كتاب عربي 21

الإخوان.. الإخوان.. هل هي عين الإعلام الحمراء؟!

سليم عزوز
السلطة في مصر لن تحتاج لسؤال عن من يمثل الإخوان، ففي حضور الأصيل يبطل عمل الوكيل.. الأناضول
السلطة في مصر لن تحتاج لسؤال عن من يمثل الإخوان، ففي حضور الأصيل يبطل عمل الوكيل.. الأناضول
فجأة طرأت في رأسي فكرة، وقد زاد الهياج عن حدِّه، ووصلنا إلى مرحلة من العبث غير مسبوقة، تحذيرًا من المخاطر التي تهدد بإسقاط النظام المصري، ألم يقل أحد الإعلاميين إن الإخوان راجعون تاني؟!

ومع هذا الصراخ الإعلامي، وصل الحال إلى الاعتقاد أننا في "مرستان"، يخشى مع هذا الصراخ غير المحتمل أن يفقد المشاهد عقله، والمزعج ألا يتصور هؤلاء الإعلاميون أن خطابهم يتلقاه الناس بسخرية واسعة، كفيلة بأن تزعج النظام، وهو يرى أذرعه الإعلامية لا تقدم خطابًا يقتنع به الناس، ويجمع حوله الأنصار، والأستوديوهات تحولت إلى مستشفيات للنساء، والقوم جاءهم المخاض، وهم في مرحلة "الطلق" لولادة متعثرة، وانطلقوا من مرحلة الصراخ إلى الهذيان!

هل يعتقدون أن المتلقي يقتنع بهذا الخطاب الذي تجاوز مرحلة البؤس إلى مرحلة الجنون؟ فكيف يقتنع النظام أن الرأي العام سيتقبل أن يتم تمرير كلام عن إخوانية نتنياهو، وكيف أنه المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وأنه في الوقت نفسه يترأس التنظيم الدولي للجماعة؟ فماذا بقي في العقول؟!

وهل يمكن لأي كائن حي أن يقبل تمرير كلام مختار نوح عن الإخوان الذين يرشون الزيت في الطرق العامة استهدافًا لتصادم السيارات؟ وأزمة الطريق الإقليمي لا تقول البتة إن زيتًا أُلقي، ولكن لعيوب في التنفيذ، ورعونة في القيادة، وخلل في مواصفات الأمن والسلامة!

هل الإخوان يخيفون فعلًا حد الفزع؟ وهل يمكن أن يمثلوا خطرًا على النظام الحالي؟ وهل الشعور بالخطر هو الذي دفع لتبني خطاب "الإخوان ساهموا في بناء المستوطنات"، ومن ثم الإعلان عن أن "الإخوان راجعين"؟!
وهل يُعقل في مجتمع عاقل أن يُذاع عبر إعلامه ما قاله أحدهم: إن الإخوان ساهموا في بناء المستوطنات الإسرائيلية؟ وإذا كان القول تزيدًا من ضيف يُصفّي حساباته مع جماعة لفظته، وبينهما مشاكل تنظيمية قضت على عشقه، وكيف أن الجماعة هي حبه الأول، على النحو الذي ورد في كتابه الأول، فكان ينبغي على المذيع أن يصده، فإذا كان المتحدث مجنونًا فليكن المستمع عاقلًا. لكن ما حدث هو العكس؛ فالإعلام المملوك للسلطة احتفى بهذه التصريحات وبروزها ونشرها على العامة، فتلقّت سيلًا عارمًا من السخرية عبر منصات التواصل الاجتماعي. هل توجد جهة تراجع هذه التعليقات لتقدير الموقف من الرسالة الإعلامية؟!

مؤمن آل فرعون

في البداية، عندما كنت أسمع هذا الهياج المنبعث من الأستوديوهات، كنت أسأل عن السبب، فلا أجد على النار هدى، فيستقر في وجداني أن هناك خطرًا حقيقيًا يتعرض له النظام ربما من داخله، ومن خلال رسائل يروج لها نفر من الناس في الخارج عن «مؤمن آل فرعون»، مع اعتقادي أنها فكرة أنتجتها المحنة، ويتبناها من فهمهم السياسي في حدود استدعاء نصوص دينية أو وقائع حدثت في التاريخ الإسلامي، وتطبيقها على واقع مختلف. ويسرح البعض بخياله حدّ تصور أن المؤسسة العسكرية المصرية، هي كالمؤسسة العسكرية التركية قبل أردوغان، تتدخل في القرار السياسي. وهي نظرية تم تكريسها منذ الثورة: في جانب منها دعاية للمؤسسة والتأكيد على أنها صاحبة الحق في الحكم، وفي جانب آخر من الذين يبررون هزيمتهم في إدارة شؤون البلاد، فلم تستمر تجربتهم أكثر من عام، والأمر نفسه ساهم فيه فصيل 30 يونيو، عندما فوجئوا أنهم كانوا مظلة لعودة الحكم لمستحقيه؟!

