قضايا وآراء

إنهم يريدون حربا صليبية!

جمال الدين طالب
تتحرك أصوات يمينية عنصرية متطرفة لاستعمال المسيحية كغطاء وسلاح في خطابها الإسلاموفوبي والعنصري الداعي لمحاربة الإسلام والمسلمين.. الأناضول
تتحرك أصوات يمينية عنصرية متطرفة لاستعمال المسيحية كغطاء وسلاح في خطابها الإسلاموفوبي والعنصري الداعي لمحاربة الإسلام والمسلمين.. الأناضول
شارك الخبر
في ما يبدو لي أنها مؤشرات متزايدة ووقائع واضحة لخطة معلنة، تتحرك أصوات يمينية عنصرية متطرفة لاستعمال المسيحية كغطاء وسلاح في خطابها الإسلاموفوبي والعنصري الداعي لمحاربة الإسلام والمسلمين، واستعادة حتى خطاب الحرب الصليبية، بكل مخاطر ذلك.. وهو خطاب لا يختلف في رأيي عن الخطاب المدان لتنظيم "داعش" المشبوه وغلاة المتطرفين والتكفيريين المحسوبين على الإسلام من جهة أخرى.

قد يكون حري بي من البداية التأكيد أنه من المطمئن أن أصواتا مسيحية عاقلة كثيرة في الغرب تدين وبصوت عال هذا الاستغلال الانتهازي المفضوح لهذه التيارات العنصرية اليمينة المتطرفة، ومزاعمها عن الدفاع عن "الغرب والقيم المسيحية ـ اليهودية". كما أن هناك أصوات يهودية كذلك شجاعة ارتفعت لتدين هذا الاستغلال المفضوح لشعار "القيم المسيحية ـ اليهودية"، والذي يعزف الصهاينة وفي مقدمهم بنيامين نتنياهو على وتره مع أنصاره من المسيحيين الصهاينة، حيث ادعى رئيس الوزراء الإسرائيلي في حوار مع قناة فرنسية أن حرب الإبادة التي يواصلها في غزة هي "انتصار للحضارة اليهودية ـ المسيحية"، رغم  أن الوقائع والشواهد التاريخية عن هذه "القيم المسيحية ـ اليهودية"،  توثق العداء وحتى المذابح من بينها تلك التي ارتكبها المسيحيون في حق اليهود، مثلما حدث في الأندلس، وفي المقابل وجد اليهود الفارين من بطش المسيحيين في إسبانيا ملجأ لدى المسلمين في شمال إفريقيا وعند العثمانيين. ويعترف اليهود أنهم عاش أفضل فتراتهم خلال حكم المسلمين في الأندلس.

تتحرك أصوات يمينية عنصرية متطرفة لاستعمال المسيحية كغطاء وسلاح في خطابها الإسلاموفوبي والعنصري الداعي لمحاربة الإسلام والمسلمين، واستعادة حتى خطاب الحرب الصليبية، بكل مخاطر ذلك.. وهو خطاب لا يختلف في رأيي عن الخطاب المدان لتنظيم "داعش" المشبوه وغلاة المتطرفين والتكفيريين المحسوبين على الإسلام من جهة أخرى.
من آخر مؤشرات هذا الاستغلال للمسيح والمسيحية لأغراض إسلاموفوبية ما قام به تومي روبنسون، أحد أبرز الوجوه العنصرية المعادية للإسلام والمسلمين في بريطانيا، الذي بدا أنه اكتشف مؤخرا المسيح والمسيحية ودعا للاحتفال بالمسيح والمسيحية، رغم أن اعترف مرارا أنه ليس متدينا ولا علاقة له بالمسيحية! وقد قوبلت دعواته بالانتقاد والرفض من قبل "الكنيسة الإنجليزية"، التي اتهمته بالانتهازية وأكدت أن المسيح يدعو للمحبة وليس للكراهية.

وكان روبسون نظم مظاهرة ضخمة في لندن في سبتمبر الماضي، ارتدى فيه متظاهرون زي محاربي "الحروب الصليبية" وحملوا أعلام إنجلترا وبريطانيا بينما رفع آخرون الأعلام الأمريكية والإسرائيلية. في المقابل تم تمزيق العلم الفلسطيني، وترديد شعارات بذيئة ومعادية لفلسطين وغزة وداعمة لإسرائيل.

