نشرت صحيفة "
الغارديان" البريطانية، مقالا، للأستاذة ورئيسة الصحة العامة في جامعة أدنبرة، ديفي سريدهار، تقول فيه إنّ: "ما ندخله إلى أجسامنا إما أن يُغذينا أو يُسبب لنا الأمراض. مع أخذ ذلك في الاعتبار، فقد كتبت سريدها مؤخرا عن دور استهلاك الغذاء من حيث خطر الإصابة بسرطان القولون. ولكن ماذا عن إنتاج الغذاء؟".
وأشارت الباحثة في الصحة العامة إلى أننا نشهد في جميع أنحاء العالم ارتفاعا في أسعار اللحوم الرخيصة: مدفوعا بشكل كبير بطلب الطبقة المتوسطة الصاعدة التي أصبحت أخيرا قادرة على شراء لحوم البقر ولحم الخنزير والدجاج، والتي كانت في السابق بعيدة المنال نظرا لتكلفتها.
وتابعت عبر التقرير نفسه الذي ترجمته "عربي21" أنّه: "يحدث ما يقرب من 45% من نمو الاستهلاك العالمي في البلدان ذات الدخل المتوسط- العالي، بما في ذلك الصين والهند والبرازيل وإندونيسيا والفلبين. من المتوقع أن تستحوذ الدواجن على حصة متزايدة من هذا النمو (من المتوقع أن تنمو بنسبة 21% بحلول عام 2034)، نظرا لرخص ثمنها نسبيا، وقبولها الواسع، وحاجتها لموارد أقل للكيلوغرام الواحد مقارنة بلحوم البقر أو الخنزير".
وأكّد: "وبحلول عام 2034، من المتوقع أن توفر الدواجن 45% من البروتين المستهلك من جميع مصادر اللحوم. وتؤكد أن هذا مكلف. فمع محدودية الأراضي وضغط الوقت الشديد"، مشيرا إلى أنّ: "الحل في العديد من البلدان كان استخدام
المضادات الحيوية على نطاق واسع".
وأورد: "هذا ليس لعلاج الأمراض فحسب، بل أيضا للوقاية منها في البيئات المزدحمة. كما أن إعطاء المضادات الحيوية يُسرّع نمو الماشية، على الرغم من أن العلماء غير متأكدين تماما من سبب ذلك. كل هذا يعني أنه على عكس استخدامها للبشر -حيث تُعطى المضادات الحيوية دائما تقريبا لعلاج الأمراض- فإن استخدامها في الزراعة أكثر انتشارا وعشوائية".
وفي السياق نفسه، تابعت الدراسات التي تتتبع استخدامها إلى أن 73% من جميع مضادات الميكروبات المباعة عالميا تُستخدم في الحيوانات التي تُربى للغذاء. وتوضح أن هذا الإفراط الهائل في الاستخدام يؤدي إلى زيادة مسببات الأمراض المقاومة للمضادات الحيوية.
على سبيل المثال، تطورت مقاومة الكولستين، وهو "مضاد حيوي أخير"، لأول مرة في بكتيريا الإشريكية القولونية التي أصابت الخنازير لاحقا. ثمّ وُجدت لاحقا لدى مُربي الخنازير. لا يتطلب انتشار هذه المُسببات المرضية عالميا سوى طائرات وشبكات سفر عالمية. والآن، تم تحديد البكتيريا المقاومة للكولستين ليس فقط في مستشفيات الصين، بل في جميع أنحاء العالم.
وتطرح السؤال: "ماذا يعني هذا لشخص يجلس في عيادة طبيب عام أو مستشفى في إنجلترا أو اسكتلندا؟" وتجيب قائلة إن هذا يعني أن العدوى التي كانت قابلة للعلاج بسهولة في السابق (فكر في التهابات الأذن أو التهابات المسالك البولية أو التهابات ما بعد الجراحة) تصبح غير قابلة للعلاج حتى بعد جرعة من المضادات الحيوية.
