ملفات وتقارير

خطاب ترامب في الكنيست: جولة انتصار وتناغم مع نتنياهو نحو التطبيع؟

تحدث نتنياهو بنفس تصريحات ترامب حول انتهاء الحرب رغم إعلانه السبقة بنية العودة إليها- جيتي
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "انتهاء الكابوس الطويل، ليس فقط للإسرائيليين بل للفلسطينيين أيضًا"، في إشارة إلى حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة، التي استمرت لأكثر من عامين، وتم خلالها تقديم العديد من المقترحات لإنهائها سواء من قبل إدارته أو إدارة سلفه جو بايدن.

ورغم أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن قبل خطاب ترامب في الكنيست أن الحرب في غزة لم تُستكمل بعد، إلا أنه عاد وتحدث بنفس تصريحات ترامب حول انتهاء الحرب التي تعرضت لانتقادات دولية واسعة خلال الشهور الماضية.

وتأتي هذه التصريحات بعد خطط عدة أعلن هو نفسه عنها، تضمنت السيطرة الأمريكية عليها وتهجير سكانها وتحويلها إلى "ريفيرا" الشرق الأوسط، وهو ما تمسكت به "إسرائيل" لفترات طويلة وأطلقت عمليات عسكرية واسعة بهدف السيطرة الشاملة على القطاع واحتلاله.

تناغم ترامب - نتنياهو
أكدت مجلة "فورين بوليسي" أن ما كان متناغمًا في الكنيست الإسرائيلي هو الرسائل التي وجّهها نتنياهو وترامب، فبعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أعلن نتنياهو يوم الاثنين: "لقد فعلت إسرائيل ما كان عليها فعله"، قائلًا إن ذلك "ملخّص بليغ لحربٍ دامت عامين سوّت معظم غزة بالأرض، ودفعت مئات الآلاف إلى الفرار، وأودت بحياة ما لا يقل عن 67 ألف فلسطيني.. واستخدم ترامب الكلمات نفسها في وصف جهوده في مجال السلام وقوة الجيش الأمريكي: علينا أن نفعل ما علينا فعله".

وأضاف ترامب: "أمريكا تنضم إليكم في هذين العهدين الأبديين: لن ننسى أبدًا، ولن ننسَ أبدًا". وأوضح أنه يتوقع من نتنياهو الالتزام بوقف إطلاق النار، وأثناء توجهه إلى "إسرائيل"، صرّح للصحفيين على متن طائرة الرئاسة الأمريكية أن "الحرب انتهت".

وأوضحت المجلة أنه "رغم أن القوات الإسرائيلية لن تنسحب إلا جزئيًا من قطاع غزة كجزء من خطة ترامب للسلام، فإن تجدد الأعمال العدائية في هذه المرحلة سيكون صفعة مباشرة في وجه رئيس وصفه نتنياهو بأنه أعظم صديق حظيت به دولة إسرائيل في البيت الأبيض".

واعتبرت أن "هول هذا اليوم وطبيعته التاريخية، سواء في قاعدة رعيم العسكرية حيث أُعيد الرهائن (الأسرى الإسرائيليون) إلى ديارهم لأول مرة برعاية الصليب الأحمر الدولي، أو الاستقبال الحافل الذي حظي به ترامب في مطار بن غوريون، لا يُمحى من الذاكرة. وما لا يُمحى أيضًا هو الطابع العدواني لتصريحات نتنياهو أمام الكنيست، التي وصف فيها معركة بين الحضارة والهمجية؛ ووصف ترامب لاحقًا محاوريه في المفاوضات بالوحوش".

وأضافت: "في خطابه المطوّل كعادته، أشاد ترامب بفريقه التفاوضي، بمن فيهم ستيف ويتكوف، بالإضافة إلى الجنرال دان كاين، رئيس هيئة الأركان المشتركة، لكنه وجد أيضًا وقتًا للخوض في السياسة الإسرائيلية بعنف. طلب من الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ العفو عن نتنياهو، المتهم بتهم فساد وسوء تصرف، والذي قد لا تصمد حكومته حتى الانتخابات المقررة خريف العام المقبل".

