صحافة إسرائيلية

هل تنجح خطط ترامب الجديدة الغامضة في إعادة تنظيم المنطقة؟

يرى تسفي برئيل أن المظلة الداعمة التي أحسنَ الشرع بناءها ستجد صعوبة في إزالة العقبات التي تعيق وفاءه بالتزاماته – البيت الأبيض
يرى تسفي برئيل أن المظلة الداعمة التي أحسنَ الشرع بناءها ستجد صعوبة في إزالة العقبات التي تعيق وفاءه بالتزاماته – البيت الأبيض
بعد زيارة الرئيس السوري إلى واشنطن، التي وصفها المبعوث الأمريكي توم باراك بـ"التاريخية"، ألزم أحمد الشرع، نفسه، بتتعهدات صعبة حتى مع دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وذلك بسبب كثرة العراقيل والعقبات والتعقيدات التي تتعلق بالجهات الخارجية الفاعلة في سوريا من جهة، وتلك الداخلية من جهة ثانية.

وقال محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تسفي برئيل: إن على مكتب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توجد كومة متزايدة من مشاريع المقترحات التي لم تتشكل بعد في صورة خِطَّة متماسكة وقابلة للتنفيذ تعالج الجبهات الأربع الرئيسية في الشرق الأوسط، وفيما يلي نص ترجمة المقال:

في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قُدِّم مشروع قرار جديد، ليس الأخير بالتأكيد، يهدف إلى تحديد إطار عمل القوة المتعددة الجنسيات في غزة، وفي هذه الأثناء، ينتظر لبنان من واشنطن الضغط على إسرائيل للدخول في مفاوضات بشأن الترتيبات الأمنية، وبين واشنطن وطهران، لم يتطور الحوار، الذي يُدار في معظمه عبر وسائل الإعلام، إلى عملية دبلوماسية حقيقية، أما في سوريا، وبعد الزيارة التاريخية للرئيس أحمد الشرع إلى البيت الأبيض في وقت سابق من هذا الأسبوع، تتزايد التوقعات بمبادرة أمريكية لدفع اتفاق بشأن الترتيبات الأمنية مع إسرائيل.

ورغم أن زيارة الشرع حظيت بالإشادة باعتبارها إنجازاً دبلوماسياً له ولترامب، فإن العديد من الأسئلة العملية لا تزال دون إجابة، مما يلقي بظلال من الشك على جوهر هذا النجاح، حيث يمكن للشرع أن يشعر بالرضا تجاه القرار الأمريكي بتمديد الإعفاء من قانون قيصر لعام 2019، الذي يحظر معظم المساعدات والاستثمارات في سوريا، ولكن من المشكوك فيه أن يفتح هذا التمديد الباب أمام الاستثمار والمساعدة على نطاق واسع التي تحتاجها البلاد بشدة.

ومن غير المرجح أن يلجأ المستثمرون والمانحون إلى دفاتر شيكاتهم في غياب أي ضمانات بشأن مصير أموالهم بعد ستة أشهر من الآن، لا سيما في ظل انتقادات ومعارضة عدد من أعضاء الكونغرس، بمن فيهم جمهوريون بارزون يُتابعون موقف إسرائيل باهتمام، في الواقع، لا يتجاوز نطاق هذا الإعفاء ذاك الذي مُنح للشرع في أيار/مايو الماضي.

اظهار أخبار متعلقة


أعلن الشرع انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد داعش، وهو تحالف يضم الآن، بانضمام سوريا، 90 دولة. إلا أن هذا التحالف يبقى في الوقت الراهن إطارًا سياسيًا بالدرجة الأولى "فهو ذو أهمية في بُعده الإعلاني، ولكنه يفتقر إلى الآليات العسكرية المنسقة اللازمة لتفعيله"، وبدون هذا التنسيق، لا يمكن إعفاء الولايات المتحدة من دورها العسكري في سوريا أو نقل مسؤولية إدارة "الجبهة السورية" للحرب من قوات سوريا الديمقراطية إلى الجيش السوري، الذي لا يزال يعاني من نقص التدريب والتجهيز اللازمين لدعم مثل هذه الحملة.

