جاءت معركة "طوفان الأقصى" بوصفها
لحظة فاصلة في تاريخ القضية
الفلسطينية، إذ فرضت واقعاً جديداً على مجمل البيئة
السياسية في فلسطين، وجعلت من مستقبل
السلطة الفلسطينية سؤالاً مفتوحاً على
احتمالات متعددة، بعضها وجودي.
في هذا السياق، نشر مركز الزيتونة للدراسات
والاستشارات تقديراً استراتيجياً مهماً، أعدّه الباحثان الغزيّان وائل عبد الحميد
المبحوح وربيع أمين أبو حطب، يتناول مستقبل السلطة الفلسطينية في ضوء تداعيات هذه
المعركة التاريخية، ويستقرأ خمسة سيناريوهات رئيسية قد ترسم ملامح المرحلة المقبلة.
السيناريو الأول: استمرار الوضع الراهن
(الجمود والانقسام)
يرجّح هذا السيناريو بقاء السلطة الفلسطينية
بشكلها الحالي في الضفة الغربية، مع بقاء حركة حماس على إدارة غزة، ما يعني
استمرار الانقسام السياسي والجغرافي، في ظل عجز النظام السياسي الفلسطيني عن
التجدد أو الإصلاح.
فرص التحقق: عالية على المدى القريب، لكنها
مهددة بانفجارات داخلية وتغيرات خارجية تجعلها هشة وغير مستدامة.
السيناريو الثاني: عودة السلطة إلى غزة بعد
الحرب
ينطوي على إعادة هيمنة السلطة الفلسطينية
(برئاسة رام الله) على قطاع غزة، كما كان الحال قبل انتخابات 2006، ما يعني إنهاء
حكم حماس لغزة، سواء بترتيب دولي أو بضغط إقليمي.
فرص التحقق: منخفضة، ما لم تحدث صفقة شاملة
تنص على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني بإجماع وطني، وهو ما لا تتيحه المعادلات
الحالية.
السيناريو الثالث: تفكيك السلطة وعودة
الاحتلال المباشر
يناقش احتمال قيام الاحتلال الإسرائيلي بحل
السلطة الفلسطينية، وإعادة السيطرة المباشرة على الضفة الغربية وربما غزة، ضمن
مشروع ضمّ واسع، مترافق مع تهجير قسري وتغيير ديموغرافي.
تضع معركة "طوفان الأقصى" الفلسطينيين أمام لحظة الحقيقة: فإما الانخراط في مشروع وطني جامع يعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني على أساس الشراكة والمقاومة، أو الانزلاق إلى مشاريع التصفية والتفكيك التي تخدم الاحتلال. وبين هذه وتلك، يبقى قرار الفلسطينيين أنفسهم هو الحاسم في تحديد السيناريو الذي سيغدو واقعاً.
فرص التحقق: تتصاعد في ظل حكومة إسرائيلية
يمينية متطرفة، لكنها تصطدم بمعيقات دولية وميدانية، كما أنها قد تشعل انتفاضة
فلسطينية شاملة.
السيناريو الرابع: إلحاق غزة بمصر والضفة
بالأردن
يقوم هذا السيناريو على فكرة تصفية القضية
الفلسطينية من خلال فصل الجغرافيا وتوزيعها: غزة تُلحق إدارياً أو أمنياً بمصر،
والضفة تُربط بالأردن، في إعادة تدوير لمشاريع قديمة.
فرص التحقق: ضعيفة حالياً، لكنها مطروحة في
كواليس بعض المفاوضات وتزداد في ظل العجز عن بلورة مشروع فلسطيني موحد.
السيناريو الخامس: إصلاح شامل أو بناء نظام
سياسي جديد
يتضمن هذا السيناريو إمّا إصلاح السلطة
الفلسطينية الحالية عبر دمج كل الفصائل في نظام ديمقراطي تشاركي، أو إنشاء نظام
سياسي فلسطيني جديد برعاية إقليمية ودولية، دون إقصاء، يقود مرحلة ما بعد الحرب.
فرص التحقق: متوسطة، وتزداد في حال تشكّلت
جبهة فلسطينية موحدة تدير معركتي الحرب والسياسة معاً، وتفرض حضورها كقوة شرعية
أمام المجتمع الدولي.
العوامل المرجّحة أو المعيقة للسيناريوهات
يستعرض التقدير مجموعة من المحددات الجوهرية
التي تعزز أو تُضعف فرص تحقق هذه السيناريوهات، أبرزها:
ـ قدرة حركة حماس على التكيّف مع الوقائع
السياسية والإنسانية في غزة، واستمرار حضورها المقاوم والسياسي.
ـ موقف الحاضنة الشعبية في غزة تجاه
المقاومة بعد المجازر والتدمير والتهديد بالتهجير.
ـ التدخل الدولي في إنهاء الحرب وفرض تسوية
سياسية أو إنسانية.
ـ الوضع الداخلي في إسرائيل وتماسك الحكومة
اليمينية، ومدى ضغط المعارضة والشارع الإسرائيلي.
ـ مدى استعداد السلطة الفلسطينية للإصلاح
الحقيقي ومواجهة واقعها المأزوم.
ـ تطورات الجبهة الشمالية (حزب الله) وسقوط
نظام الأسد أو تغير أولويات النظام السوري.
التوصيات: نحو جبهة وطنية لمواجهة المرحلة
أوصى التقدير الاستراتيجي بعدد من الخطوات
السياسية الملحة، أبرزها:
ـ اعتبار مستقبل غزة والضفة شأناً فلسطينياً
خالصاً، ورفض أي مشاريع خارجية لتفتيت الجغرافيا أو الهوية.
ـ تشكيل جبهة وطنية موحدة تقود عمليات الحرب
والتهدئة على قاعدة التشاركية ورفض الإقصاء.
ـ تعزيز ثقافة المواطنة والمشاركة السياسية
في صفوف الحركات والفصائل.
ـ رفض تجريم المقاومة بكل أشكالها، ودعمها
سياسياً وشعبياً.
التحرك نحو تجريم الاحتلال دولياً ومعاقبته
على جرائمه في غزة، والسعي لوقف الحرب والتهجير.
تضع معركة "طوفان الأقصى"
الفلسطينيين أمام لحظة الحقيقة: فإما الانخراط في مشروع وطني جامع يعيد بناء
النظام السياسي الفلسطيني على أساس الشراكة والمقاومة، أو الانزلاق إلى مشاريع
التصفية والتفكيك التي تخدم الاحتلال. وبين هذه وتلك، يبقى قرار الفلسطينيين
أنفسهم هو الحاسم في تحديد السيناريو الذي سيغدو واقعاً.