وأردفت: "هذا يعني أن
العمليات الجراحية مثل العمليات القيصرية واستبدال مفصل الورك وعلاجات السرطان التي تعتمد على تثبيط المناعة تصبح جميعها أكثر خطورة. وبينما من الممكن من الناحية التقنية تطوير مضادات حيوية جديدة، فإن خط الأنابيب بطيء ومكلف. علينا الحفاظ على الترسانة التي لدينا"، مشددا أنّ: "حلول هذه المشكلة لا يمكن أن تأتي إلا من تغيير الإنتاج الغذائي العالمي. ولكي نكون منصفين، فقد أحرزت المملكة المتحدة تقدما كبيرا في الحد من المضادات الحيوية في المزارع".
إلى ذلك، انخفضت مبيعات المضادات الحيوية للحيوانات التي يتم تربيتها للغذاء بنسبة 59% منذ عام 2014. وأصبح استخدام الكولستين الآن صفرا فعليا. وانخفض استخدام المضادات الحيوية ذات الأهمية الحاسمة إلى أقل من 0.5% من إجمالي مبيعات المضادات الحيوية الحيوانية.
أيضا، أشارت أبحاث أجرتها عدة هيئات تابعة للاتحاد الأوروبي إلى أنه بعد انخفاض استخدام المضادات الحيوية في الزراعة بنحو النصف بين عامي 2014 و2021، بدأت مقاومة المضادات الحيوية لدى الإشريكية القولونية في جميع أنحاء الاتحاد بالتراجع أيضا.
وقالت: "لكن التركيز على المملكة المتحدة أو الاتحاد الأوروبي وحده لا يُمثل سوى قطرة في بحر. ما لم تكن البلدان الكبيرة متوسطة الدخل جزءا من النقاش الدائر حول كيفية إنتاج اللحوم، فإننا سنظل عُرضة لمقاومة المضادات الحيوية بنفس القدر".
وأكد: "حيث يكمن التحدي في أن التحول نحو ممارسات إنتاج مختلفة يتطلب مساحة ووقتا أكبر: فزيادة تكلفة اللحوم في البلدان ذات الكثافة السكانية العالية يمكن أن تُؤدي بسرعة إلى اضطرابات اجتماعية وردود فعل سياسية عنيفة وإحباط. إن الضرورة الصحية واضحة، ولكن يجب موازنة ذلك بالمخاوف بشأن الأمن الغذائي والاقتصاد والطلب العام".
و
تشير إلى أنه لطالما حذر علماء المناخ من التكاليف البيئية لنظام الغذاء العالمي الحالي، سواء كانت انبعاثات غاز الميثان أو فقدان التنوع البيولوجي أو إزالة الغابات. لكن هذه الآثار غالبا ما تبدو طويلة الأجل ومجردة، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من ضغوط تكلفة المعيشة أو القلقين بشأن الوصول الفوري إلى الرعاية الصحية.
وتبين أن مقاومة المضادات الحيوية ملموسة. فقد تناول الجميع تقريبا المضادات الحيوية في مرحلة ما، ويمكننا تخيل ما سيحدث إذا توقف مفعولها فجأة في علاج العدوى. إنتاج الغذاء والصحة والمناخ كلها عوامل مترابطة. تؤثر طريقة إنتاج لحم الخنزير في الصين على فعالية المضادات الحيوية التي يتناولها الطفل في إدنبرة.
وأبرز: "يرتبط نجاة امرأة في لاغوس من عملية قيصرية بكيفية تربية الدجاج في البرازيل"، فيما خلصت الدراسة إلى أنه: "ما لم نواجه هذه التحديات العالمية الشاملة، مثل كيفية إنتاج غذائنا وكيفية استخدامنا لأدويتنا الحالية، فإننا نخاطر بفقدان شيء ثمين: القدرة على علاج العدوى التي نعتبرها اليوم أمرا مسلما به".