ملفات وتقارير

لماذا يفضل معتقلون مصريون الموت انتحارا على التغريب إلى سجن بالصحراء الغربية؟

أعلن 53 معتقلا دخولهم في إضراب مفتوح عن الطعام حتى الموت حال تغريبهم- الأناضول
أعلن 53 معتقلا دخولهم في إضراب مفتوح عن الطعام حتى الموت حال تغريبهم- الأناضول
أن يتحوّل حلم المعتقلين في مصر من الإفراج إلى البقاء داخل سجنهم الحالي وعدم نقلهم إلى "سجن الوادي الجديد"، المعروف بين السجناء بـ"سجن الموت"، يكشف عن واقع مقلق داخل منظومة الاحتجاز، ويطرح تساؤلات ملحّة حول ظروف هذا السجن والأسباب التي تدفع المعتقلين لتفضيل استمرار الحبس على الانتقال إليه.

والخميس الماضي، قرّرت مصلحة السجون المصرية نقل 72 سجينا من سجن "أبوزعبل 2"، القريب من القاهرة (30 دقيقة)، إلى سجن "برج العرب" بالإسكندرية، وسجن "الوادي الجديد" في المحافظة النائية التي تبعد عن العاصمة المصرية بمسافة تتراوح بين (750 إلى 850 كيلومتر) تقطعها السيارة في 10 ساعات.

اظهار أخبار متعلقة


تلقّى 53 معتقلا جرى تغريبهم لسجن "الوادي الجديد" القرار بالرفض، معلنين عن دخولهم في إضراب مفتوح عن الطعام حتى الموت، ملوّحين بالانتحار الجماعي، حال تنفيذ قرار ترحيلهم قسرا، وفق "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"؛ المعتقلون في رسالة نقلتها المنظمة الحقوقية العاملة من العاصمة البريطانية لندن، قالوا: "موتونا هنا، لأننا إذا رحلنا سنموت هناك، ولن نرهق أهالينا ونموتهم في طريق الموت إلى سجن الوادي الجديد".


وألمحوا إلى أنّ ارتباطهم بجلسات محاكمة في محكمة "الخانكة"، (20 دقيقة من القاهرة)، قد يؤثر على إجراءات التقاضي، وأن تمنع المسافة الكبيرة عن "الوادي الجديد" حضروهم، مع احتمال تعرضهم لأذى أثناء نقلهم داخل سيارات الشرطة غير الآدمية لما بين 10 و15 ساعة ذهابا ومثلهم إيابا.

وطالب المعتقلون بوقف قرارات الترحيل، ونقلهم –إن كان لا بد– إلى سجون قريبة من محل إقامتهم، رحمة بأسرهم التي تُضطر إلى قطع مئات الكيلومترات في ظروف شاقة وخطيرة لزيارتهم، في ظل أزمة اقتصادية خانقة.

مخالفة للمعايير وانتهاك للقانون
في 9 أيلول/ سبتمبر الجاري، كشفت منظمات حقوقية عن مواصلة الأمن الوطني سياسة الانتقام السياسي، بتغريب 2 من أقارب الفنان المعارض من الخارج هشام عبد الله، إلى سجن "الموت" الوادي الجديد بالصحراء الغربية وهما: محمد عبد الحميد (44 عاما)، وعبدالله فكري (53 عاما).

ويخالف الترحيل القسري إلى سجون نائية يصعب الوصول إليها أو "التغريب"، المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ويمثّل انتهاكا للقانون المصري الذي ينص بوضوح على إيداع السجين بسجن قريب من محل إقامته، بما يتيح لأسرته متابعته ورعايته.

وهو الإجراء الذي يعتبره حقوقيون: "عقوبة مضاعفة للعائلات التي تُجبر على السفر لمئات الكيلومترات إلى الصحراء الغربية، بما يحملها أعباء مالية ومشقة بدنية ومعاناة صحية ونفسية قاسية، ويحول السجن من عقوبة إلى وسيلة للانتقام"، ويحرّمه من الحرية والأمان الشخصي، ويعرضه للعقاب الجماعي، ويقلّل ضمانات المحاكمة العادلة.

والجمعة الماضية، طالبت منظمة "هيومن رايتس إيجيبت" السلطات المصرية "وقف هذه القرارات العبثية التي من شأنها تكدير السجناء، وذويهم، ورفع معاناتهم إلى الحدود القصوي، والتي قد تؤدي بهم في النهاية إلى الانتحار".