ومع ذلك، ونتيجة لهذا الصياح في الأستوديوهات، قلت: وما الذي يمنع أن تكون أفكاري قديمة، وأن هناك مؤمن آل فرعون فعلًا، وهناك من لم يملوا من ترويج ذلك، وتحت الضغوط العصبية ربما يصل التخيل بأحدهم أن يتصور أنه على اتصال دائم مع هذا المؤمن. ولدرجة أن هناك من أرسل لي ما يفيد أن بينهم وبين القاهرة مسافة السكة، بل قرأت تحذيرًا للمتخاذلين الذين لا يؤمنون بذلك فحتى السلامة لن يجدوها. قلت: لقد كتب علينا الموت في الغربة إذن!

الغرق وعودة الإخوان

بيد أن من في الأستوديوهات لن يذهب بهم الأمر بعيدًا، ولو وجدوا مؤمن آل فرعون لكانوا أول المؤمنين به. فليس هذا هو السبب فعلًا في هذا الصراخ، على قاعدة: الحقونا.. نحن نغرق تحت الماء!

فهل المشكلة فعلًا في الإخوان، وقد قال أحدهم: «الإخوان راجعين»؟! ولا يوجد دليل واحد على ذلك. إنهم يخلطون أبو قرش على أبو قرشين، ويحسبون الجميع على الإخوان، فحتى أبو العرايس الذي يفخر بالانتماء للديانات المصرية القديمة، ولحورس خالد الذكر، أُلقي القبض عليه بتهمة الانتماء للإخوان، وإن أُخلي سبيله بعد خمسة عشر يومًا من الحبس الاحتياطي، فلا يعني هذا أنه حصل على البراءة من الاتهام!

فهل هناك أحد في الخارج، ولو من غير الإخوان، يقدم نفسه على أنه خوميني زمان أو شرع هذه الأيام، ويقود جيش التحرير على مشارف القاهرة؟ إن نفرًا يعطون إشارة بذلك، والسوابق تقول إن طي ملفات لأمثالهم تمت بسهولة، وهناك اثنان من دعاة الثورة المسلحة نزلا مصر على الرحب والسعة، ليتمكنا من مشاهدة الآمال العريضة في عيون الناس!

فهل الإخوان يخيفون فعلًا حد الفزع؟ وهل يمكن أن يمثلوا خطرًا على النظام الحالي؟ وهل الشعور بالخطر هو الذي دفع لتبني خطاب "الإخوان ساهموا في بناء المستوطنات"، ومن ثم الإعلان عن أن "الإخوان راجعين"؟!

إنني واحد من الذين يدركون أنه بعد أكثر من 70 عامًا من التعامل الأمني للحكم العسكري مع الإخوان صاروا أمامه كتابًا مفتوحًا. فهل لدى أهل الحكم قناعة أن الإخوان الآن يفكرون في العودة للحكم بالقوة أو بالانتخابات؟ وألا يعتقد النظام الحاكم أنه يمكن إبرام مصالحة، في حدود الإفراج عن المعتقلين وعودة المبعدين، والأموال المصادرة، ولو كان الثمن الابتعاد عن ممارسة السياسة لسنوات طويلة قادمة؟!

لقد تحدث الدكتور محمود حسين في بودكاست، ولم يذكر شيئًا عن الدماء التي أُريقت، ونحن في أجواء ذكرى مذبحة رابعة، وبدا مستعدًا للدخول في اتفاق مع «المؤسسة العسكرية» التي لم يفقد احترامه لها، وإن كان هو نفسه تبنّى الأصوات الأكثر راديكالية، إنما كان معلومًا لواحد مثلي أن الهدف هو استيعابها وتمييعها!