وأشارت إلى أنه "مع ذلك، لم يكن حضور ترامب مُرضيًا لجميع الحاضرين. فبينما كان الرئيس الأمريكي يتحدث، هتف عضوان في الكنيست - أيمن عودة، وعوفر كاسيف - احتجاجًا ورفعا لافتات كُتب عليها "اعترفوا بفلسطين" قبل أن يُزيلهما الأمن بسرعة. بصرف النظر عن مسرحية زيارة ترامب لإسرائيل، سيبدأ العمل الشاق في وقت لاحق من يوم الاثنين في قمة شرم الشيخ المصرية، التي سيحضرها ترامب مع أكثر من 20 من قادة العالم، بمن فيهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس؛ إلا أن نتنياهو لن يحضر. ولن يحضر قادة إيران أيضًا الذين دعتهم مصر".

وقالت المجلة إن "على جدول الأعمال أسئلة ملحّة للغاية حول اتفاق السلام هذا: كيفية نزع سلاح حماس، حيث بدأت الجماعة المسلحة بالفعل في استعادة السيطرة على المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي؛ كيفية بناء هيكل حكم فعّال لقطاع غزة مصمم لاستبعاد التشكيل الوحيد الذي فاز في الانتخابات هناك؛ وكيفية بدء العملية الشاقة والمكلفة لإعادة بناء مكان معظمه ركام وخراب".

وأوضحت أنه في الوقت الحالي، ترامب في جولة انتصاره، وكما قال نتنياهو أثناء ترشيحه ترامب لجائزة "إسرائيل"، وهي أرفع جائزة إسرائيلية، إنه "ربما لم يفز بالجائزة الأخرى"، في إشارة إلى جائزة نوبل للسلام. وختمت المجلة بالقول: "لكن قد يأتي ذلك اليوم. ربما".

لماذا الآن؟
طرح تحليل لصحيفة "نيويورك تايمز" تساؤلات حول توقيت خطاب ترامب، وأن الأهم هو "هل كان من الممكن إبرام هذه الصفقة في وقت أبكر بكثير، عندما كان من المحتمل وجود المزيد من الأسرى على قيد الحياة، وقبل مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين؟".

وقال التحليل: "قد يتجادل المؤرخون لسنوات حول ما إذا كان من الممكن أن تنتهي الحرب بين إسرائيل وحماس قبل عام من هذا الأسبوع، عندما عثرت القوات الإسرائيلية على يحيى السنوار، زعيم حماس ومهندس 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وقتلته، أو، بدلًا من ذلك، ما إذا كانت إسرائيل وحماس قد أضاعتا فرصة للبناء على وقف إطلاق النار الذي أبقاه الرئيس جو بايدن ومساعدوه قائمًا قبل تولي ترامب السلطة. ورغم أن مبعوث ترامب ستيف ويتكوف كان مشاركًا في اتفاق كانون الثاني/ يناير، إلا أنه لم يصمد، وفي بداية ولاية ترامب استؤنفت الحرب، جالبةً معها المزيد من الموت والمعاناة".

وذكر أن "الجدل حول كيفية إنهاء الحروب في وقت أبكر، وإنقاذ آلاف أو ملايين الأرواح، ليس بالأمر الجديد. لا يزال المؤرخون يتجادلون حول ما إذا كانت اليابان ستستسلم على أي حال لو قرر الرئيس هاري إس. ترومان عدم إلقاء قنبلتين ذريتين، وما إذا كان الرئيس ريتشارد نيكسون قد انتظر سنوات طويلة للخروج من فيتنام. وطالب كل من بايدن وترامب بخروج مبكر من أفغانستان".

وأضاف أنه "عندما استعاد ترامب الرئاسة، وكانت إدارة بايدن مصممة على التوصل إلى وقف لإطلاق النار بحلول كانون الثاني/ يناير 2025 قبل مغادرتها السلطة، ووضعت خطة سلام، كان معظمها مشابهًا إلى حد كبير لـ"خطة العشرين نقطة" التي أصدرها ترامب مؤخرًا، كان التقدم بطيئًا: فقد تم إطلاق سراح أكثر من 130 أسيرًا إسرائيليًا بحلول الوقت الذي تم فيه وقف إطلاق النار في مطلع العام".

