يعتزم النائب المستقل وزعيم
حزب العمال
السابق جيريمي
كوربين المضي قدمًا في مشروع إطلاق حزب يساري جديد، يجمع عددًا من
النواب المستقلين الذين خرجوا من عباءة "العمال" بسبب مواقفهم من قضايا
اجتماعية وخارجية، أبرزها غزة والعدالة الاجتماعية.
ويأتي هذا التوجه في ظل استقطاب سياسي
متزايد تشهده
بريطانيا، مع تحوّل حزب العمال نحو الوسط، وصعود حزب
"الإصلاح" اليميني الذي يتموضع إلى يمين "المحافظين"، ما يعيد
خلط أوراق القوى السياسية ويفتح الباب أمام خيارات جديدة في المشهد المعارض.
وأعلنت النائبة البريطانية زارا سلطانة، عن
انسحابها رسميًا من حزب العمال، معلنة انضمامها إلى تحالف المستقلين بقيادة النائب
السابق عن الحزب، جيريمي كوربين، في خطوة أثارت جدلًا داخل الدوائر اليسارية في
بريطانيا، وألقت بظلالها على مستقبل التحالف وخياراته السياسية والتنظيمية في
المرحلة المقبلة.
وفي بيان نشرته مساء أمس الخميس، قالت
سلطانة، النائبة عن دائرة كوفنتري ساوث، إنها ستشارك في "قيادة تأسيس حزب
جديد"، ووصفت البرلمان البريطاني بأنه "مكسور"، متهمة الحزبين
الكبيرين، العمال والمحافظين، بأنهما "يقدّمان وعودًا كاذبة وإدارة مكرّرة
للتدهور".
سلطانة، البالغة من العمر 31 عامًا، كانت قد
فُصلت من حزب العمال وسُحب منها التمثيل الحزبي (الـWhip) العام الماضي
بسبب تصويتها ضد استمرار العمل بـ"حد الاستحقاق لطفلين" في نظام
الإعانات الاجتماعية، ما شكل خرقًا لسياسة الحزب الرسمية، وقالت حينها إنها
"ستفعل ذلك مجددًا".
ورغم أن تحالف المستقلين ـ الذي يضم خمسة
نواب مستقلين انتُخبوا بعد مواقف معارضة لسياسة حزب العمال تجاه غزة ـ كان يناقش
بشكل غير معلن إمكانية تحويل التحالف إلى حزب سياسي منظم، فإن إعلان سلطانة جاء
مفاجئًا حتى لبعض أعضاء التحالف، ووصِف من مصادر مطّلعة بـ"المتعجل وربما
المربك".
وبحسب صحيفة "الغارديان"، فإن
كوربين لم يمنح موافقة رسمية حتى الآن على تشكيل حزب جديد أو تحديد قيادة له، إذ
يفضل الحفاظ على نهج تشاركي غير هرمي. وتشير مصادر قريبة منه إلى أن الإعلان
المبكر عن قيادة أو هيكل تنظيمي قد يهدد تماسك التحالف الهش.
وفي المقابل، أكدت سلطانة أن الخطوة تأتي
استجابة "لحاجة ملحة لبديل سياسي يساري حقيقي"، داعية الجمهور للانضمام
إلى هذا المشروع الذي وصفته بأنه "من أجل العدالة الاجتماعية ومناهضة الحرب
ودعم الفقراء".
تحالف كوربين يضم حاليًا أربعة نواب آخرين:
شوكت آدم (ليستر ساوث)، أيوب خان (برمنغهام بيري بار)، عدنان حسين (بلاكبيرن)،
وإقبال محمد (ديوسبري وباتلي)، ويتساوى في العدد مع نواب حزب "ريفرم يو
كي" و"الحزب الوحدوي الديمقراطي"، ويتفوق على حزب الخضر
و"بلايد كامري".
وكان كوربين، الذي يقود التحالف منذ عام
تقريبًا بعد فصله من حزب العمال في أعقاب تقرير معاداة السامية، قد لمح سابقًا إلى
أن المشروع الجديد سيركز على "مكافحة الفقر، وتقليص التفاوت، وصياغة
سياسة
خارجية قائمة على السلام"، دون أن يؤكد ما إذا كان سيدير الحزب الجديد بنفسه.
ويأتي هذا التطور في وقت تتزايد فيه الضغوط
على زعيم حزب العمال، كير ستارمر، الذي يسعى لإعادة تموضع الحزب في الوسط السياسي
البريطاني، ما يثير تساؤلات حول قدرة الحزب الجديد المحتمل على تجزئة القاعدة
اليسارية، وتأثيره على نتائج الانتخابات المقبلة.
في الأوساط اليسارية البريطانية، يُنظر إلى
هذا التحول باعتباره نقطة انعطاف جديدة في المشهد السياسي المعارض، خاصة في ظل
تصاعد القضايا المتعلقة بفلسطين، وتقليص الدعم الاجتماعي، واحتدام النقاشات حول
هوية اليسار البريطاني بعد تجربة كوربين القيادية بين 2015 و2020.
ويُنظر إلى هذا التحرك من سلطانة وتحالف
كوربين كخطوة استراتيجية تهدف إلى ملء الفراغ الذي خلّفه انزياح حزب العمال نحو
الوسط السياسي، وفي الوقت نفسه لمواجهة صعود حزب "الإصلاح" اليميني،
الذي يتموضع على يمين حزب المحافظين ويكسب زخماً متزايداً بخطابه الشعبوي تجاه
قضايا الهجرة والهوية والسيادة. ويرى مراقبون أن إعادة تشكيل اليسار بهذا الشكل قد
تُعيد التوازن إلى المشهد السياسي البريطاني، في ظل احتدام الاستقطاب وتآكل الثقة
بالأحزاب التقليدية.