لماذا سُمي بـ"سجن الموت"؟
يتم تداول معلومات حول أعداد الوفيات داخل سجن "الوادي الجديد"، عبر تقارير وتوثيقات المنظمات الحقوقية، في ظل حجب السلطات أية معلومات، ورفضها الرقابة المستقلة على السجون، وعدم إعلانها عن تلك الوقائع، بل ونفيها ما توثقه المصادر الحقوقية.

تشير نتائج تقارير المنظمات عن سجن "الوادي الجديد"، إلى أن الوفيات ترتبط بـ"الإهمال الطبي الجسيم، ومنع الرعاية الصحية للمصابين بأمراض مزمنة، مع الظروف المعيشية القاسية، من سوء التهوية، وقلة الطعام والماء، وعدم وجود دورات مياه ملائمة، ما يؤدّي إلى الإصابة بأمراض جلدية وكلوية تفضي للوفاة".

وذلك إلى جانب "الغموض في ملابسات الوفاة التي تحدث نتيجة ضرب وتعذيب، وإهمال طبي، وتسجلها السلطات على أنها (هبوط حاد في الدورة الدموية)"، ومن تلك النماذج ما كشفت عنه "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، في 8 أيلول/ سبتمبر الجاري، عن تفاصيل مقتل الرائد بالقوات المسلحة المصرية طارق أبوالعزم.

وبعد عام من وفاة أبوالعزم، بسجن "الوادي الجديد"، وثّقت المنظمة قيام قوات الأمن المصرية في 3 آب/ أغسطس 2024، بعمليات تعذيب ممنهجة مدة 5 ساعات، أدّت إلى تصفية أبو العزم، الذي لفظ أنفاسه الأخيرة داخل غرفة التأديب رقم (5) في ما يُعرف بـ"ربع الجحيم" (الغرف 5 إلى 9) بعنبر (4)، أو ما يعرف بـ"ربع الجهاديين".

معلومات المنظمة أكدت قيام "القوة الضارية" من الضباط والمخبرين بالسجن، بما وصفوه بـ"فض إضراب المعتقلين بالغرفة رقم (5)، بتعصيب أعينهم وتمزيق ملابسهم، وتقييد أيديهم من الخلف، وضربهم بالهراوات والصواعق الكهربائية، وسحلهم على بطونهم بممرات العنبر وفوق درجات السلالم وأرضية خرسانية، مع الضرب العشوائي، ووقوف أحد الضباط فوق ظهر المعتقل المتوفى لنحو 20 دقيقة، ثم وضعهم جميعا بزنازين تأديب، ليموت على أثرها أبو العزم بعد 10 أيام من الواقعة".

وفي واقعة ثانية شهدها "سجن الموت"، وإثر تعرضه لاعتداءات وتعذيب مميت، توفي المعتقل السياسي محمد زكي، في حزيران/ يونيو 2024، داخل غرف التأديب، وذلك بعد أقل من شهر واحد فقط من ترحيله من سجن "المنيا" بالصعيد.

واقعة ثالثة، جرت بتاريخ 17 آب/ أغسطس 2024، بوفاة المعتقل حسام أبو العباس نتيجة تعذيب شديد بعد 6 أيام فقط من وصوله سجن "الوادي الجديد"، يؤكد حقوقيون أن تلك الجرائم جزء قليل مما يجري توثيقه والذي يعتبر قليل جدا بالمقارنة لما يجري من انتهاكات وأوضاع لا إنسانية يعاني منها المعتقلون هناك.

وفي إجابتهما على تساؤلات "عربي21"، حول قصة سجن الوادي الجديد، وأسباب شكاوى المعتقلون منه، وإطلاقهم عليه "سجن الموت"، وما يعنيه أن يكون الموت انتحارا أحب لهم من تغريبهم إليه، تحدث باحثان حقوقيان كاشفين عن تفاصيل ووقائع شديدة القسوة.

لهذا يفضّلون الموت
البداية من مدير وحدة الرصد والتوثيق بـ"الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" خالد محمود، الذي قال: "وصلنا لأسباب تفضيل المعتقلين الموت على الترحيل إلى سجن الموت بالوادي الجديد، عبر ما رصدته ووثقته الشبكة من أوضاع كارثية يعيشها المعتقلون هناك، ونقلوها لأسرهم التي تقوم بزيارة شهرية تخوض عبرها أصعب تجربة إنسانية".

