ملفات وتقارير

منظمة إسرائيلية تدعم جنود الاحتلال لتجاوز الآثار "السلبية" لحرب الإبادة على غزة.. ماذا تعرف عنها؟

منظمة إسرائيلية "لتعافي الجنود" بين العلاج النفسي والتغطية على الإبادة الجماعية - جيتي
منظمة إسرائيلية "لتعافي الجنود" بين العلاج النفسي والتغطية على الإبادة الجماعية - جيتي
في 19 أيلول/سبتمبر الماضي٬ وفي خطوة قانونية غير مسبوقة، تقدمت مؤسسة "هند رجب" الحقوقية بشكوى جنائية رسمية أمام النيابة العامة في محكمة أثينا باليونان، تستهدف جنديا إسرائيليا متهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة

وتأتي هذه الخطوة وسط ضغوط دولية متزايدة على الاحتلال الإسرائيلي لمحاسبة قادته العسكريين على ما يُرتكب بحق المدنيين الفلسطينيين من إبادة جماعية والتطهير العرقي، في حين يتلقى جنود شاركوا في هذه العمليات برامج إعادة تأهيل في أوروبا، تثير جدلا واسعًا حول مفهوم "المساءلة" و"العدالة الدولية".

تفاصيل الشكوى
الشكوى التي قدمتها المحامية اليونانية "إفجينيا كونياكي"٬ بتاريخ 19 أيلول/سبتمبر الماضي٬ نيابة عن مؤسسة "هند رجب"٬ تستهدف "ناور شلومو دادون"، الجندي في لواء "جفعاتي" الكتيبة 432 "تسابر"، بسبب ما أوردته المؤسسة من أدلة توثق تورطه المباشر في تدمير البنية التحتية المدنية في غزة خلال الفترة الممتدة من آب/أغسطس 2024 حتى آب/أغسطس الماضي.

تؤكد الشكوى أن دادون كان حاضرا أثناء عمليات إحراق وهدم الأحياء السكنية في رفح وجباليا، بما في ذلك مدرسة حمد بن خليفة التي كانت تؤوي نازحين، كما ساهم في تشريد عشرات آلاف المدنيين. 

وقد تضمنت الأدلة أيضًا منشورات على "إنستغرام" يظهر فيها وهو يرفع العلم الإسرائيلي فوق مبان مدنية مدمرة، إضافة إلى صور وهو يشوي الطعام في مناطق محاصرة تعاني من المجاعة، في مشهد يفضح تهوره واستعراضه لممارسات تنتهك القانون الدولي الإنساني.


الأدلة والتحقيقات
أرشفت مؤسسة "هند رجب" هذه المواد باستخدام أدوات التحليل الجنائي الرقمي لضمان سلامة الأدلة، وأصبحت جزءا من الملف المقدم للسلطات اليونانية. 

ويشير التقرير الذي أعدته المؤسسة إلى أن الوحدة التي ينتمي إليها دادون كانت مسؤولة عن تدمير المدارس والمستشفيات والمرافق العامة، ضمن حملة عسكرية أوسع أفضت إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين، ما يعد جريمة حرب وفق القانون الدولي.

اظهار أخبار متعلقة


برامج "إعادة تأهيل" القتلة
في الوقت الذي تكافح فيه غزة لتجاوز الكارثة الإنسانية والإبادة الجماعية والتهجير القسري والتطهير العرقي، يشارك الجندي الإسرائيلي دادون في برنامج ما يطلق عليه "الأبطال الصاعدون" الذي تنظمه منظمة إسرائيلية تُدعى "Rising Heroes"، تهدف إلى تعزيز ما تسميه "المرونة النفسية" للجنود القتاليين. 

وتقدم المنظمة تدريبات تشمل اليوغا والبيلاتس، وجلسات علاج نفسي فردية وجماعية، وأنشطة ترفيهية مثل السباحة والمشي في الطبيعة، بزعم مساعدة الجنود على معالجة "الصدمات النفسية" ومنع تطور اضطرابات ما بعد الصدمة قبل العودة إلى الخدمة العسكرية.