لقد قرأنا في مذكرات رجال عبد الناصر كيف أنه كان أسيرًا للأجهزة الأمنية التي تتحكم في خط سيره، فيمنعونه من الخروج في هذا اليوم، أو تحويل مساره، بحجة أن هناك مخططات إرهابية تستهدفه. فهل انتقلت المهمة من الأمن للإعلام، من خلال التخويف من الأخطار التي تهدد الأوضاع الراهنة؟
لا تقل لي: من القائم بأعمال المرشد العام: الأستاذ صلاح عبد الحق، أم محمود حسين؟ فالواقع أن الأخير عبّر عن سياق الجماعة، ومُكلَّف الأشياء فوق طباعها، كمتطلب من الماء جذوة نار!

والسلطة في مصر لن تحتاج لسؤال عن من يمثل الإخوان، ففي حضور الأصيل يبطل عمل الوكيل. والإخوان في السجون، ويعرف النظام - كما نعرف - لمن يتوجه ومن صاحب القرار والقول الفصل. فهل الخوف فعلًا من تكتيكات الإخوان للعودة حتى يقال: الإخوان راجعين تاني؟ وفي أجواء الحرب لا مانع من استخدام الأسلحة الفاسدة، على النحو الذي صورته كتب التاريخ المدرسية عن سلاح الحكومة المصرية في حرب 1948، بالقول إن نتنياهو إخوان؟! فالضرورات تبيح المحظورات!

تصدير الخوف للسلطة

والحال كذلك، فقد طرأت في رأسي فكرة، وهي: ولماذا لا يكون هذا الهياج في الأستوديوهات هو لتصديره لأهل الحكم، بأن هناك خطرًا محدقًا يتعرض له النظام، حتى لا يتم تسريحهم ويستمر التمسك بهم؟ وفي الأجواء الطبيعية، فإنه بمقاييس الأداء المهني، بل وبمقاييس النجاح في المهمة، لا يمكن أن يستمروا يومًا واحدًا في الساحة.

هل نذكر في انتخابات السيسي الأولى كيف أجمعوا على خطاب واحد، وظلوا ليومين يصرخون لعزوف الجماهير عن الإدلاء بأصواتهم، ويصرخون في البرية من خطورة ذلك، الأمر الذي جعلنا في أزمة، وقد كنت أستعد بالأدلة والقرائن عن عزوف الناس، فإذا بالبديل القاطع من الأذرع الإعلامية بأن الجماهير قاطعت المشهد الانتخابي لعدم قناعتها به. الأمر الذي ترتب عليه مدّ يوم للانتخابات، وكان هذا عجبًا!

فالأصل أن المد هو عندما يحتشد الناخبون ولا يسعفهم الوقت من الإدلاء بأصواتهم نتيجة الزحام الشديد، وليس للعزوف. ووافق حمدين صباحي المنافس الصوري على المد، والمفاجأة أنه سحب مندوبيه من اللجان!

كان واضحًا أن ذلك من أجل تلافي آثار الرسالة الإعلامية، التي لم تمكّن من تزوير الانتخابات ومنح فرصة لتحول هذا الخطاب، وهو ما حدث بالفعل، وقيل إن هذا اليوم الإضافي شهد إقبالًا من الناخبين منقطع النظير!

كنا ندرك أن الإعلام يذبح القطة للسلطة الجديدة، وأنه يريها العين الحمراء، حتى تصلها رسالة أنهم قادرون على إضعاف مركزها، ولا يكون التفكير في التخلص!

لقد قرأنا في مذكرات رجال عبد الناصر كيف أنه كان أسيرًا للأجهزة الأمنية التي تتحكم في خط سيره، فيمنعونه من الخروج في هذا اليوم، أو تحويل مساره، بحجة أن هناك مخططات إرهابية تستهدفه. فهل انتقلت المهمة من الأمن للإعلام، من خلال التخويف من الأخطار التي تهدد الأوضاع الراهنة، فلا يقدم النظام على حلحلة الموقف السياسي المتأزم، وإتاحة هامش من الحرية لتسيير الأحوال، لأنهم حتمًا سيفقدون مواقعهم إذا حدث هذا؟

وبالتالي فهذا الصراخ ليس مبعثه الألم.. ولكن التخويف. ومع التخويف يبقَ الحال على ما هو عليه.

هل لديك رأيًا آخر؟!
التعليقات (0)

خبر عاجل