سياسة عربية

في الذكرى الـ77 للنكبة الفلسطينية.. ماذا تخبرنا الأرقام منذ 48؟

فلسطين تحيي الذكرى الـ77 للنكبة بتظاهرات تندد بإبادة غزة - جيتي
فلسطين تحيي الذكرى الـ77 للنكبة بتظاهرات تندد بإبادة غزة - جيتي
في الخامس عشر من أيار/مايو من كل عام، يستذكر الفلسطينيون والعرب الذكرى الأليمة لنكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، التي مثّلت لحظة مفصلية في التاريخ الفلسطيني والعربي الحديث، حينما أُجبر مئات الآلاف من الفلسطينيين على مغادرة ديارهم قسرًا، وبدأت معها أطول قضية لجوء في العالم المعاصر. 

وها هي الذكرى السابعة والسبعون تحلّ هذا العام في ظل أوضاع كارثية، لا سيما في قطاع غزة الذي يواجه واحدة من أكثر الكوارث الإنسانية فداحة منذ النكبة الأولى، بما يعكس استمرار مسلسل التطهير العرقي والإلغاء الممنهج الذي لم يتوقف منذ سبعة عقود ونيّف.

وبهذه المناسبة، أصدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تقريرًا خاصًا، وثّق فيه أبرز ملامح النكبة المستمرة، وما صاحبها من جرائم وانتهاكات بحق الأرض والإنسان الفلسطيني، مشيرًا إلى أن النكبة لم تكن مجرد واقعة تاريخية، بل مشروع إحلال متواصل تتجدّد مظاهره بشكل يومي، من خلال سياسات التهجير والمصادرة والهدم والاستيطان. 

وحمل التقرير عنوان "النكبة: تطهير عرقي مستمر وإحلال سكاني وسيطرة على الأرض"، وشدّد على أن ما جرى عام 1948 لم يكن مجرد حرب بين طرفين، بل جريمة اقتلاع جماعي ارتكبتها العصابات الصهيونية المنظمة، بدعم من قوى استعمارية، بهدف إنشاء دولة على أنقاض شعب حيّ له جذوره وتاريخه وحضارته.

اظهار أخبار متعلقة


ووفق بيانات التقرير، فإن نحو 957 ألف فلسطيني – أي ما يقارب 70% من سكان فلسطين آنذاك – تعرّضوا للتهجير القسري من أكثر من 1,300 مدينة وقرية فلسطينية، خلال وبعد إعلان قيام "دولة الاحتلال الإسرائيلي". 

وقد دُمّر بالكامل 531 تجمعًا سكنيًا فلسطينيًا، بينما تم إخضاع البقية لسياسات قمعية تهدف إلى السيطرة الكاملة على السكان وطمس هويتهم. 

كما أشار التقرير إلى تهجير إضافي لأكثر من 200 ألف فلسطيني خلال عدوان حزيران/يونيو 1967، ما وسّع من رقعة الشتات الفلسطيني في الداخل والخارج.

وأبرز التقرير حجم المجازر التي رافقت النكبة، مشيرًا إلى أن العصابات الصهيونية ارتكبت أكثر من 70 مجزرة موثقة، خلّفت ما يزيد عن 15 ألف شهيد، كانت تهدف إلى بثّ الرعب في نفوس الفلسطينيين ودفعهم إلى النزوح الجماعي.

النكبة الحديثة "غزة في عين العاصفة"
وركّز التقرير على الوضع الكارثي في قطاع غزة، واصفًا ما يجري هناك منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 بأنه "نكبة جديدة بوسائل محدثة"، مشيرًا إلى أن العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع خلف آثارًا مدمّرة لا تقلّ في قسوتها عما جرى عام 1948. 

اظهار أخبار متعلقة


فحتى الثامن من أيار/مايو الجاري٬ استشهد أكثر من 52 ألفا و600 فلسطيني في القطاع، أي أكثر من ثلث شهداء الشعب الفلسطيني منذ النكبة، والبالغ عددهم أكثر من 154 ألف شهيد.

ويشكّل الأطفال والنساء نحو 57% من ضحايا العدوان، حيث استشهد أكثر من 18 ألف طفل، و12 ألف امرأة، في حين ما يزال أكثر من 11 ألف فلسطيني في عداد المفقودين، غالبيتهم من النساء والأطفال. 

كما أصيب أكثر من 125 ألف شخص بجروح، بعضها تسبب بإعاقات دائمة، في ظل انهيار المنظومة الصحية وخروج معظم المستشفيات عن الخدمة.

