ملفات وتقارير

هل خدعت واشنطن طهران وشغلتها بالتفاوض لحين تنفيذ الاحتلال هجومه؟

إدارة ترامب لا تزال متمسكة بالتفاوض مع طهران - جيتي
تزامن الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران فجر الجمعة مع الحديث عن تحديد موعد استكمال مفاوضات الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت واشنطن شاركت في عملية تمويه ضد طهران واشغالها بالمباحثات بينهما لينفذ الاحتلال هجومه بأريحية.

حيث جاءت هذه الهجمة العسكرية الإسرائيلية على طهران بعد أقل من يوم واحد من حديث وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي، عن تحديد موعد الجولة السادسة من مفاوضات واشنطن وطهران حول البرنامج النووي.

وقال البوسعيدي في منشور له على منصة إكس، "يسعدني أن أؤكد أن الجولة السادسة من المحادثات الإيرانية الأمريكية ستعقد في مسقط يوم الأحد الموافق 15 حزيران".


بالمقابل قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمذيع "فوكس نيوز" بريت باير، الثلاثاء، "إيران تتصرف بشكل مختلف تمامًا في المفاوضات عما كانت عليه قبل أيام قليلة، أكثر تشددًا، إنه أمر مُفاجئ بالنسبة لي! إنه أمر مُخيب للآمال، لكننا مُستعدون للقاء مرة أخرى غدًا - سنرى".


ونقلت شبكة سي إن إن عن مسؤول في البيت الأبيض قوله إن الجولة القادمة من المحادثات النووية الأمريكية الإيرانية ستُعقد إما في أوسلو بالنرويج، الجمعة أو في مسقط بسلطنة عُمان، الأحد.

كذلك قال ترامب في منشور له على منصته تروث سوشيال بعد الهجوم الإسرائيلي، "لقد منحت إيران فرصة تلو الأخرى لإبرام صفقة، قلت لهم، بأقوى العبارات، "افعلوا ذلك فحسب"، لكن مهما حاولوا، ومهما اقتربوا، لم يتمكنوا من ذلك".

وتابع، "قلت لهم إن الأمر سيكون أسوأ بكثير مما يعرفونه أو يتوقعونه أو يُقال لهم، وأن الولايات المتحدة تُصنّع أفضل وأخطر المعدات العسكرية في العالم، بلا منازع، وأن إسرائيل تمتلك الكثير منها، وسيأتي المزيد - وهم يعرفون كيف يستخدمونها".

وأردف ترامب، "تحدث بعض المتشددين الإيرانيين بشجاعة، لكنهم لم يكونوا يعلمون ما سيحدث، لقد ماتوا جميعًا الآن، وسيزداد الأمر سوءًا! لقد شهدنا بالفعل موتًا ودمارًا هائلين، ولكن لا يزال هناك وقت لوضع حدٍّ لهذه المذبحة، مع توقع هجماتٍ أخرى أكثر وحشيةً وتخطيطًا.

وأكد أنه على إيران أن تُبرم صفقةً قبل أن يندثر كل شيء، وأن تُنقذ ما كان يُعرف سابقًا بالإمبراطورية الإيرانية. لا مزيد من الموت، لا مزيد من الدمار، فقط افعلوا ذلك، قبل فوات الأوان".



رغبة جادة بالاتفاق
حديث ترامب عن قوة أمريكا وإسرائيل وفي ذات الوقت قوله أن هناك فرصة لاستكمال المحادثات، يدفع للتساؤل هل فعلا واشنطن تريد الاتفاق مع إيران أم أنها خدعتها؟

نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق للشرق ‏الأوسط مايكل مولروي، يعتقد "أن إدارة ترامب كانت ترغب في اتفاق جديد، ولم تكن ترغب في أن تشن إسرائيل هذه الضربات في الوقت الحالي، أما الآن، فقد تلاشت فرص التوصل إلى اتفاق بشكل كبير".

وحول ما إذا كانت واشنطن قد شاركت في الهجوم الإسرائيلي أو مؤيدة له وهل ستتدخل مستقبلا، قال مولروي لـ"عربي21"، "صرح وزير الخارجية روبيو صراحةً "بأن الولايات المتحدة لم تتورط في الأمر"، وبرأيي إذا استمرت إيران في مهاجمة الولايات المتحدة، فإنها ستختار خوض الحرب معها ومع إسرائيل في نفس الوقت".وتوقع أن يبقى الحال كما هو، مضيفا، "لا يمكن لإيران امتلاك سلاح نووي".

الباحث في الشؤون الأمريكية والشرق أوسطية، جو معكرون، يرى أن إدارة ترامب لم تخدع إيران وأن الأمور كانت واضحة في كلام الإدارة الأمريكية.

