سياسة تركية

تركيا تعلن عودة ربع مليون سوري إلى بلادهم طوعا

الضغوط الداخلية تتزايد على الحكومة التركية بشأن عودة اللاجئين السوريين - جيتي
أعلن نائب الرئيس التركي جودت يلماز، الجمعة، أن أكثر من 273 ألف لاجئ سوري عادوا إلى بلادهم من تركيا بشكل طوعي خلال الأشهر الستة الأخيرة، مؤكدًا أن هذه الأرقام مرشحة للارتفاع مع اقتراب فصل الصيف وتحسن الأوضاع الميدانية في شمال سوريا.

وجاء تصريح يلماز خلال افتتاح المبنى الرئيسي المخصص لدعم العودة الطوعية في ولاية غازي عنتاب، جنوبي تركيا، ضمن مشروع مشترك تشرف عليه بلدية غازي عنتاب بالتعاون مع إدارة الهجرة والهلال الأحمر التركي وعدد من منظمات المجتمع المدني.

ويعد هذا المشروع أحد أبرز مظاهر التحول العملي في سياسة الحكومة التركية تجاه اللاجئين السوريين، والرامي إلى تشجيع العودة الطوعية، بعد سنوات من الاستضافة الطويلة والضغوط السياسية والاقتصادية المتزايدة.



وأكد نائب الرئيس أن تركيا، شعبًا وحكومة، "قدمت امتحانًا يليق بتاريخها وحضارتها"، في إشارة إلى استضافتها ملايين السوريين الهاربين من الحرب منذ العام 2011.

وقال إن الحكومة التركية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان واجهت خلال السنوات الماضية حملات من "المعلومات المضللة والاستفزازات" حيال الوجود السوري، لكنها ظلت متمسكة بموقف إنساني راسخ، رغم ما وصفه "بثمن سياسي باهظ" قد دُفع أحيانًا في هذا الملف.


وأشار يلماز إلى أن تسارع وتيرة العودة الطوعية بدأ تحديدًا بعد 8 كانون الأول / ديسمبر 2024، حين بدأت مبادرات العودة تكتسب طابعًا منظمًا ومؤسسيًا أكثر وضوحًا، بالتزامن مع تحسين الأوضاع الأمنية في مناطق الشمال السوري المدعومة من أنقرة.

كما ساهمت المشاريع السكنية والبنية التحتية التي تشرف عليها تركيا، عبر منظمات الإغاثة والجهات المحلية، في توفير بيئة تشجع اللاجئين على العودة، لا سيما في مناطق مثل الباب وجرابلس وعفرين وتل أبيض ورأس العين.

وأضاف المسؤول التركي أن عدد العائدين منذ ذلك التاريخ تجاوز 273 ألفًا، متوقعًا أن يرتفع هذا الرقم في الصيف بسبب انتهاء العام الدراسي وبدء العطلة، حيث تسعى العديد من الأسر السورية المقيمة في تركيا إلى العودة لمناطق باتت أكثر استقرارًا نسبيًا، خصوصًا بعد حصولهم على وعود بإعادة تأهيل المدارس، والمراكز الصحية، وتأمين الخدمات الأساسية.

وفي سياق حديثه عن مستقبل سوريا، أشار يلماز إلى أن بلاده ترى أن عهدًا جديدًا قد بدأ، بعد تراجع هيمنة نظام الأسد على المشهد السوري، معتبرًا أن سوريا "التي ظلت إمكاناتها معطلة لسنوات طويلة، مرشحة لأن تنمو بسرعة في حال استقرار الأوضاع السياسية والأمنية فيها". كما شدد على أن أنقرة تدعم وحدة الأراضي السورية واستقلالها، وتتطلع إلى "حل سياسي يشمل جميع الأطياف، ويعيد بناء مؤسسات الدولة السورية تحت مظلة جامعة".

ورغم أن التصريحات الرسمية ما تزال تؤكد على طوعية العودة، إلا أن هذا التوجه يأتي في ظل تزايد الضغوط الداخلية على الحكومة التركية، خاصة بعد الانتخابات البلدية الأخيرة التي شهدت فوز المعارضة في عدد من المدن الكبرى، وتَحوُّل ملف اللاجئين إلى ورقة سياسية بارزة في الخطاب العام، وسبق أن تعهد أردوغان العام الماضي بتوسيع مشاريع "العودة الكريمة" إلى سوريا، بالتعاون مع قطر وعدد من المنظمات الإغاثية.

كما تأتي هذه التصريحات في وقت تجري فيه مباحثات غير معلنة حول إمكانية إعادة تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، برعاية روسية وبتنسيق مع طهران، في إطار مشروع إقليمي لإعادة رسم خريطة النفوذ في سوريا بعد سنوات من النزاع، وهو ما قد يفتح الباب أمام ترتيبات أوسع بشأن مستقبل اللاجئين.

وبينما تتزايد الأحاديث الرسمية في تركيا عن أهمية عودة السوريين بشكل طوعي وآمن، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى استدامة هذه العودة، في ظل هشاشة الوضع الأمني في مناطق شمال سوريا، وغياب أي تسوية سياسية شاملة. كما يبقى مصير من لا تتوفر لهم شروط العودة، ومن هم معرضون للاعتقال أو التجنيد الإجباري، واحدًا من أكثر الملفات حساسية في هذا السياق..