أعرب رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق، ورئيس معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، الجنرال احتياط عاموس يادلين، والباحثة في الشؤون الفلسطينية نوعا شوسترمان/دفير، عن قلقهما من طرح واشنطن “برنامج ترامب” في الأمم المتحدة، بسبب ما وصفاه بـ"ثغرات في بعض البنود وغموض في أخرى"، مؤكدين أن المسودة الأمريكية المقترحة أمام مجلس الأمن تحمل في طياتها مكاسب مؤقتة لإسرائيل، لكنها تنطوي أيضا على مخاطر إستراتيجية عميقة.
وقالا في مقال مشترك نشره موقع “
القناة 12 العبرية”، إن المسودة التي تروج لها الإدارة الأمريكية تهدف إلى أن تكون ركيزة مركزية لتنفيذ “برنامج ترامب” بشأن قطاع
غزة، الذي انطلق منذ أيلول/سبتمبر الماضي٬ موضحين أن الخطة الأمريكية تسعى إلى منح شرعية دولية واسعة للإجراءات المطروحة، وتشمل:
تأليف حكومة فلسطينية مؤقتة من التكنوقراط، وإنشاء قوة استقرار دولية ومجلس سلام، تمهيدا لنقل السيطرة تدريجيا إلى السلطة الفلسطينية بعد تنفيذ إصلاحات داخلية.
ورغم ما تحمله المسودة من توافقات أمنية شكلية مع الموقف الإسرائيلي، يرى يادلين وشوسترمان أن القرار المقترح يعاني ضعفا جوهريا، إذ يتيح تنفيذ إعادة الإعمار ونزع
السلاح بالتوازي، في حين طالبت الخطة الأصلية بنزع السلاح الكامل كشرط مسبق لإعادة الإعمار، الأمر الذي قد يحول نزع السلاح إلى "شعار لا إلى شرط ملزم"، وفق تعبيرهما.
وأشارا إلى أن تل أبيب ما تزال ترى أهداف حربها واضحة: تجريد حركة “
حماس” من سلاحها، وضمان ألا يشكل القطاع تهديدا أمنيا مستقبلا، لكن هذه الأهداف – بحسب المقال – قد تخفف كثيرا في قرار مجلس الأمن إذا ما أقر بصيغته الحالية.
تحذيرات من “قرار مخفف”
ويحذر الباحثان من أن القرار المرتقب قد لا يعكس روح “
خطة ترامب” الأصلية التي وقعت بين الولايات المتحدة وتركيا وقطر ومصر في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إذ يتطلب تمريره تصويتا في مجلس الأمن المؤلف من 15 دولة، بينها باكستان والجزائر، مع احتمال أن تعترض عليه دول دائمة العضوية مثل روسيا أو الصين. ويقولان إن هذه الدينامية تجعل المسودة الحالية اقتراحا مخففا يحاول تطبيق المرحلة الثانية من الخطة دون معالجة شاملة للأهداف الإسرائيلية.
وفي ما يتعلق بالشق الأمني، أوضح يادلين وشوسترمان أن المسودة تمنح الاحتلال شرعية دولية أوسع لمطلب نزع سلاح غزة وإنشاء قوة استقرار دولية بتعاون وثيق مع مصر، لكنها في الوقت ذاته تعاني من غموض عملي شديد، إذ لا تحدد الجهة المسؤولة عن تنفيذ نزع السلاح في حال رفضت “حماس” الالتزام طوعا، كما لا تبين حدود صلاحيات الشرطة الفلسطينية المقترحة.
وأشارا إلى أن غياب الربط بين إعادة الإعمار ونزع السلاح الكامل يفتح الباب أمام “حماس” لاستغلال المساعدات الإنسانية والاقتصادية لإعادة بناء بنيتها العسكرية، مضيفين أن المسودة لا تذكر صراحة الأنفاق أو البنى الداعمة لإنتاج السلاح، بخلاف خطة ترامب الأصلية.
اظهار أخبار متعلقة
مخاوف من فقدان السيطرة الميدانية
وحول الوجود العسكري الإسرائيلي في غزة، أبدى الكاتبان قلقهما من أن المسودة لا تحدد خريطة انسحاب واضحة للجيش الإسرائيلي، ولا تمنحه وضعا قانونيا واضحا على الأرض، ما قد يفسر كتقييد لحرية الحركة العملياتية.
