مدونات

بين الإنسان والذكاء الاصطناعي

رميصاء عبد المهيمن
"أصبح الذكاء الاصطناعي امتدادا لقدرة الإنسان في حلّ المسائل المعقَّدة التي كانت تُعَدُّ مستحيلة بالأمس"- الأناضول
"أصبح الذكاء الاصطناعي امتدادا لقدرة الإنسان في حلّ المسائل المعقَّدة التي كانت تُعَدُّ مستحيلة بالأمس"- الأناضول
لقد شكَّل الانتقال من الحاسوب التقليدي إلى الذكاء الاصطناعي واحدة من أعظم الثورات في تاريخ التكنولوجيا الحديثة، ثورة غيَّرت ملامح الحياة الإنسانية في كلِّ مجالاتها. فمع تسارع الابتكار، نشهد اليوم بزوغَ عصرٍ جديدٍ من الاستقلالية التقنية، حيث لم تَعُد الآلات تكتفي بالحساب والتخزين، بل أصبحت تتعلَّم وتفكِّر وتقرِّر.

قبل هذه النهضة الرقمية، كان الحاسوب مجرّد أداةٍ للحساب أو لخزن البيانات، ولكن مع تطوّر الإنسان وتوسّع آفاقه الفكرية، برزت الحاجة إلى أنظمةٍ قادرةٍ على محاكاة الذكاء الإنساني. ومن خلال التعلّم الآلي، والبيانات الضخمة، والشبكات العصبية، والروبوتات، أصبح الذكاء الاصطناعي امتدادا لقدرة الإنسان في حلّ المسائل المعقَّدة التي كانت تُعَدُّ مستحيلة بالأمس.

ومع ذلك، فإنَّ كلَّ ابتكارٍ يحمل في طيّاته ظلا بقدر ما يحمل من نور. فالذكاء الاصطناعي رغم أنّه رفع كفاءة الإنتاج، وغيَّر وجهَ الطبّ والتعليم والإدارة، إلا أنّه ألقى بأسئلةٍ أخلاقيةٍ وفكريةٍ عميقة: إلى أيِّ مدى يمكن للآلة أن تحلَّ محلّ الإنسان دون أن تَسلب منه ذاته؟ وهل سيبقى الإنسان سيّدَ هذه التقنية، أم سيغدو انعكاسا لها؟

مع تزايد حضور الذكاء الاصطناعي في كلّ جوانب الحياة، يبقى السؤال مفتوحا أمام الإنسان: هل نصنع التقدّم أم نصنع التبعيّة؟ هل نُنمّي المعرفة أم نُهمِل الحكمة؟

وعندما نتأمّل الصورة من علٍ، ندرك أن الآلات مهما بلغت من التطوّر تبقى أسيرة لحدود البرمجة البشرية. فهي قادرةٌ على معالجة المعلومات، لكنها عاجزةٌ عن الإحساس والتعاطف وإصدار الحكم الأخلاقي. أمّا الدماغ الإنساني، بخلاياه العصبية البالغة أكثر من ستةٍ وثمانين مليارا، وبشبكاته التي لا تُحصى، فهو ليس مجرّد مُعالجٍ للبيانات، بل هو موطن الفكر والإبداع والشعور والوعي الإلهي الذي وهبه الله للإنسان تكريما.

يدعو القرآن الكريم الإنسانَ مرارا إلى التفكّر والتدبّر، ويُكرِّر نداءَه: "أفلا تعقلون؟ أفلا تتفكرون؟"، فالعقل والحكمة هما تاجُ الإنسان وسبيلُه لمعرفة خالقه. وإذا كان الذكاء الاصطناعي يُمثِّل سعيَ الإنسان نحو الكمال، فإنّ الكمال الحقيقيّ لا يُنال بتقليد الخلق، بل بإدراك الخالق.

إنّ التكنولوجيا أداةٌ، يمكن أن ترفع الإنسان أو تُسقطه، تنيره أو تُضلَّه. فالعلم بلا حكمة خطر، والحكمة بلا تواضع غرور. والمعرفة الحقيقية هي التي تربط بين العقل والغاية الإلهية، تلك التي تُزكّي النفس قبل أن تُطوّر النظام.

ومع تزايد حضور الذكاء الاصطناعي في كلّ جوانب الحياة، يبقى السؤال مفتوحا أمام الإنسان: هل نصنع التقدّم أم نصنع التبعيّة؟ هل نُنمّي المعرفة أم نُهمِل الحكمة؟

غاية العلم ليست القوة بل النقاء، ومقصد العقل ليس السيطرة بل الفهم. وكما قال الشاعر محمد إقبال: "العلم سرّ الذات، والنور الذي يكشف حقيقة الإنسان".
التعليقات (0)