فجوة كبيرة بين النية والتنفيذ
تهدف هذه المبادرة إلى أن تكون جزءًا من خطة استراتيجية أوسع وطموحة، وضعتها تركيا وسوريا والولايات المتحدة بشكل مشترك، وبموجب هذه الخطة، ستوفر تركيا غطاءً عسكريًا شاملًا للجيش السوري، تُدمج فيه القوات الكردية، وتُنزع السلاح من المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا، التي تضم عددًا كبيرًا من قوات سوريا الكردية، ويستعيد النظام السوري سيادته على تلك المحافظات، مع ذلك، لا تزال هناك فجوة كبيرة بين النية والتنفيذ، حيث أعرب الأكراد عن استعدادهم للانضمام إلى الجيش السوري، لكن مطلبهم الرئيسي، المتمثل في دمج وحداتهم كقوة مستقلة مُخولة بالدفاع عن المناطق الكردية، لا يزال مرفوضًا من دمشق وأنقرة.

الترتيبات "هشة"
وتظل الترتيبات الأمنية بين إسرائيل وسوريا هشة، على الرغم من ما وصفه الشرع بالتقدم الكبير الذي تم تحقيقه في المحادثات المباشرة بين الجانبين، وفي مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست، أعرب الشرع عن معارضته الشديدة لمطلب إسرائيل بإنشاء منطقة منزوعة السلاح بين دمشق والحدود الجنوبية والغربية لسوريا، وأكد أنه للتوصل إلى أي اتفاق، يتعين على إسرائيل الانسحاب إلى خطوط الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، وهو التاريخ الذي أُطيح فيه بنظام الأسد وبدأت فيه إسرائيل باحتلال أراضٍ في غرب سوريا.

ترتكز معارضة الشرع لمنطقة منزوعة السلاح على الأراضي السورية على ركيزتين أساسيتين. عمليًا، يُجادل بأن هذه المنطقة ستُتيح للأطراف المعادية فرصًا للعمل ضد إسرائيل، دون تحديد من يتحمل مسؤولية مواجهتها، كما يُصرّ على أن "هذه أراضٍ سورية، ويجب أن تتمتع سوريا بحرية التصرف في أراضيها"، وبحسب الشرع، فإن هذا الموقف مدعوم من قبل الولايات المتحدة، ويستبعد عملياً إمكانية تولي قوة أمريكية مسؤولية المنطقة منزوعة السلاح أو العمل كقوة مهام إقليمية ضد من قد يستغلونها لشن هجمات على إسرائيل.

فيدان رافق الشرع
ويتم تنسيق موقفه بشكل وثيق مع القيادة التركية، التي تنظر إلى إسرائيل باعتبارها تهديداً لسلامة الأراضي السورية، وهو المبدأ الذي تقبله إدارة ترامب أيضاً، ولضمان عدم "انحراف" واشنطن عن هذا الخط أو الضغط على الشرع لتقديم تنازلات، تم إرسال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لمرافقة الشرع بهدوء أثناء زيارته إلى واشنطن، بل وشارك حتى في العديد من اجتماعاته مع ترامب وكبار المسؤولين الأميركيين.

ويتضمن السيناريو البديل نشر "قوة شرطة" روسية في جنوب سوريا، على غرار الترتيب الذي كان قائما في عهد الأسد بالتنسيق والموافقة الإسرائيلية، ففي تشرين الأول/أكتوبر أعلن الشرع، الذي زار روسيا والتقى بالرئيس فلاديمير بوتين، أن سوريا ستلتزم بجميع الاتفاقيات الموقعة سابقًا بين دمشق وموسكو، وهو تصريح فُسِّر على أنه التزام بالسماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها في طرطوس وحميميم والقامشلي، كما أشار إلى استعادة العلاقات بين دمشق وموسكو.

تخلي أمريكا عن الأكراد
السؤال الرئيسي الآن هو إلى أي مدى ستذهب إدارة ترامب، وما هو حجم النفوذ الذي ستمارسه، للضغط على إسرائيل لبدء الانسحاب من الأراضي التي احتلتها في سوريا، وما إذا كانت ستمنح تركيا "الامتياز" لإجراء الحملة ضد داعش بالاشتراك مع سوريا، مما يجعل أنقرة في الواقع القوة العسكرية المهيمنة في البلاد، وما إذا كانت ستتخلى عن حلفائها الأكراد، وما إذا كانت هذه العملية برمتها ستؤدي في نهاية المطاف إلى ترتيب أمني مع إسرائيل.