الباحث الحقوقي نقل لـ"عربي21"، شهادة أسرة أحد المعتقلين حول أوضاعه القاسية، وتساؤلاتها عن كيفية إنقاذه "من سجن الظلام هذا، بعد أن رأته في الزيارة الأخيرة"، وفق تعبيرها.

وتقول الأسرة: "الزيارة الأخيرة كانت كسابقاتها قاسية ومحبطة خاصة وأن نفسيته كانت سيئة جدا، في حالة انتقلت لنا بعدما رأينا الوضع الذي يعيش فيه"، وإلى جانب معاناته ومعاناتها النفسية، تشير الأسرة إلى أنّ: "معاناتنا البدنية والمالية كبيرة، وذلك بعد رحلات سفر شاقة طويلة جدا، حيث نخرج قبل الزيارة بيوم كامل حتى نصل بالموعد المحدد، ونعاني بشدة بالمعنى الحرفي للكلمة".

وتوضح أنّ: "الحصول على إذن بالزيارة والدخول وإجراءات التفتيش استغرقت 8 ساعات كاملة، وسط بطء شديد متعمد في كل إجراء ومعاملة مهينة ومُذلة دون سبب، حتى سُمح لنا بالدخول".

وتلفت إلى أنه "مع كل تلك المعاناة فإن المسموح لنا في الزيارة التي سبقها تشديد كبير جدا في التفتيش الذاتي ولما معنا من زيارة، هي مدة 3 دقائق فقط"، وفق قولها، وتختم قائلة إن "أحواله وأوضاع من معه من المعتقلين قاسية جدا، في كل شيء منذ أول دقيقة وصل فيها، وعلى غير ما كان وضعه بكل السجون التي كان فيها".

الانتهاكات والبعد والعزل والموت البطيء
من جانبه، قال الباحث الحقوقي عبد الرحمن حمودة: "الوادي الجديد يُعرف بين المعتقلين وذويهم بسجن الموت بسبب ظروفه المروعة، ويُعد واحدا من أسوأ السجون المصرية من حيث الانتهاكات، والبعد الجغرافي، والعزل شبه الكامل".

وأضاف لـ"عربي21"، أن "يهدد معتقلون بالانتحار رفضا للترحيل إليه هو صرخة إنسانية يجب أن تُفهم بعمق، لا كمجرد احتجاج، بل كإعلان صريح بأن ما ينتظرهم هناك ليس أقل من الموت البطيء".

وفي تفصيله لأسباب إطلاق اسم "سجن الموت" على الوادي الجديد، أشار إلى عنصر "الموقع الجغرافي القاسي"، مبينا أنه "يقع في محافظة الوادي الجديد، على بُعد أكثر من 800 كم من القاهرة، ما يجعل الزيارات شبه مستحيلة، خاصة لأهالي المعتقلين الفقراء أو كبار السن".

ولفت ثانيا، إلى جانب "العزل التام"، موضحا أنّ: "المعتقل هناك يُقطع عن العالم الخارجي؛ فلا زيارات منتظمة، لا اتصال، لا محامين، لا إشراف قضائي فعّال"، وثالثا، أشار إلى "انعدام الرعاية الصحية، خاصة وأن السجن مشهور بالإهمال الطبي المتعمد، حيث تُترك الحالات الحرجة دون علاج، ما أدى إلى وفاة العديد من المعتقلين سابقا".

وألمح إلى "البيئة القاسية"، حيث "درجات الحرارة في الصيف قد تصل إلى 50 مئوية، وفي الشتاء تنخفض إلى ما دون الصفر، دون أي تجهيزات إنسانية ملائمة"، وذكر "التعذيب وسوء المعاملة"، كسبب خامس لتلك التسمية، موضحا أنه "تم توثيق شهادات كثيرة عن سوء المعاملة، الضرب، التعذيب النفسي والجسدي، وحرمان السجناء من أبسط حقوقهم الإنسانية".

ماذا يعني تهديد المعتقلين بالانتحار؟
يرى حمودة، أنها "صرخة من القاع"، مبينا أنّ: "المعتقل لم يعد يطالب بالحرية، بل فقط ألّا يُدفن حيا في مكان يُعرف بين الجميع بأنه نقطة اللاعودة"، مشيرا إلى عامل "فقدان الأمل الكامل لدى المعتقلين"، مؤكدا أنه "إذا كان الموت في مكانه الحالي أهون عليه من الترحيل، فهذا يعني أن الدولة تنقل السجناء من سجن إلى مقبرة".