وتابع معكرون في حديث خاص لـ"عربي21"، "العملية الإسرائيلية اليوم هي موازية للتفاوض وترامب كان واضحا مع النظام الإيراني بأن وقت التوصل إلى اتفاق نووي محدود وإلا الضربة العسكرية الإسرائيلية ممكنة".

وأوضح أن "انشغال النظام الإيراني بالتفاوض لا يعني عدم التأهب الدائم لأي عملية إسرائيلية أو أميركية، لكن هذا يدل مرة أخرى على حجم الاختراق الإسرائيلي داخل إيران".

وأكد معكرون أن إدارة ترامب لا تزال متمسكة بالتفاوض مع طهران وتأمل أن العملية الإسرائيلية تساعد في الضغط بهذا الاتجاه، لكن قد يكون هناك نتيجة معاكسة مع تصلب الموقف الإيراني".

وحول احتمالية مشاركة واشنطن عسكريا إلى جانب الاحتلال في حال توسعت المواجهة العسكرية بين طهران وتل أبيب، قال معكرون، "ليس لدى إدارة ترامب حاليا أي رغبة أو نية للانخراط العسكري في حال حصلت أي مواجهة إيرانية إسرائيلية مباشرة".


ديفيد ميدنيكوف، أستاذ مشارك في دراسات الشرق الأوسط والسياسات العامة، جامعة ماساتشوستس، قال، "يبدو أن إدارة ترامب لم تتوقع هجومًا إسرائيليًا على إيران، فاالرئيس ترامب كان يمضي قدمًا بجدية في المفاوضات مع إيران".

وتابع ميدنيكوف في حديث خاص لـ"عربي21"، "لكن يبدو أن الضربة الإسرائيلية قد حُددت إما لوقف هذه المفاوضات - تمامًا كما كان هجوم حماس في 7 أكتوبر مُصممًا لعرقلة التحركات الإسرائيلية والسعودية نحو التطبيع - أو لتحقيق أقصى استفادة قبل التوصل إلى اتفاق أمريكي مع طهران".

وأضاف، "على أية حال، لا أرى منطقًا واضحًا في أن الولايات المتحدة كانت طرفًا في خطط إسرائيل أو دفعت بها قدمًا، الرئيس ترامب وجماعته ليسوا من أصحاب العقول المدبرة الاستراتيجية، ويبدو أن ترامب نفسه نفد صبره إزاء الحرب الدائرة في الشرق الأوسط، بما في ذلك الحرب التي تقودها إسرائيل".

وحول احتمالية دخول واشنطن لهذه المعركة، قال ميدنيكوف، "إذا هاجمت إيران أهدافًا أمريكية، فسترد واشنطن، وستنخفض احتمالات تحسن العلاقات بين البلدين على المدى المتوسط، بخلاف ذلك، أعتقد أن الحكومة الأمريكية ستسعى إلى تقليص حدة الصراع، ولكن بطريقة غير متسقة".

وتابع، "يبدو أن أولويات الإدارة الأمريكية في الوقت الراهن تتمثل في زيادة عمليات الترحيل، وتهديد الجامعات، وترهيب الاحتجاجات المناهضة للحكومة هنا في البلاد، والصراعات العسكرية الإسرائيلية تُشكّل مصدر إلهاء مزعج".

ويعتقد الخبير الأمريكي أن "ترامب لكونه يعتبر نفسه صانع صفقات سيواصل الضغط من أجل التوصل إلى تسوية دبلوماسية مع إيران بمجرد أن تُصبح مستعدة للعودة إلى طاولة المفاوضات، حتى لو أغضب ذلك المسؤولين الإسرائيليين".

أستاذ العلوم السياسية توماس فايس، قال، "بصفتي مُعلّقًا سياسيًا دوليًا ومواطنًا أمريكيًا مهتمًا، يُمكنني قول بعض الأشياء، أولًا، لا يُفاجئني أي شيء تفعله هذه الإدارة".

وتابع فايس في حديث خاص لـ"عربي21"، "ثانيا، الرئيس ترامب وفريقه مُضطربون، وسواءً كانت المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني خدعة أم لا - لا أستطيع الجزم –، لكن مجرد السؤال عن ذلك هو دليل على اختلال السياسة الخارجية الأمريكية".

وانتقد تصريحات وزير الخارجية الأمريكية ماركو روبيو الذي اعتبر فيها الهجوم الإسرائيلي دفاعا عن النفس، وقال، "هل الدفاع عن النفس استباقي؟! لكن بشكل عام بعد هذه الضربة أصبح الآن أي تقارب سعودي مع إسرائيل بعيد المنال".