المفاوضات لا تُجرى مع الأصدقاء.. بل مع الأعداء
على الصعيد اللبناني أيضًا، لم يُحرز أي تقدم يُعزز طموح ترامب في التوسط للتوصل إلى اتفاق بين القدس وبيروت، وصرح الرئيس اللبناني ميشال عون، مؤخرا بأنه لا يزال ينتظر رد إسرائيل، عبر وسطاء أمريكيين، على اقتراحه ببدء المفاوضات، في وقت سابق من هذا الشهر، صرّح عون أيضا بأن لا خيار أمام لبنان سوى التفاوض قائلا: "في السياسة ثلاثة مجالات: الدبلوماسية، والاقتصاد، والحرب. عندما لا تُفضي الحرب إلى نتيجة، فماذا يبقى أن نفعل؟ جميع الحروب في التاريخ انتهت بالمفاوضات، والمفاوضات لا تُجرى مع الأصدقاء، بل مع الأعداء".

ولم تكن هذه أول محاولة لعون للترويج للمحادثات مع إسرائيل، إلا أنه لم يوضح حتى الآن ما إذا كان مستعدًا لإجراء مفاوضات مباشرة، كما طالبت الولايات المتحدة، كما لم يوافق على تغيير تشكيل اللجنة المشرفة على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار لتضم سياسيين وخبراء مدنيين إلى جانب ضباط عسكريين، خوفا من أن ينظر إلى مثل هذه الخطوة على أنها مفاوضات سياسية مع إسرائيل.

الانطباع السائد في لبنان هو أن إسرائيل ليس لديها اهتمام حقيقي بالمفاوضات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، وأنها تفضل بدلاً من ذلك الاستمرار في استغلال سيطرتها على المجال الجوي اللبناني، الذي يمنحها حرية عمل عسكرية شبه كاملة.

اظهار أخبار متعلقة


والثلاثاء الماضي، انعقد الاجتماع الثالث عشر للجنة الرقابة في الناقورة، حيث قدّم الوفد اللبناني قائمةً مفصلةً بالانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، ولم يُسفر الاجتماع عن أي تقدم دبلوماسي، وفي الوقت نفسه، اشتكى قائد الجيش اللبناني من استمرار إسرائيل في منع قواته من دخول المناطق المشتبه في أنها تحتوي على أسلحة ومنشآت تابعة لحزب الله، وحسب قوله، تُفضل إسرائيل شن غارات جوية على السماح للجيش اللبناني بتنفيذ خطته الخاصة لنزع سلاح حزب الله.

لكن الجيش اللبناني لا يزال يحاول تنفيذ الخطة العملياتية التي قدمها للحكومة في آب/أغسطس، والتي تعهد بموجبها بجمع أسلحة حزب الله في المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني بحلول نهاية العام، وهو الموعد النهائي الذي يبدو الآن غير واقعي، وكما هو الحال في سوريا، ينتظر لبنان قرارًا أمريكيًا، قرارًا لن يُملي سياسة بيروت فحسب، بل سياسة إسرائيل أيضًا، وسيتطلب هذا القرار من الجانبين اعتماد ورقة العمل التي قدمها المبعوث الأمريكي الخاص توم باراك.

وبموجب اقتراحه، ستوقف إسرائيل غاراتها الجوية لمدة شهرين، تُعقد خلالها مفاوضات حول الترتيبات الأمنية، والترسيم الأولي للحدود البرية، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح بين البلدين، بالتوازي مع ذلك، ستنسحب إسرائيل تدريجيًا من خمسة مواقع تسيطر عليها حاليًا داخل الأراضي اللبنانية، ووفقًا لباراك، رفضت إسرائيل الاقتراح رفضًا قاطعًا.

وقال دبلوماسي أوروبي تشارك بلاده في المبادرة لصحيفة هآرتس: "هناك نشاط دبلوماسي مكثف حاليًا، وأوراق عمل كثيرة تُتداول. ومع ذلك، هناك طرف واحد عليه في النهاية أن يضغط بقوة ويُملي الخطوات على الأرض، وهو يجلس في البيت الأبيض، لا أحد يعلم إلى أين سيتجه".
التعليقات (0)

خبر عاجل