تصف المنظمة نفسها بأنها تحول "الصدمة إلى قوة"، معتبرة أن الجنود الذين شاركوا في العمليات القتالية هم "ضحايا" يحتاجون إلى معالجة، في حين يترك الفلسطينيون تحت ويلات الدمار والجوع، في ما يعتبر "إخفاء للحصانة الجنائية تحت ستار العلاج النفسي".

Image1_9202523103427780235482.jpg
أهداف البرامج
تسعى برامج "الأبطال الصاعدون"، وفق موقعها الإلكتروني الذي أغلق قبل يومين، واستطاعت "عربي21" في معرفة محتواه٬ إلى أربعة أهداف رئيسية:

- تمكين الجنود من إعادة شحن طاقتهم قبل العودة إلى القتال.

- معالجة الصدمات الجماعية مع فرقهم العسكرية.

- تدريب الجنود على أدوات نفسية للتحكم بالضغط والتوتر وحماية صحتهم الذهنية.

- إعادة سرد أحداث الحرب منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بشكل جماعي لضمان "ترسيخ ذكريات دقيقة" ومنع تشويه الرواية الرسمية.

يشارك الجنود في رحلات خارج الاحتلال الإسرائيلي، مثل اليونان وبنما وجورجيا، حيث يقودهم مختصون نفسيون وتربويون، وتتنوع الأنشطة بين التمارين البدنية، وجلسات العمل الجماعية، والأنشطة الترفيهية، وتختتم اليوميات بعشاء جماعي لتوطيد الروابط بين المشاركين.

اظهار أخبار متعلقة


الترفيه عن القتلة
هذا البرنامج ليس الوحيد، إذ سبق أن نظمت منظمة ما يطلق عليها "أصدقاء جيش الدفاع الإسرائيلي" برامج مشابهة، شملت توسيع برنامج ما اسمته "العلاج الأسري للمكلومين" إلى قبرص في كانون الأول/ديسمبر 2024، وافتتاح خامس عيادة لمعالجة اضطرابات ما بعد الصدمة في شباط/فبراير الماضي٬ ضمن مشروع بقيمة 117 مليون دولار، لتوفير الرعاية الصحية النفسية للجنود وعائلاتهم حتى في المناطق النائية.

تثير هذه المبادرات الجدل حول مفهوم العدالة الدولية، إذ يرى خبراء حقوقيون أن إعادة دمج الجنود المشاركين في عمليات قتل جماعي ضمن برامج علاجية يندرج تحت مفهوم الإفلات من العقاب، ويتيح لهم العودة إلى الخدمة العسكرية والإبادة الجماعية من جديد وكأنهم الضحايا الوحيدون، بينما يُترك المدنيون الفلسطينيون لتحمل تبعات جرائم الحرب.

كما يطرح الملف سؤالا حول مدى مسؤولية الدول الأوروبية التي تحتضن مثل هذه البرامج، والحدود القانونية للأدلة الجنائية الدولية، ومدى إمكانية محاسبة الجناة خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة.

تقدم الشكوى الجنائية المقدمة ضد "ناور دادون" مثالا نادرا على محاولات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية الدولية لفتح ملف المساءلة القانونية تجاه جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي المتورطين في جرائم حرب، في وقت تستمر فيه الإبادة ضد المدنيين في غزة، وسط جدل واسع حول برامج "التأهيل النفسي" التي توفرها منظمات إسرائيلية للجنود.

وتبقى القضية تحت الأنظار الدولية، وقد تفتح الباب لمزيد من التحقيقات القانونية في جرائم الحرب الإسرائيلية، فيما يواصل الفلسطينيون مواجهة نتائج هذه العمليات العسكرية المدمرة والتطهير العرقي، في حين يواجه الجناة برامج علاجية خارج حدود القانون.
التعليقات (0)