واعتبر أنها "إدانة صريحة للمنظومة، واتهام للنظام بأنه يُفرغ فكرة السجن من العقوبة ويحوّلها إلى وسيلة تعذيب وجودية تنتهك كرامة الإنسان حتى آخر رمق"، وتساءل: "أليس من المخجل أن يُصبح عدم الترحيل هو الحلم؟"، مشيرا إلى أنّ "هذا وحده يكفي كدليل على بشاعة الواقع في السجون المصرية تحت حكم قمعي لا يعرف معنى الكرامة أو القانون".

رسالة عمر: أعيش أو أموت بني آدم
في وقائع مماثلة لما يجري في سجن الوادي الجديد، كشفت والدة المعتقل عمر محمد علي، أمل سليم، الأربعاء الماضي، أن نجلها أبلغها في آخر زيارة بدخوله في إضراب عن الطعام، مشيرة لقوله: "إما أعيش داخل السجن بني آدم أو أموت بني آدم".

وأوضحت أنه: "لا يطالب بإخلاء سبيله بل يطالب بحقه في معاملة آدمية داخل السجن بعد تدهور صحته وإصابته باشتباه جلطة، وذلك بمواجهة رفض إدارة السجن الاستجابة لتطورات وضعه الصحي".



4 رسائل وانتهاكات لا تتوقف
إلى جانب ما يواجهه معتقلوا سجن الوادي الجديد من انتهاكات وأوضاع صعبة، كشف تسريب جديد من مجمع محاكم بدر، الثلاثاء الماضي، للمحامي والسياسي والبرلماني المعتقل منذ آب/ أغسطس 2013، عصام سلطان، عن أوضاع كارثية وتردي الحالة الصحية للمعتقلين وخاصة المرضى بأمراض مزمنة وكبار السن في "قطاع 2"، سجن "بدر3"، القريب من العاصمة الإدارية الجديدة نحو (10 دقائق).

وأكد على استمرار إضراب المعتقلين عن الطعام رغم تعرضهم لمزيد تنكيل وانتهاكات واعتداءات وتعذيب، لرفضهم فض الإضراب المفتوح، الذي دخل شهره الثالث على التوالي، ولفت إلى وضع صحي صعب يواجهه الداعية الإسلامي والعالم الأزهري، عبد الرحمن البر، المضرب عن الطعام للشهر الثالث، وضعف شديد وتدهور حالته الصحية وفقدانه نحو 50 كيلوجراما من وزنه.

ويجري حرمان المعتقلين في بدر3 من أبسط الحقوق المكفولة قانونيا ودوليا، وبينها منع الزيارات والتواصل مع العالم الخارجي ومع ذويهم لسنوات طويلة، ومنعهم من التعرض لاشعة الشمس والتريض، والحبس الانفرادي، ومنع دخول الأدوية، وتجاهل أوضاعهم الصحية.

اظهار أخبار متعلقة


وفي رسالة ثالثة تلقى مركز "الشهاب لحقوق الإنسان"، بيانا، من المعتقلين السياسيين في قطاع (2) سجن بدر 3، يكشفون فيه عن الانتهاكات المستمرة بحقهم على مدار 12 عاما، بدءا من المحاكمات التي تفتقد أدنى ضمانات العدالة، مرورا بالحبس الانفرادي في زنازين مغلقة 24 ساعة يوميا لعقد كامل دون شمس أو مقومات حياة آدمية، وانتهاء بالحرمان من الزيارة منذ سنوات.

ووجّه المعتقلون "نداء إلى العالم الحر ومؤسساته لزيارة السجون المصرية والاطلاع على أوضاعنا وشهاداتنا، وكشف الحقيقة التي يتم إنكارها ونفيها"، فيما دعا مركز الشهاب إلى تحرك عاجل من الجهات القضائية والدولية لوقف هذه الجرائم.



وكشفت رسالة رابعة، عن تصاعد الانتهاكات والإجراءات القمعية بحق المعتقلين بسجني "ليمان"، و"شديد الحراسة" بالمنيا (صعيد مصر)، على يد ضابط الأمن الوطني طارق عبدربه، مشيرة لأمره تكبيل المعتقلين من أيديهم أثناء الزيارات وعند نقلهم للمستشفيات، في وضع قاس نفسيا وبدنيا، وفق حقوقيين.
التعليقات (0)

خبر عاجل