ومن أكبر الداعمين الماليين لروبسنون والتيارات اليمينة العنصرية الأخرى في العالم، الملياردير اليهودي الأمريكي الصهيوني روبرت شيلمان، وهو عضو بارز في منظمة "أصدقاء الجيش الإسرائيلي".

ومن داعمي روبنسون والتيارات اليمينية العنصرية في أوروبا أيضا إيلون ماسك الملياردير الأمريكي (الجنوب إفريقي)، مالك منصة "إكس".

ويحاول ماسك تقديم نفسه على أنه حريص على القيم المسيحية، لكن ابنته فيفيان ويلسون، المتحولة جنسيا من ذكر إلى أنثى، فضحته في منشور لها، ووصفته بأنه "كاذب ومتعصب وشخص فظيع". وقالت إنها اضطررت للخروج عن صمتها بعدما شاهدت والدها، وهو يدعي بأنه رب عائلة محافظ على القيم المسيحية، وكتبت قائلة إنه ليس "رب عائلة، إنما زانٍ متعدد العلاقات لديه ما لا يقل عن 12 طفلاً من ثلاث نساء، وأنه لا يتوقف عن الكذب بشأن أطفاله".

ومضت تخاطب والدها: "أنت لست مسيحيًا، على حد علمي". وأضافت: "أدرك أنك لم تطأ قدمك الكنيسة أبدًا".

وكان ماسك ادعى أنه "مؤمن كبير بمبادئ المسيحية" وحذر من أن الدين "سوف يهلك بدون شجاعة مجتمعية".

واتهمت ابنة ماسك والدها بأنه عنصري، هو المتهم بالترويج لخطاب تفوق العرق الأبيض، ونظريات عنصرية مثل "الاستبدال الكبير"، التي تروج لأن هناك مؤامرة لاستبدال السكان البيض المسيحيين في الغرب بالمسلمين! وذهب ماسك للقول "يجب علينا تأمين وجود شعبنا ومستقبل الأطفال البيض".

 وكتبت فيفيان مخاطبة والدها "أنت لست معقلًا للمساواة والتقدم.. وعندما كنت في السادسة من عمري سمعت تصفت اللغة العربية بأنها "لغة العدو"، وتم رفع دعوى ضدك عدة مرات بتهمة التمييز العنصري، وأنت من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا."

وكانت ابنة ماسك، البالغة من العمر 20 عاماً، تخلت عن لقب والدها، واختارت عام 2022 لقب والدتها ويلسون.

ومن داعمي خطاب اليمين المتطرف الإسلاموفوبي في بريطانيا، رجل أعمال مسيحي مؤمن في المقابل، اسمه بول مارشال، اتهم شخصيا بترويج أفكار معادية للإسلام والمسلمين، وهو مالك "قناة جي بي نيوز" اليمينة المتطرفة واستحوذ مؤخرا على مجلة "سبيكتاتور"، وكان أطلق موقعا اسمه "أنهارد" لترويج أفكاره.

وفي هذا الموقع نشرت قبل عامين الهولندية ـ الأمريكية المثيرة للجدل آيان هرسي علي، الصومالية الأصل، التي كانت أعلنت خروجها عن الإسلام وإلحادها مقالا أعلنت فيها اعتناقها المسيحية لأنها أكثر وسيلة لمحاربة الإسلام! وادعت هي الأخرى الدفاع عن "رغبتها في الحفاظ على إرث التقاليد اليهودية المسيحية". وقد اتهمت هي الأخرى من قبل رجال دين مسيحيين بالنفاق والانتهازية في استغلال الديانة المسيحية.

وكانت عضوة البرلمان الهولندي السابقة، اضطرت للاستقالة منه بعد كشف فضيحة كذبها في طلب اللجوء السياسي في هولندا وقد هاجرت إلى الولايات المتحدة بعدها وتزوجت من المؤرخ الأسكتلندي اليميني نيال فيرغسون، الذي كان كتب رسالة مشتركة مع يوآف غالانت وزير الدفاع الإسرائيلي المطلوب للعدالة الدولية في جرائم غزة رفقة رئيس الوزراء نتنياهو، يدعوان فيها ترامب لضرب إيران.

وفي فرنسا هناك نموذج آخر لملياردير يدعي الدفاع عن القيم المسيحية وهو فانسون بولوري مالك مجموعة كبيرة من دور النشر وسائل الإعلام المروجة لليمين المتطرف وللإسلاموفوبيا والكراهية أبرزها قناة "سي نيوز".

