قالت صحيفة "
الغارديان" في افتتاحيتها إن إعلان
بريطانيا اعترافها بدولة
فلسطينية يجب أن يكون دعوة للعمل الجاد، وليس مجرد محاولة لتطهير الضمير أو خطوة رمزية بلا أثر، مشيرة إلى أن هذه الخطوة يجب أن تشكل بداية لجهود دبلوماسية متجددة تستهدف إنهاء الحرب على غزة وزيادة الضغط على
الاحتلال الإسرائيلي.
وأشارت الصحيفة إلى أن الوضع الإنساني في قطاع غزة كارثي، حيث قتل الاحتلال حتى الآن أكثر من 65 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، فيما يواجه شمال القطاع خطر الجوع المستمر، وتبدو احتمالات وقف إطلاق النار ضئيلة، ناهيك عن التوصل إلى تسوية سياسية طويلة الأمد.
وأكدت "الغارديان" أن إعلان رئيس الوزراء البريطاني كير
ستارمر اعتراف بلاده بدولة فلسطينية جاء في وقت يهدد فيه أمل حل الدولتين بالاضمحلال، لكنه شدد على أن "لا يمكننا أن ندع هذا النور ينطفئ"، مشيرة إلى أن كندا وأستراليا أعلنتا اعترافهما أيضا قبل انعقاد قمة الأمم المتحدة في نيويورك، في موجة دبلوماسية قادتها فرنسا.
ورأت الصحيفة أن الاعتراف البريطاني جاء مشروطا، إذ ربط ستارمر تنفيذه بموافقة الاحتلال الإسرائيلي على وقف إطلاق النار وشروط أخرى لن تلتزم بها حكومة بنيامين نتنياهو، ما جعله خطوة رمزية أكثر منها عملية. وأشارت إلى أن هذا التصرف يصور إقامة الدولة الفلسطينية كورقة مساومة، بدلاً من الحق غير القابل للتصرف للفلسطينيين في تقرير المصير.
وأوضحت "الغارديان" أن مسؤوليات بريطانيا التاريخية تجعل هذا الاعتراف ضروريا، لكنه يبقى غير كاف بمفرده، لافتة إلى أن الولايات المتحدة ستواصل عرقلة العضوية الكاملة للفلسطينيين في الأمم المتحدة. كما ذكرت أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد أيدت بأغلبية ساحقة اقتراحا يدعو إلى حل الدولتين في وقت سابق من الشهر الجاري، في خطوة رمزية مهمة لكنها تحتاج إلى متابعة عملية لتحقيق نتائج ملموسة.
ورأت الصحيفة أن الحكومات الغربية تحاول تخفيف غضب شعوبها بسبب تقاعسها أو تواطئها في الحرب على غزة، متجنبة اتخاذ خطوات أكثر جوهرية، بينما تتزايد عزلة إسرائيل سياسيا ودبلوماسيا يومًا بعد يوم.
وأشارت إلى أن الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب ظلت ثابتة في موقفها، غير أن الدعم الشعبي في الولايات المتحدة آخذ في التراجع، خصوصا بعد صدور تقرير مفصل للأمم المتحدة يؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب إبادة جماعية في غزة، في حين لم تتوصل بريطانيا حتى أسبوعين مضت إلى نفس الاستنتاج، وفق وزرائها.
اظهار أخبار متعلقة
ورد نتنياهو على الاعتراف البريطاني بوصفه "مكافأة للإرهاب"، مؤكدا أن تل أبيب قد تصبح "إسبرطة عظمى مكتفية ذاتيا" وتسعى إلى حرب لا نهاية لها. وأوضحت الصحيفة أن هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 أظهرت محدودية الدعم الشعبي لأي تسوية، حيث لم تتجاوز نسبة التأييد 21%.
وأشارت إلى أن الفلسطينيين لا يمكنهم الاعتماد على هذه الخطوة بعد مرور عامين من التصعيد العسكري، بينما يزداد خطر المزيد من الضم والطرد.
وتناولت "الغارديان" دور المستوطنين الإسرائيليين في تقويض حل الدولتين، مشيرة إلى أن الهجوم الإسرائيلي على غزة يبدو مصمما لدفن أي أمل في هذا الحل. وأضافت أن رفض دونالد ترامب منح المندوبين الفلسطينيين التأشيرات لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة يعكس سياسات أمريكية من شأنها إعاقة أي تقدم حقيقي، في حين يحاول إيمانويل ماكرون وآخرون الضغط من أجل صفقة شرق أوسطية كبرى، لكنهم يواجهون صعوبة في تحقيق أي تقدم دون إحراز مكاسب للفلسطينيين.
وأكدت الصحيفة أن الاتحاد الأوروبي، بصفتها أكبر شريك تجاري للاحتلال الإسرائيلي، يمتلك نفوذا حقيقيا، وقد دعت المفوضية الأوروبية مؤخرا إلى تعليق التجارة الحرة مع إسرائيل، إلا أن الإجراءات العملية لتقييد التعاون البحثي العسكري لم تُنفذ بعد. وشددت الغارديان على ضرورة أن تتخذ بريطانيا والدول الأوروبية خطوات فورية تشمل وقف نقل الأسلحة، وتخفيض الامتيازات التجارية، ومساءلة إسرائيل دوليا عن الانتهاكات في غزة.
وحذرت الصحيفة من أن الترويج لسراب دولة فلسطينية دون اتخاذ إجراءات جادة لوقف الإبادة سيكون "قاسيا وجبانا وأنانيا"، مؤكدة أن الأولوية يجب أن تكون لإنهاء القتل، وأن الهدف الحقيقي ينبغي أن يكون خلق فرص الحياة والوطن للشعب الفلسطيني، وهو ما كان ينبغي تحقيقه منذ عقود.
ورأت الغارديان أن اعتراف ستارمر، كما فعل نظراؤه في كندا وأستراليا، لا يضمن تعزيز حل الدولتين أو تقليص نفوذ حماس، إذ سيفسره معظم الإسرائيليين على أنه مكافأة للإرهاب وليس وسيلة لإحباطه.
وأكدت أن القرار لن يحقق فوائد ملموسة للفلسطينيين، لا سيما أن السلطة الفلسطينية أُضعفت اقتصاديا وسياسيا خلال الحرب الأخيرة، وباتت غير قادرة على إدارة مهام الدولة، ما يجعل الخطوة المتسرعة للحكومة البريطانية محفوفة بالمخاطر الإنسانية.
وأشارت الصحيفة إلى أن هناك اعتراضات براغماتية أخرى على الاعتراف، مثل عدم حسم حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية، ودستورها، وعاصمتها، ما يجعل الاعتراف الرمزي غير كافٍ ما لم يتبعه دعم دولي لضمان استقرار النظام السياسي الجديد. وأوضحت أن مؤسسات الدولة الفلسطينية غير قائمة بعد، ما قد يبرر لدى الاحتلال فكرة الضم لاحقا.