مقالات مختارة

من بلفور إلى غزة... نهج بريطانيا تجاه فلسطين

سمير عطالله
جيتي
جيتي
لم تكن هذه المرة الأولى التي تسعى فيها الحكومة البريطانية إلى تغيير جذري في نهجها تجاه فلسطين. ففي عام 1939، قام ائتلاف بقيادة نيفيل تشامبرلين بما يمكن اعتباره إعادة تقييم أكثر جذرية للسياسة البريطانية. في ورقة بيضاء مثيرة للجدل صدرت في مايو (أيار) 1939، قدّمت الحكومة البريطانية عرضاً للقيادة العربية الفلسطينية:

ستعترف بريطانيا بدولة فلسطينية مستقلة ذات أغلبية عربية في غضون 10 سنوات. بالنسبة لليهود الفلسطينيين (اليشوف) اعتبر ذلك خيانة لإعلان بلفور، الذي تعهد بتسهيل «إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين». لكن بالنسبة للعرب الفلسطينيين، كان ذلك صفقة رائعة، بالتأكيد صفقة جيدة للغاية بحيث لا يمكن رفضها.

الماضي مليء بـ«نقاط التحول» التي فشل التاريخ في تغييرها، على حدّ تعبير إيه جي بي تايلور. كانت هذه إحدى تلك المناسبات.

لم يكن مفاجئاً أن يرفض قادة الجالية اليهودية في فلسطين مقترحات الكتاب الأبيض لعام 1939، لكن المفاجأة كانت أن القيادة العربية فعلت الشيء نفسه. لو وافق العرب على الكتاب الأبيض، لربما كان ذلك قد غيّر تاريخ الشرق الأوسط الحديث برمته. ولتفسير سبب عدم اغتنامهم الفرصة، لا بد من الغوص في مستنقع بريطانيا في فلسطين، وهو لغز إمبراطوري كان بحاجة ماسة إلى حلّ بحلول عام 1939.
بدأت مشكلات بريطانيا في فلسطين مع الالتزامات المتناقضة، وغير القابلة للتوفيق التي تم التعهد بها في إعلان بلفور نفسه

بدأت مشكلات بريطانيا في فلسطين مع الالتزامات المتناقضة، وغير القابلة للتوفيق التي تم التعهد بها في إعلان بلفور نفسه عام 1917. بعد الإعلان عن نية بريطانيا دعم إنشاء وطن قومي لليهود، ذكر الإعلان أنه «لن يتم اتخاذ أي إجراء من شأنه المساس بالحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين».

وشملت هذه المجتمعات، التي لم يعتبرها البريطانيون «أمة»، الأغلبية العربية، البالغ عددها 600 ألف نسمة، والتي كانت تشكل آنذاك 90 في المائة من سكان الأراضي التي سيشملها الانتداب البريطاني على فلسطين في المستقبل. ثم أدرجت هذه الالتزامات المتناقضة تجاه مصالح الشعوب المختلفة في نص الانتداب على فلسطين، الصادر عن عصبة الأمم عام 1922.

نشأت العناصر المتضاربة في إعلان عام 1917 عن اختلاف الآراء داخل مجلس الوزراء في وستمنستر. اعتقد آرثر بلفور، وزير الخارجية ومؤلف الإعلان الذي يحمل اسمه، أن سياسة مؤيدة للصهيونية ستساعد بريطانيا على كسب دعم اليهود في جميع أنحاء العالم. وافترض «بشكل خاطئ» أن لهم تأثيراً على صنع السياسات في الولايات المتحدة وروسيا الثورية.

الشرق الأوسط
التعليقات (0)

خبر عاجل