من المطمئن أن أصواتا مسيحية عاقلة كثيرة في الغرب تدين وبصوت عال هذا الاستغلال الانتهازي المفضوح لهذه التيارات العنصرية اليمينة المتطرفة، ومزاعمها عن الدفاع عن "الغرب والقيم المسيحية ـ اليهودية". كما أن هناك أصوات يهودية كذلك شجاعة ارتفعت لتدين هذا الاستغلال المفضوح لشعار "القيم المسيحية ـ اليهودية"، والذي يعزف الصهاينة وفي مقدمهم بنيامين نتنياهو على وتره مع أنصاره من المسيحيين الصهاينة
من مفارقات بولوري هو رعايته لإيريك زمور، اليهودي الذي يزايد بالدفاع عن هوية فرنسا باعتبارها مسيحية كاثوليكية أولا، مع الحديث عن تهديد المهاجرين المسلمين لـ"اللائكية" (العلمانية الفرنسية)، والدفاع عن طرح اليمين الفرنسي المتطرف المعادي تاريخيا لليهود، والعميل للاحتلال النازي لفرنسا، والمتواطئ معه في إبادة والتنكيل باليهود في فرنسا (أثناء الحرب العالمية الثانية)، وحتى الجزائر المستعمرة آنذاك. بينما ساهم مسجد باريس، الذي يشرف عليه جزائريون مثلا في إنقاذ وحماية العديد من اليهود، بإعطائهم وثائق تقول إنهم مسلمون وليسوا يهودا! وكذلك الشأن في الجزائر، عندما تضامن وساعد المسلمون المضطهدون فيها، اليهود الذين كانوا يتعرضون لـ "انتقام" شديد من قبل حكومة "فيشي" الفرنسية العميلة للنازيين حينها، بلغ حد نزع الجنسية الفرنسية منهم، ومنعهم من الدراسة والعمل.

واللافت أن اسم "زمور" يعني بالأمازيغية "زيتونة"، وأصل عائلته من يهود الجزائر، وقد هاجرت إلى فرنسا في نهاية الخمسينات فقط (حيث ولد هناك)، بينما يزايد على معاداة المهاجرين والعرب المسلمين بالذات. وقد انتقد المؤرخ اليهودي الفرنسي (الذي ولد في الجزائر) بن جامين سطورا، مزايدات زمور، الذي وصفه بأنه "يهودي عربي"، عكس ما يدعي أي من اليهود الذين عاشوا في المنطقة العربية، وكثير منهم لجأوا خاصة للمنطقة المغاربية من إسبانيا بعد انهيار حكم المسلمين في الأندلس (الذي عاشوا فيه برفاه وخدموا حتى كوزراء فيه)، وذلك فرارا من البطش المسيحي الكاثوليكي لمحاكم التفتيش خلال ما سميت بحروب الاسترداد المسيحية الرهيبة، والمفارقة أن إيريك زمور، أطلق اسم "الاسترداد" على حزبه، بكل ما لذلك من إحالة ومن تأثير لراعيه بولوري.

المفارقة أن بولوري الذي يدعي الدفاع عن القيم المسيحية، كان قد انفصل عن زوجته صوفي فوسوريه في نوفمبر 2004. وقد أقام علاقة مع فلورنس فوسوريه، إحدى أخوات صوفي. ثم عاش بولوري في عيش مشترك (بدون زواج رسمي أو ديني) مع الممثلة والروائية أناييس جانيريت قبل الانفصال.

في أكتوبر الماضي نشر زمور كتابا بعنوان "La messe n’est pas dite  ..pour un sursaut culturel chrétien" عن دار "فايار" المملوكة لبولوري قد تكون الترجمة الحرفية له للعربية “الصلاة المسيحية لم تتل بعد (مع أن المقصود بالفرنسية لهذه الجملة "لم يُحسم الأمر بعد").. نحو وثبة مسيحية".

وقد قوبل الكتاب بانتقادات من الكثير من الأوساط المسيحية وفي مقدمها رجال الدين الذي اتهموا زمور بالانتهازية واستغلال المسيحية لخطابه العنصري الإسلاموفوبي وترويج الكراهية والتحريض على حرب أهلية.

ولا يسعني في الأخير إلى أن أحيي هذه الأصوات العاقلة والعقلانية التي تفضح هذا الجنون الانتهازي.

*كاتب جزائري مقيم في لندن
التعليقات (0)