واعتبر أن "من المعروف أن ترامب لا يملك الكثير من الوقت أو الصبر للدبلوماسية التقليدية. إذا كان نهج وزارة الخارجية الأمريكية تجاه وقف إطلاق النار ومفاوضات السلام يتمثل في العمل الدؤوب على الخرائط والعمل عبر القنوات الدبلوماسية، وتحديد الحدود، وتوقّع الثغرات، فإن ترامب يتفاوض بالطريقة التي أبرم بها صفقات العقارات في نيويورك: بالمفاهيم العامة، تاركًا التفاصيل للآخرين".

اليوم التالي والتطبيع
في خطابه أمام الكنيست قال ترامب: "اليوم السماء هادئة، والمدافع صامتة، وصفارات الإنذار ساكنة. وتشرق الشمس على أرض مقدسة تنعم أخيرًا بالسلام". وأشاد بوقف إطلاق النار باعتباره أكثر من مجرد هدنة مؤقتة، واصفًا إياه بأنه "فجر تاريخي لشرق أوسط جديد".

وجاء في تقرير أعدته هيئة تحرير صحيفة "واشنطن بوست" أنه في منطقة لم تحقق فيها الولايات المتحدة نجاحًا دبلوماسيًا يُذكر في العقود الأخيرة، يمكن للرئيس أن يزعم بصدق أنه حقق إنجازًا جيليًا. وفي الوقت نفسه، يمثل هذا إنجازًا يُمثل المرحلة الأولى من عملية شاقة.

وذكر التقرير أن "نجاح هذا الفصل في تحقيق سلام دائم يعتمد على استمرار مشاركة ترامب الشخصية ودور أمريكا كضامن رئيسي لاتفاق السلام. سيترأس ترامب "مجلس السلام" الجديد، ويلعب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير دورًا محوريًا فيه. سيتولى المجلس إعادة إعمار غزة والإشراف على انتقال السلطة إلى حكومة جديدة في القطاع. ويتم نشر حوالي 200 جندي أمريكي في قاعدة جوية جنوب إسرائيل، بمساعدة قوات من مصر وقطر وتركيا والإمارات".

وأضاف: "هذا ليس خاليًا من المخاطر. فعندما نشر الرئيس رونالد ريغان قوات مشاة البحرية للإشراف على إجلاء المقاتلين الفلسطينيين من بيروت عام 1983، أسفر تفجير انتحاري عن مقتل 241 جنديًا أمريكيًا. ويؤكد مسؤولو إدارة ترامب للأمريكيين أنه لن يكون هناك أي وجود عسكري بري في غزة".

وأكد: "هناك تساؤلات أخرى عالقة حول نزع سلاح حماس وضمان عدم اضطلاعها بدور مستقبلي في حكم غزة. أجبرت مصر وقطر وتركيا الحركة على قبول الاتفاق من خلال التهديد بقطع علاقاتها مع قادتها المتبقين. وقد يشن عناصر حماس الذين لا يلتزمون بالاتفاق هجومًا انتحاريًا ويطلقون مقذوفات على إسرائيل أو ضد القوات الأمريكية".

وأشارت إلى أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يحتاج إلى الدعوة إلى انتخابات في وقت ما من العام المقبل، وقد تساءل الكثيرون عما إذا كان سيتمكن من الحفاظ على تماسك ائتلافه الهش بعد توقف القتال.

ومازح ترامب خلال خطابه في الكنيست قائلًا إن "نتنياهو ليس من السهل العمل معه، لكن هذا ما يجعله بارعًا في عمله".

وقال التقرير إنه "لعقود من الزمن، كان من المسلّم به أن الحل الوحيد هو دولتان تتعايشان بسلام جنبًا إلى جنب. ولكن بعد عامين من إراقة الدماء، يبدو احتمال قيام دولة فلسطينية أبعد من أي وقت مضى، والهدف الأكثر واقعية هو توسيع اتفاقيات أبراهام".

وتوسط ترامب، ممثلًا بصهره جاريد كوشنر، في تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" والإمارات والبحرين والسودان والمغرب عام 2020. وكان أحد أسباب شنّ حماس هجمات 7 أكتوبر هو منع انضمام دول إسلامية أخرى، بما في ذلك السعودية. وصرّح ترامب يوم الاثنين بأن أفضل طريقة لإتمام المهمة "بعد سحق حماس هي حثّ المزيد من الدول العربية على الانضمام إلى الاتفاقيات".