ما أنّ تمّ التوصل إلى المرحلة الأولى من
إتفاق غزّة حتى عاد الحديث مجدداً عن رغبة الجانب الأمريكي في حصول تقّدم في
المحادثات لضم المزيد من الدول إلى الاتفاقات الإبراهيمية مع
إسرائيل. ولإعطاء زخم
لهذا الملف، أعلن الجانب الأمريكي الأسبوع الماضي انضمام أوزبكستان إلى الإتفاقات
الإبراهيمية مع أنّ للأخيرة علاقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية قائمة مع إسرائيل
منذ فترة طويلة!
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قد تحدّث
مرات عديدة مؤخراً عن رغبته في حصول
التطبيع بين السعودية وإسرائيل لاسيما بعد
إيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث يقول ترامب أنّ وقف إطلاق النار يزيل حاجزاً
رئيسياً. ففي تقرير حصري لأكسيوس تمّ نشره أمس، أشار باراك رافيد إلى أنّ الرئيس
ترامب كان قد أجرى اتصالاً مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الشهر الماضي، قال
فيه أنّه يريد أن يرى حصول تقدّم في هذا الملف، واعداً بإمكانية التوصل الى اتفاق
دفاعي، ـ لكن ليس بالشكل الذي يطلبه السعوديون ـ .
وفيما يبدو أنّ البعض متفائل في حصول تقدّم
في هذا المجال خلال زيارة ولي العهد السعودي المرتقبة الى الولايات المتّحدة
الأسبوع القادم، إلاّ أنّ الوقائع تقول أنّه لا يزال هناك عقبات أمام حصول مثل هذا
الأمر. وكان الجانب الأمريكي قد بذل جهودا كبيرة لدفع السعودية للتطبيع مع إسرائيل
قبل أن تندلع حرب غزّة ويوضّح الجانب السعودي الشروط التي يرى أنّها ضرورية قبل
الحديث عن أي تطبيع رسمي. لكن طول الحرب، وتعنّت الجانب الإسرائيلي، ومحاولة
استغلال نتنياهو المحادثات السابقة في هذا الخصوص لأغراض شخصية انتخابية، دفعت
السعودية إلى التراجع، خصوصا في ظل غياب أي "مكاسب" محتملة في ميزان
الربح والخسارة المتعلق بعملية التطبيع.
يميل مسؤولون أمريكيون وخبراء غربيون إلى أنّ التطبيع قريب وأنّ تخريجه من خلال تصويره على أنّه اتفاق سياسي ـ اقتصادي مفيد للجميع يساعد على إبرامه وتسويقه. وفيما يعتقد هؤلاء أنّه من الممكن إبرام مثل هذا الإتفاق مع نهاية العام 2026 كجزء من مخطط أوسع في المنطقة، يرى آخرون أنّ ذلك لن يحصل في ظل وجود فجوة بين الطرفين، وفي ظل استمرار المشاكل الإقليمية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وفي ظل وجود نتنياهو في الحكم في إسرائيل.
البيانات المتعلقّة بالأطراف المختلفة تظهر
وجود مشاكل متعدّدة. حتى الآن، لم يتم الإيفاء حقيقة بأي مطالب متعلقة بالسعودية
سواء فيما يتعلق بالاتفاق الدفاعي الأمريكي او حتى القضية الفلسطينية. فما يجري
الان هو مجرّد وعود فضفاضة وحمّالة أوجه لا يمكن الاعتماد عليها لتقديم تنازلات
تتعلق بالتطبيع مع إسرائيل. علاوة على ذلك، لا يبدو أنّ نتنياهو شخصيا مستعد
لتقديم أي شيء في هذا المجال، فهو يريد من السعودية ان تقوم بالتطبيع ويقوم هو
بتوظيفه مجدداً ربما لرفع اسحمه وإنقاذ نفسه من الوضع الداخلي المتدهور في إسرائيل.
ويميل مسؤولون أمريكيون وخبراء غربيون إلى أنّ التطبيع قريب وأنّ تخريجه من خلال تصويره على أنّه اتفاق سياسي ـ اقتصادي مفيد
للجميع يساعد على إبرامه وتسويقه. وفيما يعتقد هؤلاء أنّه من الممكن إبرام مثل هذا
الإتفاق مع نهاية العام 2026 كجزء من مخطط أوسع في المنطقة، يرى آخرون أنّ ذلك لن
يحصل في ظل وجود فجوة بين الطرفين، وفي ظل استمرار المشاكل الإقليمية المتعلقة
بالقضية الفلسطينية، وفي ظل وجود نتنياهو في الحكم في إسرائيل.
يدعم مثل هذا التوجه وجود
رأي عام سعودي قوي
ضد التطبيع، وعدم إنجاز الولايات المتّحدة أي من المطالب التي كان الجانب السعودية
قد رأى أنّها ضرورية قبل الحديث عن التطبيع مع إسرائيل ـ والتي من المتوقع ألاّ
تحصل قريباً في جميع الأحوال، إلاّ إذا تراجع الجانب السعودي عن التمسّك بها وقام
بتمييع تفسيرها لاحقاً ليُناسب وضع الرئيس ترامب ونتنياهو، وهو امر قد لا يحدث على
الأرجح لاسيما في هذه المرحلة المشوبة بالضبابية وعدم اليقين ـ .
مطالب السعودية بخطوات واضحة نحو دولة
فلسطينية لا تتطابق مع رفض إسرائيل لهذا الأمر، خاصة في ظل الحكومة الإسرائيلية
الحالية. السعوديون أصبحوا كذلك أكثر معارضة لإسرائيل بعد الحرب على غزة، مما يجعل
الاتفاق صعبًا على ولي العهد حتى وإن أراد ذلك لاسيما في ظل غياب أي فوائد
استراتيجية من هذا التطبيع. لذا الفجوة ستظل قائمة، والمشكلات ستستمر ولن يحلها
اتفاق تطبيع مع إسرائيل بل قد يجعلها أسوأ.
وبينما قد توجد أسباب غير معلنة للاتفاق من
الناحية النظرية، إلا أنّ الوقائع آنفة الذكر يجعلها غير محتملة في هذه المرحلة.
وبينما قد يستمر العمل الخفي على المعلومات أو التجارة إلى حد ما قد بدون روابط
رسمية، إلاّ أنّ توقع حصول تغيّر كبير في الموقف دون مسوغات مقنعة يشير إلى أنّ
التطبيع لا يلوح في الأفق و ليس قريبا على أقل تقدير.