وقالا إن "خطة ترامب" الأصلية تحدثت عن “الخط الأصفر” و“الخط الأحمر” والمحيط الأمني، لكن المسودة الجديدة تتجاهل هذه التفاصيل، ما يخلق "فجوة إستراتيجية خطرة"، خصوصا إذا أسند مجلس الأمن دورا إشرافيا على العمليات الميدانية.
ويضيفان أن النتيجة المحتملة قد تكون نشر قوات أجنبية في مناطق لا تزال تضم مقاتلين من “حماس”، وسط شكوك حول استعداد هذه القوات لنزع سلاح الحركة فعليا.
حكومة انتقالية ومجلس سلام
وبحسب المقال، تهدف الخطة إلى إنشاء مجلس سلام وحكومة تكنوقراط فلسطينية خاضعة للرقابة، لمنع عودة “حماس” وضمان الاستقرار، لكن المسودة تمنح المجلس صلاحيات شبه مطلقة في تحديد موعد استيفاء السلطة الفلسطينية للشروط المطلوبة.
ورغم أن ترامب سيقود المجلس، إلا أنه سيضم تمثيلا عربيا ودوليا، ما قد يجعل اتخاذ القرار خارج السيطرة الإسرائيلية.
كما يلفت الكاتبان إلى أن المسودة تحدد مدة عمل لا تقل عن عامين دون مؤشرات قياس أو معايير لتحديد النجاح والفشل، الأمر الذي قد يجعل مجلس السلام يتحول إلى وسيط غير متعاطف مع إسرائيل، في وقت تستفيد فيه حكومة نتنياهو من تأخير عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع.
إنجاز هش وتوازنات دولية
ويرى الباحثان أن المسودة الحالية تعد إنجازا مؤقتا للسردية الإسرائيلية، لأنها لا تشير إلى قرارات الأمم المتحدة السابقة أو فكرة الدولة الفلسطينية، لكنها تبقى إنجازا هشا، إذ من المتوقع أن تطلب فرنسا إدخال تعديل يربط القرار بـ“إعلان نيويورك”، ما قد يعيد فكرة حل الدولتين إلى الطاولة.
أما على الصعيد الدولي، فيتوقع يادلين وشوسترمان أن تفرض روسيا والصين والجزائر وباكستان تعديلات على النص في حال التصويت، قد تشمل المطالبة بانسحاب إسرائيلي كامل، أو إخضاع مجلس السلام وقوة الاستقرار لإشراف أممي مباشر، وهو ما تعتبره تل أبيب تحويلا للخطة من دعم سياسي إلى قيد إستراتيجي.
اظهار أخبار متعلقة
وفي خلاصة مقالهما، يقول الباحثان إن المسودة الأمريكية تمثل “سيفا ذا حدين”، إذ تمنح إسرائيل شرعية لمبادئ نزع السلاح وإدارة التكنوقراط، لكنها لا توفر ضمانات أمنية كافية، وقد تجعل السيطرة على غزة شأنا دوليا مفتوحا تشارك فيه أطراف عديدة.
ويضيفان أن إقرار القرار سيجعل تل أبيب طرفا ثانويا في إدارة القطاع، لكنه في الوقت نفسه يتيح لها فرصة لتخفيف الأعباء الميدانية وإعادة الإعمار الداخلي وتجديد قدراتها العسكرية.
ويختتمان بدعوة تل أبيب إلى التوصل لتفاهم جانبي مع واشنطن يضمن استمرار حرية عملها العسكري داخل غزة، في حال فشل برنامج ترامب أو تقاعست قوة الاستقرار عن أداء مهامها، مشيرين إلى ضرورة تثبيت شروط واضحة للانسحاب، وتحديد مدد زمنية واعتبار عدم تسليم “حماس” للجثامين خرقا جسيما يبرر الرد العسكري المباشر.
ورغم التحذيرات، يرى الكاتبان أن الظرف الإقليمي الراهن يشكل فرصة فريدة لإشراك جهات عربية معتدلة في إدارة غزة، بما يخدم المصالح الأمنية والاقتصادية لإسرائيل ويفتح الباب أمام اندماج إقليمي أوسع في حال استغلت المبادرة “بشكل صحيح”.