وأشار التقرير إلى أن العدوان دمّر البنية التحتية بشكل شبه كامل، حيث فُجّر نحو 68 ألفا و900 مبنى بشكل كلي، وتضرر أكثر من 110 آلاف مبنى جزئيًا، بما في ذلك منازل، ومدارس، ومستشفيات، ومساجد، وكنائس، ومؤسسات حكومية واقتصادية. 

كما دمّرت قوات الاحتلال أكثر من 330 ألف وحدة سكنية، ما يعادل أكثر من 70% من مجمل مساكن القطاع، لتتحول غزة إلى "منطقة غير قابلة للحياة"، بحسب وصف التقرير.

ويعيش سكان غزة، البالغ عددهم نحو 2.2 مليون نسمة، مأساة إنسانية غير مسبوقة، إذ نزح أكثر من 90% منهم إلى مناطق مدمّرة أو ملاجئ مكتظة تفتقر لأدنى مقومات الحياة. 

اظهار أخبار متعلقة


ووصف التقرير هذا الوضع بأنه "نكبة الجوع"، مشيرًا إلى أن الاحتلال أعاد فرض حصار خانق منذ آذار/مارس 2025، ما أدى إلى وفاة 57 طفلًا بسبب المجاعة، وإصابة عشرات الآلاف بسوء تغذية حاد، في ظل شحّ المياه، وانعدام الرعاية الطبية، ونقص الغذاء والدواء.

أما على صعيد المياه، فلا يحصل الفرد في غزة سوى على 3 إلى 5 لترات يوميًا، مقارنة بـ15 لترًا تعتبر الحد الأدنى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية. ويرجع هذا النقص إلى تدمير منشآت التحلية وشبكات المياه، وانقطاع الكهرباء ونفاد الوقود اللازم لتشغيل مضخات المياه.

الضفة الغربية "استيطان وتضييق"
لم تقتصر تداعيات النكبة على قطاع غزة، إذ تناول التقرير أيضًا ما تشهده الضفة الغربية من تصعيد استيطاني خطير، وصفه بأنه "نكبة صامتة تتسلل بالأرقام". فقد بلغ عدد المواقع الاستيطانية في الضفة 551 موقعًا حتى نهاية عام 2024، بينها 151 مستوطنة معترفا بها من الاحتلال، و256 بؤرة استيطانية، و144 منشأة أخرى ذات طابع عسكري أو خدمي.

وخلال عام واحد فقط، صادقت سلطات الاحتلال على بناء أكثر من 13 ألف وحدة استيطانية، واستولت على أكثر من 58 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية، عبر أساليب متعددة تشمل أوامر استملاك، وإعلانات تحويل الأراضي إلى "أراضي دولة"، أو ضمها كمحميات طبيعية.

ووفق بيانات الجهاز، فإن عدد المستوطنين في الضفة تجاوز 770 ألفًا، بينهم نحو 44% يتمركزون في محافظة القدس، وبالأخص في المناطق التي ضُمّت بعد عام 1967، في خطوة لا يعترف بها القانون الدولي. وتبلغ نسبة المستوطنين إلى السكان الفلسطينيين في الضفة نحو 23.4%، فيما ترتفع في القدس إلى نحو 67.6%، ما يعكس سعي الاحتلال لفرض وقائع ديمغرافية على الأرض.

اظهار أخبار متعلقة


اعتداءات ممنهجة وصمود ديمغرافي
ورصد التقرير أكثر من 16 ألفا و600 اعتداء ارتكبه جنود الاحتلال والمستوطنون خلال عام 2024، توزعت بين اعتداءات على الأفراد والممتلكات والأراضي الزراعية. كما اقتُلعت أكثر من 14 ألفا و200 شجرة، معظمها من الزيتون، رمز ارتباط الفلسطيني بأرضه.

وفي الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، سُجّل أكثر من 5 آلاف و470 اعتداء جديدا، شملت حملات اعتقال، وإقامة نحو 900 حاجز عسكري، ما فاقم من معاناة الفلسطينيين اليومية، وحوّل حياتهم إلى سلسلة من الإغلاقات والتضييق والحصار.

رغم كل ذلك، يؤكد التقرير على ثبات الفلسطينيين وصمودهم، مشيرًا إلى أن عدد الفلسطينيين في العالم تضاعف أكثر من عشر مرات منذ النكبة، ليصل إلى نحو 15.2 مليون نسمة منتصف 2025، يعيش أكثر من 7.4 ملايين منهم في فلسطين التاريخية، في توازن ديمغرافي غير مسبوق مع عدد اليهود في ذات الرقعة الجغرافية. 

ووفق التقرير، فإن هذا الثبات يجسّد إرادة البقاء ومقاومة محاولات الطمس والإلغاء، ويؤكد أن النكبة رغم آلامها لم تنجح في اقتلاع هوية شعب أو محو ذاكرته.
التعليقات (0)