في غضون أيام
قليلة من الحرب، قتل
الاحتلال الإسرائيلي أكثر من عشرة من كبار العلماء النوويين
الإيرانيين، واستهدفت جزءًا كبيرًا من القيادة العسكرية العليا في طهران، وهاجمت
منشآت حيوية في برنامجها النووي.
وأكدت الصحفية
إيما غراهام-هاريسون، في تقرير موسع نشرته
صحيفة "الغارديان"
البريطانية، أن التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران، والذي شمل اغتيالات
واستهداف مواقع استراتيجية، لم ينجح في تدمير البرنامج النووي الإيراني، بل قد
يدفع طهران إلى تسريع خطواتها نحو إنتاج سلاح نووي.
وأشارت
غراهام-هاريسون إلى أن إسرائيل، خلال أيام قليلة من القصف، قتلت أكثر من عشرة من
كبار العلماء النوويين الإيرانيين، واستهدفت قيادات بارزة في الجيش الإيراني، كما
أصابت أجزاء مهمة من البنية التحتية لبرنامج طهران النووي، ومع ذلك، اتفق قادة
عسكريون إسرائيليون وخبراء في منع الانتشار النووي على أن الأضرار لم تكن
"حاسمة"، نظرًا لطبيعة البرنامج الإيراني المنتشر جغرافيًا والمحمي بشدة.
وأضافت الصحفية
أن الهجمات، بدلًا من كبح الطموحات النووية الإيرانية، قد تؤدي إلى نتائج عكسية،
فإيران، التي كانت وفق الاستخبارات الأمريكية على بعد ثلاث سنوات من امتلاك قدرة
تسليحية نووية، قد تتجه الآن لتسريع برنامجها، خاصة في حال انتهاء الحرب دون اتفاق
شامل أو تدمير تام لمنشآتها.
ونقلت عن مسؤول
عسكري إسرائيلي قوله إن الضربات أخّرت فقط "الاختراق النووي" الإيراني
لعدة أشهر، وهو ما اعتبرته "تأخيرًا محدودًا" في ظل التقديرات الأمريكية
بأن إيران لم تكن تسعى فعليًا لصنع قنبلة نووية قبل التصعيد.
وفي المقابل،
يواصل رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تبرير الهجمات باعتبار أن
إيران كانت "على وشك امتلاك سلاح نووي". لكن الصحفية أوضحت أن تلك
الضربات لن توفر لإسرائيل وقتًا كافيًا أو تفوقًا استراتيجيًا دائمًا دون مشاركة
أمريكية.
وأكدت
غراهام-هاريسون أن الخسائر البشرية الكبيرة داخل إيران، ومنها مقتل عشرات الأطفال،
أجّجت الغضب الشعبي، حتى بين الإيرانيين غير المتعاطفين مع النظام، فيما أعادت
الأوامر الإسرائيلية بإخلاء أحياء مدنية مشاهد "رعب غزة" إلى الأذهان.
وأوضحت أن
إيران، التي طالما كان شعبها منقسمًا بشأن كلفة البرنامج النووي، بات أكثر تقبلاً
لفكرة امتلاك سلاح نووي، خاصة بعد ما وصفته بـ"الانكشاف الإقليمي" وسقوط
وكلاء إيران في المنطقة.
ونقلت عن سيما
شاين، الرئيسة السابقة لوحدة الأبحاث في "الموساد"، قولها إنها لم تر من
قبل هذا الكم من الحديث في إيران عن "القدرة النووية العسكرية" خلال عام
ونصف. وأضافت أن طهران ربما تتخلى عن قرارها السابق بعدم إنتاج قنبلة.
كما أوردت
الصحفية رأيًا لمسؤول عسكري غربي، أكد أن الهجمات الإسرائيلية، رغم تبريرها كضربات
استباقية، قد تحفز إيران أكثر على التسليح النووي، مضيفًا: "إذا بقي لديهم
القدرة بعد هذا، فسيسرعون نحو القنبلة".
ولفتت
غراهام-هاريسون إلى أن منشأة "فوردو"، الواقعة قرب مدينة قم والمحصنة
تحت الجبال، تظل العقبة الأكبر أمام أي هجوم عسكري شامل، حيث لا تصل إليها إلا
القنابل الأمريكية الأشد تدميرًا.
وفي ذروة
الاحتفاء الإسرائيلي بالضربات، حذّر مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي من أن الجيش
الإسرائيلي "لا يستطيع تفكيك البرنامج النووي الإيراني وحده"، مشيرًا
إلى أن الخيار الواقعي هو اتفاق طويل الأمد برعاية أمريكية.
وتابعت الصحفية
أن نتنياهو لا يخفي تفضيله للتدخل العسكري الأمريكي على الحلول الدبلوماسية، بل
إنه يحاول التأثير على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتخلي عن توجهه المناهض
للحرب، حيث قال في مقابلة: "أنا أفهم أمريكا أولاً، لكن لا أفهم أمريكا ميتة".
واختتمت
غراهام-هاريسون تقريرها بالقول إن نتنياهو يحلم ليس فقط بالقضاء على البرنامج
النووي الإيراني، بل أيضًا بتغيير النظام في طهران، إلا أن قصف الأحياء المدنية
يُضعف من تأثير دعواته للشعب الإيراني. ونقلت عن فالي نصر، أستاذ العلاقات الدولية
في جامعة جونز هوبكنز، قوله: "نحن نُقلل من التأثير النفسي لحرب غزة، حتى على
الإيرانيين الكارهين لحكومتهم".