اتهام بالنأي عن النهج "المتطرف"
وقد فسر بعض أعضاء الكتلة البرلمانية للتحالف المسيحي تصريحات فاديفول على أنها نأي عن نهج التحالف الذي يدعم ترحيل الجناة السوريين إلى موطنهم بأسرع وقت ممكن، وتشجيع العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى سوريا.

في المقابل، تؤكد وزارة الداخلية أنه يمكن تهيئة الظروف لعودة اللاجئين، حيث أكد متحدث باسم الوزارة أن برلين تجري مفاوضات مع دمشق على اتفاقية تسمح بإجراء عمليات الترحيل، وأن الوكالة الاتحادية للهجرة واللاجئين استأنفت بالفعل دراسة طلبات السوريين، وخاصة الرجال الشباب القادرين على العمل الذين وصلوا بدون عائلاتهم.

وفي نفس السياق، كان المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا ستيفان شنيك قد أعلن في نيسان/أبريل الماضي، أن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين بدأ منذ 13 كانون الثاني/يناير تقديم دعم مالي لتحفيز اللاجئين السوريين على المغادرة الطوعية إلى بلادهم.

ونفى الأمين العام للحزب المسيحي الديمقراطي، كارستن لينيمان، وجود خلاف داخل التحالف المسيحي المحافظ (الذي يضم الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري)،  وقال في تصريحات لقناة "إيه آر آدي" إن "هذا صراع وهمي"، مؤكدا أن دوبرينت وفاديفول يتفقان في الرأي، وتابع "نقوم بالترحيل. يجب علينا بالطبع ترحيل مرتكبي الجرائم".

وكذلك، وصف المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفان كورنيليوس، في تصريحات لصحيفة "بيلد"، هذه المسألة بأنها "صراع وهمي"، موضحا أن الحكومة تعمل على تحقيق استقرار سريع في سوريا لتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين، وقال إن "الاستقرار والعودة وجهان لعملة واحدة"، وإن الحكومة ترى "بلا شك أن مرتكبي الجرائم الخطيرة يجب أن يرحلوا، حسبما أكد وزير الخارجية بوضوح في دمشق".

الترحيل يهدّد آلاف المندمجين
وكانت وزارة الداخلية الألمانية،  قد قررت مؤخرا ألا تسمح بما يعرف بـ"رحلات الاستطلاع" للاجئين السوريين، وهو ما يعني أن من يسافر إلى سوريا يخاطر بفقدان وضع الحماية الذي يتمتع به، وكانت الحكومة الألمانية السابقة قد فكرت في السماح بهذه الرحلات بهدف التحضير لعودة محتملة، ويأتي هذا الإجراء مع إعلان الحكومة الألمانية أنها تعمل على التوصل إلى اتفاق مع نظيرتها السورية لتسريع وتيرة الترحيل، مما أثار انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان في البلاد.

وبحسب بيانات وزارة الداخلية، يعيش حاليا حوالي 975 ألف سوري في ألمانيا، معظمهم وصلوا بعد عام 2015 بسبب الحرب الأهلية السورية. أكثر من 300 ألف منهم لديهم وضع حماية فرعية، حيث تم قبولهم ليس بسبب الاضطهاد الفردي ولكن بسبب الحرب الأهلية في وطنهم. وقرر المكتب الاتحادي للهجرة مؤخرا، بسبب التطورات الديناميكية في سوريا، تعليق اتخاذ قرارات بشأن طلبات اللجوء لمواطني سوريا بشكل مؤقت.

 7,000 طبيب سوري في المانيا
وبحسب صحيفة "الغارديان"، نادراً ما يرغب السياسيون في التطرق إلى الأثر الذي قد تخلّفه عمليات الترحيل في ألمانيا نفسها. فمئات الآلاف من السوريين نجحوا في الاندماج، تعلّموا اللغة الألمانية وانضموا إلى سوق العمل، التي تعاني نقصاً حاداً في العمالة في وقتٍ يشهد فيه المجتمع الألماني شيخوخةً سريعةً في تركيبته السكانية.

يعمل في القطاع الصحي أكثر من 7,000 طبيب سوري، غالبيتهم في مناطق ريفية عانت عقوداً من شحّ الخدمات الطبية، ومن بين نحو 1.3 مليون سوري يقيمون في ألمانيا، حصل عددٌ كبير على الجنسية، ووُلد ما يقارب ربعهم في البلاد، ومع ذلك، لا يزال معظمهم يحملون تصاريح إقامة.

الدعم الدولي غير كافٍ لتسهيل عودة السوريين
قالت عسير المضاعين نائبة رئيس بعثة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا، إن هناك دعما دوليا لسوريا، لكنه غير كافٍ لتلبية احتياجات اللاجئين والمجتمع المحليـ وأوضحت المضاعين أن عودة اللاجئين ستكون صعبة في بعض المناطق المتضررة جراء النزاع، نظرا للدمار الكبير ونقص الخدمات الأساسية، كاشفة أن العودة تتركز في المدن الكبرى مثل دمشق وريفها وحلب وحمص وحماة ودرعا.

وأشارت إلى أن هناك إطار عمل إقليميا لدعم عودة اللاجئين السوريين الراغبين في العودة، بما يضمن سلامتهم واستقرارهم في مناطقهم الأصلية، مؤكدة أن المفوضية لا تشجع على العودة الطوعية للاجئين السوريين، بل تعمل على تسهيلها للراغبين، وشددت المسؤولة الأممية على أن "الأعباء والتحديات الميدانية الكبيرة تحول دون إطلاق أي برنامج لتشجيع العودة"، كما أن "العائق الأكبر أمام المفوضية هو غياب الخدمات الأساسية للعائدين".