حذّرت منظمة "
أطباء بلا حدود" من "فظائع جماعية مستمرة" في ولاية شمال دارفور
السودانية، داعيةً أطراف النزاع إلى وقف أعمال العنف العشوائي والاستهداف القائم
على أساس عرقي، والعمل على تسهيل إطلاق استجابة إنسانية واسعة النطاق دون تأخير.
وأعربت، في تقرير لها
صدر الخميس وتلقت "عربي21" نسخةً منه، عن بالغ قلقها إزاء التهديدات بشنّ
هجوم شامل على مئات الآلاف من الأشخاص في عاصمة الولاية،
الفاشر، ما قد يؤدي إلى مزيد
من سفك الدماء، مؤكدةً أن المدنيين يدفعون الثمن الأكبر مع اشتداد حدة النزاع في المنطقة
منذ أيار/ مايو 2024.
وسلّط التقرير، الذي
حمل عنوان "محاصَرون وجوعى تحت وطأة الهجمات: فظائع جماعية في الفاشر وزمزم بالسودان"،
الضوء على ما وصفه بالوضع القاتم الذي يعيشه المدنيون في الفاشر ومحيطها، والذي أكد
أنه يستدعي تحركا واستجابة فورية.
وأضاف: "استنادا
إلى بيانات أطباء بلا حدود والشهادات المباشرة من فرقها، إلى جانب أكثر من 80 مقابلة
أُجريت بين أيار/ مايو 2024 وأيار/ مايو 2025 مع مرضى ونازحين من مدينة الفاشر ومخيم
زمزم القريب منها، يكشف التقرير عن أنماط ممنهجة من أعمال العنف تشمل النهب وعمليات
القتل الجماعي والعنف الجنسي والاختطاف والتجويع، إلى جانب الهجمات التي تستهدف الأسواق
والمرافق الصحية والبُنى التحتية المدنية الأخرى".
وأوضح التقرير كيف
شنّت قوات
الدعم السريع وحلفاؤها "هجوما بريا واسع النطاق في نيسان/ أبريل
الماضي على مخيم زمزم الواقع خارج مدينة الفاشر، ما أدّى إلى فرار نحو 400 ألف شخص
في أقل من ثلاثة أسابيع وسط ظروف مروعة. وقد لجأ جزء كبير من سكان المخيم إلى داخل
مدينة الفاشر، حيث وجدوا أنفسهم محاصرين، من دون إمكانية الوصول إلى المساعدات الإنسانية،
ومعرّضين لهجمات جديدة وأعمال عنف جماعي أخرى".
واستطرد قائلا:
"في المقابل، تمكّن عشرات الآلاف من الفرار إلى منطقة طويلة، الواقعة على بُعد
نحو 60 كيلومترا، أو إلى مخيمات في تشاد على الجانب الآخر من الحدود، حيث قدّمت فرق
أطباء بلا حدود الرعاية لمئات الناجين من أعمال العنف".
وقد أفاد عدد من الشهود
بأن جنود قوات الدعم السريع تحدثوا عن نواياهم بـ "تطهير الفاشر" من سكانها
غير العرب. ومنذ أيار/ مايو 2024، فرضت قوات الدعم السريع وحلفاؤها حصارا على مدينة
الفاشر ومخيم زمزم والمناطق المحيطة بهما، ما أدى إلى انقطاع الغذاء والمياه والرعاية
الطبية عن السكان وأسهم في تفاقم المجاعة وشلّ الاستجابة الإنسانية.
وفي ظل الهجمات المتكررة
على المرافق الصحية، أُجبرت "أطباء بلا حدود" على وقف أنشطتها الطبية في
مدينة الفاشر في آب/ أغسطس 2024 وفي مخيم زمزم في شباط/ فبراير 2025. ففي شهر أيار/
مايو 2024 وحده، تعرّضت المرافق الصحية التي كانت تدعمها المنظمة في الفاشر لما لا
يقل عن سبعة حوادث قصف أو تفجيرات أو إطلاق نيران من مختلف أطراف النزاع، وفق
التقرير.
وقال التقرير إن "الغارات
الجوية العشوائية التي نفّذها
الجيش السوداني كان لها عواقب مدمّرة"، منوهة
إلى أنه "نظرا لمستوى العنف المروّع على طرق المغادرة من الفاشر ومخيم زمزم، وجد
الكثيرون أنفسهم عالقين أو مضطرين إلى المجازفة بحياتهم من أجل الفرار".
تطهير عرقي
من جهته، قال مدير
شؤون الطوارئ في أطباء بلا حدود، ميشيل أوليفييه لاشاريتيه: "لا يُحتجز الناس
وسط اشتباكات عنيفة وعشوائية بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني وحلفائهما فقط،
وإنّما يتعرّضون لاستهداف مباشر من قوات الدعم السريع وحلفائها، لا سيما على خلفية
انتمائهم العرقي".
بدورها، أضافت مستشارة
الشؤون الإنسانية في منظمة أطباء بلا حدود، ماتيلد سيمون: "بينما يروي لنا المرضى
والمجتمعات قصصهم ويطلبون منا أن نتحدث علانية في ظل تغييب معاناتهم عن الأجندة الدولية،
شعرنا بأن من واجبنا توثيق هذا النمط المتواصل من العنف الذي يُشنّ بلا هوادة، مدمّرا
حياة عدد لا يُحصى من الناس وسط لامبالاة وتقاعس استمرّا طوال العام الماضي".
وتابعت سيمون:
"في ضوء الفظائع الجماعية ذات الدوافع العرقية التي ارتُكبت بحق قبيلة المساليت
بغرب دارفور في حزيران/ يونيو 2023، والمجازر التي شهدها مخيم زمزم في شمال دارفور،
نخشى تكرار هذا السيناريو في مدينة الفاشر"، مشدّدة على أنه "لا بد من وضع
حدّ لهذا العنف الضاري".
ودعت منظمة أطباء بلا
حدود أطراف النزاع إلى "تجنيب المدنيين ويلات الحرب واحترام التزاماتهم بموجب
القانون الدولي الإنساني".
وحثّت قوات الدعم السريع
وحلفاءها على وقف العنف العرقي ضد المجتمعات غير العربية بشكل فوري، ورفع الحصار المفروض
على مدينة الفاشر، وضمان تأمين ممرات آمنة للمدنيين الفارين من أعمال العنف.
وأردفت: "يجب
ضمان تمكّن الوكالات الإنسانية من الوصول إلى الفاشر والمناطق المحيطة بها بشكل آمن
وغير مقيّد لتقديم المساعدات العاجلة والضرورية".
وناشدت الجهات الفاعلة
الدولية، بما في ذلك مؤسسات الأمم المتحدة والدول الأعضاء، والدول التي تقدّم الدعم
لأطراف النزاع، بـ "التحرّك عاجلا وممارسة الضغوط اللازمة لمنع وقوع المزيد من
أعمال العنف الجماعي، وتمكين إيصال المساعدات الطارئة إلى المنطقة".
ولفتت "أطباء
بلا حدود"، إلى أن "الإعلانات الأخيرة أحادية الجانب بشأن وقف محتمل لإطلاق
النار على المستوى المحلي لا تزال مجرّد أقوال لم تُترجم إلى أي تغييرات ملموسة على
أرض الواقع، والوقت يوشك أن ينفد".