مشاركة أمريكية!
الكاتب والمحلل السياسي اللبناني قاسم قصير، "يرى أن الهجوم الإسرائيلي لم يحصل لولا أن هناك موافقة أمريكية عليه، خاصة أننا لاحظنا أن الإدارة الأمريكية عمدت قبل 24 ساعة من الهجوم إلى تحذير مواطنيها من أي رد إيراني أو من حصول تطورات في المنطقة".

وتابع قصير في حديث خاص لـ"عربي21"، "من الواضح أن الإدارة الأمريكية كانت على علم بالهجوم الإسرائيلي، وربما قدمت له الدعم اللوجستي والمعلوماتي سواء بهدف الضغط على إيران أو لأن طهران رفضت الشروط الأمريكية فيما يخص الملف النووي".

ويرى أن "الهجوم إسرائيلي أمريكي، وحتى لو لم تشارك الطائرات أو المؤسسات الأمريكية مباشرة بالهجوم، فإن مجرد الموافقة عليه ودعمه يعني أن هناك مشاركة أمريكية".

وأوضح قصير، "بالطبع أمريكا اعلنت على لسان رئيسها ومسؤوليها بأنها ستدافع عن الكيان الصهيوني بحال قامت إيران بالرد عليه، نحن أمام معركة كبيرة جدا في المنطقة وأمريكا جزء منها بهدف منع حصول إيران على الطاقة النووية".

وأكد أنه "لا أحد يستطيع أن يحدد طبيعة المواجهة في المرحلة المُقبلة بانتظار الرد الإيراني، وحجمه وما مدى تأثيره على الكيان الصهيوني هو الذي سيحدد طبيعة المواجهة المحتملة في المرحلة القادمة".

وعن احتمالية دخول لبنان لهذه الحرب قال قصير، "الوضع في لبنان جزء من الأوضاع في المنطقة، لكن هل سيشمل العدوان الإسرائيلي لبنان وبالتالي تتدخل الجبهة اللبنانية؟ لا توجد معلومات حتى الآن حول ذلك، لكن كل الاحتمالات واردة وعلينا أن نكون حذرين ومستعدين لجميع الاحتمالات، ونحن أساسا في حرب من قبل العدو الإسرائيلي على لبنان".

وأما عن قدرة الموساد على اختراق إيران، يرى قاسم قصير أنه "من الواضح أن الموساد نجح في اختراق البنية الإيرانية سواء من خلال عملاء إسرائيليين أو من خلال عملاء إيرانيين معادين للنظام، وواضح أنه أقام بنية تحتية داخل إيران، وهذا ما يقوله الموساد نفسه والعمليات التي نفذها سابقا تُشير إلى أن لديه عملاء داخل إيران".

خداع أمريكي
بالمقابل اعتبر موقع Economic Times في تقرير له، أن الرسائل الأمريكية الاستراتيجية ساعدت الاحتلال على مفاجأة إيران.

وأوضح التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أن القناة 12 الإسرائيلية، قالت بأن واشنطن اطلقت حملة لإقناع إيران بأنه لا ضربة عسكرية إسرائيلية وشيكة، وقد أدى هذا التضليل الإعلامي إلى شعور القيادة الإيرانية بالرضا، وساعد، بحسب التقارير، على شن الاحتلال هجومه على إيران.

وقال الموقع بأن ترامب أقر في بيان له الخميس بإمكانية شنّ إسرائيل هجومًا عسكريًا، لكنه أشار إلى أن الدبلوماسية لا تزال فعّالة، وقال: "من الممكن جدًا أن تُشنّ إسرائيل هجومًا على المواقع النووية الإيرانية".

وأضاف أيضًا أن التوصل إلى اتفاق دبلوماسي "أمرٌ وشيك" إذا أبدت إيران مرونةً بشأن أنشطتها النووية في المحادثات الجارية مع الولايات المتحدة.

وصرح الرئيس دونالد ترامب لشبكة CNN بأن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل، ووصف الضربات على إيران بأنها "هجوم ناجح للغاية".

وقالت الشبكة إن ترامب قال في مكالمة هاتفية قصيرة معها: "نحن ندعم إسرائيل بكل تأكيد، ودعمناها كما لم يدعمها أحد من قبل، كان ينبغي على إيران أن تستمع إليّ عندما قلتُ - كما تعلمون، لقد أعطيتهم إنذارًا لمدة 60 يومًا، واليوم هو اليوم الحادي والستين".

وأضاف، "على الإيرانيين الآن الجلوس إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق قبل فوات الأوان. سيكون الأوان قد فات بالنسبة لهم. كما تعلمون، لقد مات المتشددون الذين كنت أتعامل معهم". ولم يحدد من كان يشير إليهم.

وعندما سُئل ترامب عمّا إذا كان هذا نتيجةً للهجوم الإسرائيلي الليلة الماضية، أجاب ساخرًا: "لم يموتوا بالإنفلونزا، ولم يموتوا بكوفيد".