قضايا وآراء

لماذا قرر النظام المصري الوقوف ندا للند أمام السعودية الآن؟

عادل العوفي
"غياب ولي العهد عن مراسم افتتاح المتحف المصري الكبير، والتراشق الالكتروني المتواصل بين اللجان التابعة للنظامين"- الرئاسة المصرية
"غياب ولي العهد عن مراسم افتتاح المتحف المصري الكبير، والتراشق الالكتروني المتواصل بين اللجان التابعة للنظامين"- الرئاسة المصرية
استوقفني تصريح لأحد الإسرائيليين وهو يؤكد الحقيقة الساطعة التي أشرنا إليها في مقالنا السابق مؤخرا؛ حول "استغلال" النظام المصري لمأساة غزة من أجل نيل مكاسب سياسية واقتصادية تنقذه من وضعه القاتم السواد. وجاء العنوان الإسرائيلي "فاضحا" ودون مواربة بالقول: "لولا غزة لما سمع أحد بمصر".

طبعا نحن نقصد نظام السيسي وننأى بمصر وشعبها الأصيل عن هذه المهازل؛ لكن ما حتم علينا هذه المقدمة هو رصدنا لحرص النظام على عدم تفويت أية فرصة من أجل "جني ثمار" لم يشق ولم يكدح في زرعها البتة، بل كان طرفا رئيسا في تأجيج الوضع وتكريس بطش آلة القتل والهمجية الصهيونية بأهل قطاع غزة الصابر المحتسب. فمؤخرا وخلال ما عرف بـ"احتفالية وطن للسلام"، باغت السيسي وحاشيته الجميع بإطلالة "معدة بعناية فائقة" للفنان (المغضوب عليه) محمد سلام على أنغام "أنا ابن مصر.. أنا ضد الكسر"، ومع وابل من التصفيقات الحارة التي هزت أرجاء المكان.

طبعا الحاضرون تفاعلوا بحسن نية وحب كبير لهذا الفنان الشهم الأصيل الذي تحدى آلة إعلامية جبارة لها نفوذ واسع على الوسط الفني، وبأوامرها تحول لعاطل عن العمل وأُغلقت كل المنافذ في وجهه؛ فقط لأنه صدح بكلمة الحق ورفض المشاركة في مسرحية كوميدية في موسم الرياض، رافضا التهريج والضحك بينما أصوات المذبحة القادمة من غزة تصم الآذان، ليتحول من نجم مطلوب واسم تتهافت شركات الإنتاج عليه إلى منبوذ يخشى حتى زملاؤه و"عِشرة العمر" لفظ اسمه في البرامج التلفزيونية، فما بالك بترشيحه في أعمال جديدة.

لماذا نرى أيضا صحفيين سعوديين معروفين وينتمون لمنابر رسمية لا يترددون في مهاجمة السيسي شخصيا، ونفس الشيء في الجهة المقابلة في مصر، وآخرهم رئيس تحرير الجمهورية الذي هاجم السعوديين بدوره؟

بعد مرور سنتين بالضبط عاد محمد سلام وسط فرحة غامرة عمت كل الوطن العربي؛ لأنه يكاد يكون الوحيد الذي ضحّى بمصدر زرقه من أجل نصرة أشقائه، وبكل فخر نزعم أننا واكبنا قصته منذ اللحظة الأولى وكتبنا عنه مرارا وتكرارا، لكن موضوع مقالنا اليوم ليس محمد سلام فقط؛ لان السؤال المطروح وبقوة: لماذا الآن فقط انتبه النظام لوجود مواطن معاقَب بأوامر خارجية ودون ذنب اقترفه؟ ولماذا فجأة يطل في حفل بحضور عبد الفتاح السيسي شخصيا وبتلك الصورة "المجهزة" لرد الاعتبار وإنصاف سلام؟ ومن صاحب الخطوة في عودته للأضواء وكسر الحصار عنه، بل والإفراج عن مسلسل جاهز له للعرض بشكل فوري؟

الجفاء السعودي- المصري:

