ملفات وتقارير

"بسم الله مجراها ومرساها".. "حنظلة" تبحر من إيطاليا نحو غزة لكسر الحصار

حنظلة، التي حملت الاسم الأشهر في الذاكرة الفلسطينية ـ توقيع ناجي العلي وصورة الضمير الذي لا يستدير ـ تتحول اليوم إلى قارب فعلي يحمل ضمير العالم.. الأناضول
حنظلة، التي حملت الاسم الأشهر في الذاكرة الفلسطينية ـ توقيع ناجي العلي وصورة الضمير الذي لا يستدير ـ تتحول اليوم إلى قارب فعلي يحمل ضمير العالم.. الأناضول
رست سفينة "حنظلة" بهدوء في ميناء غاليبولي الإيطالي، وكأنها تُمهّد لانطلاق صاخب نحو أكثر القضايا عدالة وإلحاحا في القرن الحادي والعشرين: غزة المحاصَرة منذ نحو 18 عامًا.

مع انطلاق السفينة صباح اليوم نحو سواحل القطاع، أعاد مراسل الجزيرة محمد البقالي التذكير بالمعنى القرآني العميق لهذه الرحلة، مغرّدًا: "بسم الله مجراها ومرساها".

حنظلة، التي حملت الاسم الأشهر في الذاكرة الفلسطينية ـ توقيع ناجي العلي وصورة الضمير الذي لا يستدير ـ تتحول اليوم إلى قارب فعلي يحمل ضمير العالم في رحلته البحرية الـ37 لكسر الحصار عن قطاع غزة.



صُمّمت سفينة "حنظلة" لتكون أكثر من مجرد وسيلة نقل بحرية؛ هي مساحة عائمة للتضامن العالمي، وصوت رمزي للعدالة في وجه صمت العالم. طاقم السفينة، مكوّن من نحو 20 ناشطًا دوليًا، بينهم نائبتان في البرلمان الفرنسي وشخصيات إنسانية بارزة أبرزهن الناشطة الإيرلندية كويفا باترلي، التي قالت بصراحة: "حنظلة هو ضمير العالم حين يدير ظهره للعدوان، وحين يصمت أمام إبادة شعب كامل".

من غرفة القيادة حيث الخرائط تفرش بحذر على طاولة خشبية، يبدأ المسار من جنوب إيطاليا إلى شواطئ غزة، مرورًا بمياه دولية شائكة سياسيًا، ومليئة بالتحديات القانونية والتهديدات الأمنية. لا يحمل الطاقم أسلحة، بل ألعاب أطفال، رسائل تضامن، وجرّات صغيرة فيها مدخرات عائلة تونسية إيطالية أرادت أن تصل تبرعاتها إلى غزة مباشرة، لا عبر وسيط.

بحسب توثيق المنظمات الدولية، فإن هذه هي المحاولة رقم 37 لكسر الحصار البحري المفروض على القطاع. من بين هذه المحاولات، لم تنجُ سوى 5 سفن فقط، في حين تعرضت البقية للاعتراض، أو التخريب، أو حتى الهجوم العسكري المباشر من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

سفينة "حنظلة" صغيرة نسبيًا، لكنها تضم 12 سريرًا خشبيًا بطابقين، مطبخًا متواضعًا، وقوارب نجاة ثلاثة. أما الطعام، فستتكفل بتحضيره "جدة العالم" كما يُلقبها الطاقم، النرويجية فيكتيس (70 عامًا)، التي تصر على دعم هذه المهمة رغم سنها المتقدم.

على جدران السفينة، تتوزع لوحات فنية مرسومة بأيدٍ إيطالية صغيرة، تحمل ألوان علم فلسطين، وعبارات تضامن كتبت بلغات متعددة. إحدى الفتيات رسمت وجه "حنظلة" وأرفقته بكلمات: "حين يعجز الكبار، يتكلم الأطفال".

تقول باترلي: "هذا المركب ليس فقط قاربًا، بل رسالة من الشعوب الحرة التي ترفض أن تنسى أطفال غزة، أو تقبل بمشهد المجازر كأمر طبيعي".

أهدت مزارعة إيطالية للسفينة نبتة صبّار، وطلبت أن تُزرع في غزة إن وصلت الرحلة بسلام، وقالت: "كل نبتة صبّار تُزرع في أرض محتلة، شهادة على صبر لا ينكسر، وصمود لا يُساوَم".

من جهتها عبّرت الناشطة الإيرلندية عن هدف الرحلة: "لسنا هنا لأجل السياسة، بل لنُظهر للعالم أن هناك من يرفض هذا الإجرام الجماعي، ومن يصر على أن يقف في وجه صمت قاتل. هذه السفينة ليست حلاً، لكنها صرخة في وجه بحر من التواطؤ".

ما زال الطاقم يتوقع احتمال اعتراضهم كما حدث مع سفن سابقة، خاصة بعد أن صرّح الاحتلال مؤخرًا بأنه "لن يسمح بخرق السيادة البحرية" حول قطاع غزة. رغم ذلك، لم تثنِ هذه التهديدات الطاقم عن مهمته. بل ردت الناشطة النرويجية قائلة: "إذا أوقفونا، سيكون العار عليهم. أما نحن، فضمائرنا ترسو بثبات".

بين الصلوات التي تقام على سطح السفينة، ومواعيد الاجتماعات عند غروب الشمس، يتمسك ركّاب "حنظلة" بقناعة واحدة: أن غزة ليست وحدها، وأن التضامن فعل، لا مجرد شعار. وإن "حنظلة" تُبحر باسم الضمير، لا الدول. هي ليست مجرد سفينة، بل فعل رمزي في وجه الاحتلال، وصفعة في وجه نفاق العواصم الصامتة.

اظهار أخبار متعلقة


التعليقات (0)