الأجوبة تصب في خانة واحدة وهي أكبر من فنان مصري يعاني بسبب "فرمان" سعودي، وتتجه نحو كل ما يثار حاليا في وسائل الإعلام العربية والعالمية عن وجود خلاف سعودي مصري صار واضحا للعيان، وما حدث في الاحتفالية السالفة الذكر ليس سوى رد مصري صريح ورسمي على النفوذ السعودي، وبالتالي ليس "كرما شخصيا" ولا من باب تكريم محمد سلام على تضامنه مع أهل غزة، فالمسألة تبدو أكبر وأعمق، والبعض يصر على ربطها باستضافة مصر لقمة شرم الشيخ حول غزة بدل الرياض السعودية وخروج سباق المنافسة على الزعامة الإقليمية للعلن في عدة مناسبات، دون إغفال أن كل ما يصدر عن شخصية مثل رئيس هيئة الترفيه السعودية ليس من باب ملء الفراغ والبحث عن "الترند" كما يراها البعض؛ لأننا نتحدث عن شخصية بصفة رسمية، ومن المستحيل أن تغمز وتلمز في قضايا حساسة بتلك الصورة دون حسيب ولا رقيب.

وإذا سلمنا جدلا بوجود "ثأر سابق " بين تركي آل الشيخ ومصر في عدة مناسبات ومجالات؛ فلماذا نرى أيضا صحفيين سعوديين معروفين وينتمون لمنابر رسمية لا يترددون في مهاجمة السيسي شخصيا، ونفس الشيء في الجهة المقابلة في مصر، وآخرهم رئيس تحرير الجمهورية الذي هاجم السعوديين بدوره؟

كما أن هناك عدة تقارير عن نية السعودية التراجع عن استثماراتها مؤخرا في الساحل الشمالي المصري وتحديدا في "رأس جميلة"، وأكد هذه النظرية تلميحُ وزير السياحة السعودي أن الأولوية حاليا للتطوير الداخلي. كما أن غياب ولي العهد عن مراسم افتتاح المتحف المصري الكبير والتراشق الالكتروني المتواصل بين اللجان التابعة للنظامين؛ تكشف بالملموس أن "شهر العسل" قد ولّى وانتهى.

عدة تقارير عن نية السعودية التراجع عن استثماراتها مؤخرا في الساحل الشمالي المصري وتحديدا في "رأس جميلة"، وأكد هذه النظرية تلميحُ وزير السياحة السعودي أن الأولوية حاليا للتطوير الداخلي.

أرباح المنشار الصهيوني:

هناك معطى آخر مهم للغاية لا يمكن القفز عنه، ويكمن في الإعلان عن خط أنابيب جديد لنقل الغاز من الكيان الصهيوني إلى مصر، بكلفة ملياري شيكل (520 مليون دولار)، لنرى أخبارا أخرى عن مشروع ممر طاقة إسرائيلي سعودي لربط البحر الأبيض المتوسط والأحمر عبر الأردن بخطوط لنقل الكهرباء والهيدروجين والمياه، ومسار بري لتسهيل عبور الطاقة بين آسيا وأوروبا كجزء من مبادرة الهند- الشرق الأوسط- أوروبا؛ لتقليل اعتماد القارة العجوز على الطاقة الروسية.

وكان السفاح نتنياهو وصف هذا المشروع بأنه "أعظم صفقة تعاون في تاريخنا"، وطبعا يحظى بدعم منقطع النظير من الإدارة الأمريكية في سياق "خطتها" المزعومة لـ"ازدهار" الشرق الأوسط.

الملاحظ أن الطرفين السعودي والمصري يتنافسان حقا، لكن ليس في نيل "الزعامة الموهومة"، بل في كسب ود ورضا الكيان الصهيوني، الرابح الأكبر من كل الخلافات والصراعات العربية المستمرة؛ بغباء ملحوظ لا يستفيد من الدروس ولا يقرأ التاريخ جيدا، مع العلم أن هذا "الصراع" الذي خرج للعلن يضم في طياته تفصيلا مهما حول مستقبل سلاح المقاومة في القطاع الصامد، حيث يرى الطرف السعودي ولم يعد يخفي ذلك إطلاقا؛ أن "نزعه" شرط رئيس للمشاركة في عملية الإعمار، بينما يبدي النظام المصري مرونة في هذا السياق (طبعا ليس حبا في المقاومة ولا نصرتها)، فقط من أجل مكاسب يتوق لجنيها كما اعتاد أن يفعل.

ونختم بسؤال جوهري: هل قرر النظام المصري تجاوز عباءة "الكفيل" بل وتمزيقها ليقف الند للند، مستندا لزاد التاريخ والحضارة المصرية العريقة؟ وهل سيصمد مطولا في هذا الطريق الوعر؟
التعليقات (0)

خبر عاجل